لماذا تدعم روسيا خليفة حفتر في ليبيا؟

تمتنع روسيا عن الإنحياز علناً لأي طرف من أطراف الصراع الليبي، وتكتفي بعرض فكرة المصالحة بين الأطراف المتناحرة. لكن هل وقع اختيار روسيا على معسكر المشير خليفة حفتر وباتت تراهن عليه؟

قوات خليفة حفتر: تفتقر إلى العديد لكي تبسط سيطرتها على طرابلس

بقلم صامويل راماني*

في الثامن من نيسان (أبريل) الجاري، عطّلت روسيا قراراً في مجلس الأمن الدولي يدعو قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، إلى وقف هجومه على طرابلس الذي بدأ في الرابع من نيسان/أبريل. لقد جدّدت روسيا، من خلال خطوتها هذه، تأكيد موقفها الذي يجعل منها واحدة من أبرز حلفاء حفتر، إلى جانب مصر والإمارات العربية المتحدة، وسلّطت الضوء على استعدادها المتواصل لحماية حفتر من الانتقادات الدولية. بعد ثلاثة أيام، قام حفتر بزيارة مفاجئة إلى موسكو مع اشتداد هجومه على طرابلس، في مسعى للحصول على مساعدات عسكرية من المسؤولين في وزارة الدفاع الروسية.
السلوك الديبلوماسي الأخير لروسيا ومصالحها الاستراتيجية في ليبيا هما في أساس دعمها للهجوم الذي يشنّه حفتر. فهي ترى في هيمنته المتزايدة على الاحتياطات النفطية الليبية ورقة استراتيجية قيّمة، فيما تسعى الشركات الروسية إلى الإفادة من الإنتاج النفطي الليبي المتنامي. وكذلك تعتبر موسكو أن ما يُسمّى الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر يُشكّل حصناً منيعاً ضد التطرف الإسلامي في ليبيا.
والأهم من ذلك، تسعى روسيا، بهدف الحفاظ على هذه المصالح الاقتصادية والأمنية، إلى تعزيز تأثير حفتر في التسوية الديبلوماسية التي قد يجري التوصل إليها مستقبلاً بوساطة من الأمم المتحدة. من وجهة النظر الروسية، إن دعمَ هجوم حفتر هو الوسيلة الأكثر فاعلية لتعزيز موقع روسيا التفاوضي في ليبيا مستقبلاً. ففي حين يُجمع العاملون في السياسة الخارجية الروسية، على نطاق واسع، على أن الهجوم العسكري الذي يشنّه حفتر يتناسب مع الأهداف الديبلوماسية الروسية، تحاول موسكو أيضاً أن تُبقي على قناة مفتوحة مع حكومة الوفاق الوطني، عبر الإنخراط بصورة منتظمة في حوار مع المسؤولين في الحكومة حول النزاع. فالإنفتاح الروسي على هذه الحكومة هو انعكاسٌ لبراغماتية موسكو التي تريد الحفاظ على نفوذ لها في حال فشل حفتر في توحيد ليبيا تحت حكمه، كما يُسلّط الضوء على تطلعاتها إلى أداء دور الوساطة في ليبيا.
على الرغم من أن حفتر عمد إلى توسيع نفوذه في ليبيا خلال العام المنصرم عبر شنّ حملات عسكرية ناجحة في درنة وسبها والحقول النفطية في حوض مرزق، إلا أنه وجد صعوبة في تحويل هذه الانتصارات العسكرية إلى تقدّمٍ على طاولة المساومات الديبلوماسية. وترتبط هذه الإخفاقات في الجزء الأكبر منها باعتبار المجتمع الدولي فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني المُعترَف بها من الأمم المتحدة، لا حفتر، هو الزعيم الشرعي للبلاد. لقد أشار أندريه كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، في التاسع من نيسان (إبريل)، إلى أن روسيا دعمت هجوم حفتر لأنها تريد أن يستخدم الجيش الوطني الليبي نجاحاته العسكرية ورقة مقايضة بغية تعزيز نفوذه في التسوية الديبلوماسية.
وقد عمدت وزارة الدفاع الروسية، بهدف التسريع في وتيرة تقدّم استراتيجيتها الليبية، إلى تقديم مساعدات عسكرية صغيرة النطاق للجيش الوطني الليبي، وفق ما يُزعَم. في آذار (مارس) الفائت، أفادت تقارير أن مجموعة “واغنر”، وهي شركة أمنية على ارتباط بالكرملين، نشرت 300 جندي روسي في بنغازي وزوّدت حفتر بالمدفعيات والطائرات غير المأهولة والدبابات والذخائر التي يستطيع الجيش الوطني الليبي استخدامها في الهجمات العسكرية. وحصل ذلك بعد اجتماع أوّل عُقِد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 بين حفتر ووزير الدفاع الروسي سرغي شويغو ورئيس مجلس إدارة مجموعة “واغنر”، ييفغيني بريغوزين. غالب الظن أن روسيا ستستمر في إرسال الأسلحة إلى الجيش الوطني الليبي، فوصول حفتر إلى الحقول النفطية الليبية سيُتيح له شراء أسلحة روسية بوتيرة أكثر إطراداً.
على الرغم من هذه الإمدادات بالأسلحة، أثار التقدّم غير المطرد للجيش الوطني الليبي في طرابلس مخاوف في موسكو من أن زخم حفتر قد يتعثّر. ويعتقد غريغوري لوكيانوف، وهو خبير في الشؤون الليبية في كلية الاقتصاد العليا في موسكو، أن حفتر يفتقر إلى العناصر البشرية لممارسة سيطرة مستمرة على طرابلس، كما أن مصراتة، معقل حكومة الوفاق الوطني، تقع على مقربة من طرابلس ما يطرح تهديداً وجودياً لأي احتلال قد يفرضه الجيش الوطني الليبي على المدينة. لقد اندلعت صدامات عنيفة مع القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في ضواحي طرابلس الجنوبية في 11 نيسان (إبريل)، ما أسفر عن مقتل 56 شخصاً وأسر 200 جندي من الجيش الوطني الليبي، وانطلقت تظاهرات في طرابلس احتجاجاً على الهجوم الذي يشنّه حفتر، ما أثار مخاوف متعاظمة لدى موسكو.
