لماذا تتعثَّر الجهود لطرد القوات الأميركية من العراق؟

الضغوط التي تُمارَس لإقرار مشروع قانون ينص على طرد القوات الأميركية من العراق، في خطوةٍ تطرح علامات استفهام على الصعيد الدستوري، تتسبّب لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي بورطةٍ هو بغنى عنها.

دونالد ترامب: موجودون في العراق لمراقبة إيران

بقلم كيرك سويل*

تلقّت الفصائل العراقية المناهضة للوجود العسكري الأميركي هديةً في الثالث من شباط (فبراير) الفائت، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن القوات الأميركية ستبقى في العراق لـ”مراقبة إيران”. غير أن النوّاب الذين يطالبون الحكومة العراقية بطرد القوات الأميركية، وعلى الرغم من محاولتهم توظيف رد الفعل السلبي الواسع النطاق على تصريح ترامب، أخفقوا حتى تاريخه في كسب أكثريةٍ داعمة لهم منذ استئناف انعقاد جلسات مجلس النواب في التاسع من آذار (مارس) الماضي. وحتى إذا أقرّ البرلمان مشروع قانون لإخراج القوات الأميركية من البلاد، فسوف تكون مشروعيته الدستورية موضع تشكيك. غير أن هذه المسألة تزجّ حلفاء الولايات المتحدة في العراق في مأزقٍ هم بغنى عنه، وعلى رأسهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي يواجه صعوبة في استكمال تشكيلته الحكومية.
لقد أوضح ترامب في كلامه أنه لا يرغب في استخدام العراق لشنّ هجوم على إيران، لكنه ربط وجود القوات الأميركية بسياسة بلاده حيال إيران – بما يتعارض مباشرةً مع كلام المسؤولين العراقيين الذين يُشيرون إلى أن القوات الأميركية موجودة في البلاد لتدريب الجيش العراقي على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. بالمثل، أثارت الزيارة غير المعلَنة التي قام بها ترامب إلى الجنود الأميركيين في الأنبار في أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، رداً سلبياً لأنها بدت أنها تُشكّل خرقاً للبروتوكول المتّبع – فهو لم يتوجّه أولاً إلى بغداد ولم يجتمع بأيٍّ من المسؤولين العراقيين – واعتُبِرت انتهاكاً للسيادة العراقية. وقد اضطُرّ عبد المهدي إلى تقديم تفسيرات قائلاً بأن السيادة العراقية لم تتعرّض للإنتهاك لأن القوات الأميركية موجودة في العراق بناءً على طلب الحكومة العراقية لمحاربة “الدولة الإسلامية”. فردّ زعيم منظمة بدر، هادي العامري، الذي يرأس الكتلة البرلمانية االمدعومة من إيران، بالقول بأن زيارة ترامب هي إهانة وبأن وجود القوات الأميركية غير شرعي.
كذلك أعلن ترامب متباهياً: “نمتلك قاعدة عسكرية مدهشة وباهظة الكلفة في العراق”، وتشغل “موقعاً ممتازاً” لمراقبة الأحداث في المنطقة. وفي هذا الكلام تناقضٌ مع اللازمة التي يدأب رئيس الوزراء عبد المهدي على تكرارها باستمرار، عن عدم وجود قواعد أميركية في العراق، وعن أن الوجود الأميركي يقتصر على الجنود الأميركيين العاملين في القواعد العراقية. نظراً إلى حساسية العراقيين في ما يتعلق بسيادة بلادهم واستغلالها في السابق على أيدي الولايات المتحدة وإيران في الخصومات الإقليمية، دفعت تصريحات ترامب حتى بأنصار الولايات المتحدة إلى الردّ عليها والتعبير عن استهجانهم لها. وقد استغلت الشخصيات الموالية لإيران الإستنكار الواسع، وتحوّلت مشاعر العداء للولايات المتحدة التي ولّدتها هذه التطورات دعامةً أساسية استخدمها حلفاء إيران في العراق خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة.
والأهم على المستوى التشريعي أن هذه التصريحات دفعت بالصدريين إلى تحويل انتباههم من جديد إلى موقفهم التقليدي المناهض للولايات المتحدة. لقد أظهر تيار مقتدى الصدر على الدوام معارضة شديدة لوجود القوات الأميركية في البلاد، غير أن حماسة الصدريين لهذه القضية انحسرت في الأعوام الأخيرة مع تركيز التيار بصورة متزايدة على الشؤون الداخلية. لكن الصدر، وانطلاقاً من حاجته الواضحة إلى مسألة يتّفق عليها مع الخصوم الشيعة في خضم المأزق الحكومي المستمر، تعهّد بالعمل مع زعيم الإئتلاف الموالي لإيران هادي العامري لإقرار مشروع قانون ينص على طرد القوات الأميركية من البلاد.
لكن ليس واضحاً إذا كان مجلس النواب يمتلك السلطة لإقرار مثل هذا القانون. لقد قدّم البرلمان صيغة قرار في آذار (مارس) 2018 ” يطلب من القائد العام للقوات المسلحة وضع الجدول الزمني لمغادرة جميع القوات الأجنبية من العراق”، غير أن الحكومة تجاهلت القرار. وبعد تصريحات ترامب المتهوّرة، أعلن الصدريون أنهم سيُقدّمون مشروع قانون رسمياً يكون “مُلزِماً” للحكومة. وفقاً لمسودة عن مشروع القانون، أمام الحكومة العراقية سنة واحدة لطرد القوات الأميركية من العراق، وعليها أن تطلب موافقة البرلمان قبل السماح بانتشار قوات أجنبية تابعة لأي بلدٍ كان في العراق في المستقبل.
لكن استناداً إلى قرار صادر عن المحكمة العليا في العام 2010 (اسُتتبِع بقرارات لاحقة في العام 2013 ثم في العام 2015)، ليس مجلس النواب مخوّلاً أن يأخذ زمام المبادرة في اقتراح تشريعات، لأنه من شأن ذلك أن يُشكّل تعدّياً على الواجبات الدستورية للسلطة التنفيذية. فبحسب تفسير المحكمة للدستور، الحكومة هي المسؤولة عن وضع السياسات، وبإمكان الهيئة التشريعية أن ترفض إقرار مشاريع القوانين إنما لا يجوز لها اقتراحها. لكن في حين أن الدستور العراقي ينص بوضوح على أن الشؤون الأمنية والعلاقات الخارجية هي وظائف منوطة بالسلطة التنفيذية، تُجيز المادة 61 في الدستور لمجلس النواب سلطة إقرار تشريعات تُحدّد قواعد خاصة بالاتفاقات الدولية. في العام 2015، أقرّ مجلس النواب قانوناً من هذا القبيل، وقد نصّت المادة 17 منه على أنه يتعيّن الحصول على موافقة البرلمان قبل “إلزام” العراق باتفاق خارجي يتعلق بالأمن والجيش وشؤون أخرى. تمنح تصريحات ترامب الفصائل المعارِضة لوجود القوات الأميركية الدعم اللازم لفرض تطبيق هذه المادة.
غالب الظن أن صيغة مشروع القانون للعام 2015 هي التي دفعت برئيس الوزراء عبد المهدي إلى التشديد على عدم وجود معاهدة حول امتلاك القوات الأميركية قواعد في العراق – لا وجود لما يُعرَف بـ”اتفاقية وضع القوات” (SOFA) – وبالتالي ليس هناك ما يُلزِم العراق، بل مجرد ترتيب يُجيز للقوات الأميركية تأمين التدريب للجنود العراقيين في قواعد عراقية. المشكلة هي أن عبد المهدي، الذي هو في موقف ضعيف جداً إزاء مجلس النواب، قال كلاماً أوحى بأنه سيحترم قرار البرلمان أياً يكن. فعبد المهدي يبقى ضعيفاً في غياب ائتلاف داعمٍ له.
لكن منذ استئناف مجلس النواب جلساته في 9 آذار (مارس)، يتخبط داعِمو مشروع القانون حول خروج القوات الأجنبية في مشكلاتهم الخاصة