غالب الظن أن موقع حفتر الراهن لن يقود إلى حدوث تغيير في الاستراتيجية الروسية في الملف الليبي، غير أن إيلينا سوبونينا، وهي خبيرة في شؤون الشرق الأوسط مقيمة في موسكو، تُشير إلى أن مكانة حفتر المُعَززة على الأرض سوف تُتيح للجيش الوطني الليبي استئناف المفاوضات من موقع قوة. وقد حافظت روسيا على تواصل منتظم مع حكومة الوفاق الوطني من طريق قنوات خلفية، كي تحجز لنفسها مكاناً كمساهِمة أساسية في التسوية الديبلوماسية، بعد بلوغ حفتر ذروة تقدّمه على الأرض.
في السابع من نيسان (إبريل)، أجرى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مكالمة هاتفية مع نائب رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق الذي طلب منه انسحاب قوات حفتر من المناطق الواقعة غرب ليبيا وجنوبها. ويبدو أن الحوار مع حكومة الوفاق الوطني أتى بثماره، إذ صرّح بوغدانوف في 12 نيسان (إبريل) أن محمد سيالة، وزير الخارجية في الحكومة المذكورة، تعهّد بحضور منتدى التعاون الروسي-العربي في 16 نيسان (إبريل). قد يفشل التواصل الروسي مع حكومة الوفاق الوطني على ضوء توطُّد التحالف بين موسكو وحفتر، إلا أن موسكو تأمل بالحفاظ، لأطول فترة ممكنة، على خط التواصل بينها وبين حكومة السراج.
تأمل روسيا، من خلال تثبيت نفسها في موقع الحليفة الأساسية لحفتر والإنخراط في الوقت نفسه في حوار مع حكومة الوفاق الوطني، بأن تُقدّم نفسها في صورة وسيطٍ أكثر نفوذاً في ليبيا قادرٍ على التفاوض مع جميع الأفرقاء السياسيين المعنيين. كما أنه من شأن العمل على تحقيق مصالح حفتر في التسوية الديبلوماسية أن يوطد علاقات موسكو مع مصر والإمارات العربية المتحدة في وقتٍ تدعم فيه الدولتان خروج الرئيس السوري بشار الأسد من عزلته الديبلوماسية،1 وأن يمنح حفتر الشرعية التي يحتاج إليها لاستقطاب مزيد من الاستثمارات الخارجية في شرق ليبيا.
بغية تحقيق هذه الأهداف الطموحة، أنشأت روسيا مجموعة إتصال ليبية برئاسة رجل الأعمال ليف دنغوف الذي حاول تسهيل الحوار بين الأفرقاء السياسيين المختلفين. في 16 شباط (فبراير) الفائت، أعلنت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن الكرملين قرّر استضافة منتدى حواري ليبي شامل في موسكو، من دون تحديد موعد انعقاده. كذلك وجّهت روسيا دعوةً إلى رئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري لزيارة موسكو – على الرغم من روابطه السابقة مع جماعة “الإخوان المسلمين” التي صنّفتها موسكو في خانة التنظيمات الإرهابية – ومدّت يدها إلى “عملية البنيان المرصوص” (عملية عسكرية ليبية؛ أطلقها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” لطرده من منطقة سرت الساحلية) التي تضم في صفوفها ميليشيات تابعة لحكومة الوفاق الوطني، بهدف تسليط الضوء على انفتاحها على تسهيل الحوار بين الأفرقاء المختلفين في ليبيا.
على الرغم من أن الطلب الوحيد للوساطة الروسية حتى تاريخه صدر عن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الداعِم لحفتر في طبرق، إلّا أن صنّاع السياسات الروس يأملون بأن يساهم تواصلهم المستمر مع حكومة الوفاق الوطني في جعل رئيس الوزراء فايز السراج أكثر انفتاحاً على جهود الوساطة المدعومة من الكرملين. ويُشكّل تسهيل الإمارات للحوار بين السراج وحفتر في شباط (فبراير) الماضي، على الرغم من موقف أبوظبي الداعم للجيش الوطني الليبي، سابقة مشجِّعة لمبادرات الوساطة الروسية.
على الرغم من أن نتائج الهجوم الذي يشنّه حفتر لا تزال غير واضحة، إلا أن تحالف روسيا مع زعيم الجيش الوطني الليبي وعلاقاتها الديبلوماسية الراهنة مع حكومة الوفاق الوطني يخوّلانها أن تحجز لها دوراً بارزاً للوساطة في النزاع الليبي. ومن شأن هذا الدور أن يعزّز من صدقية الهدف الذي يسعى إليه لافروف والمتمثل في تسليط الضوء على مساهمات موسكو في الإستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، والذي يُشكّل عنصراً محورياً في الجهود التي يبذلها لمد اليد إلى إيطاليا والمغرب العربي، كما أن هذا الدور يؤدي إلى توطيد مكانة موسكو الصاعدة كقوة عظمى في الشرق الأوسط.

• صامويل راماني طالب دكتوراه في العلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني في جامعة أوكسفورد البريطانية، وتتركز أبحاثه على العلاقات الروسية مع الشرق الأوسط. لمتابعته عبر تويتر: samramani2@
• عُرّب هذا الموضوع من الإنكليزية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى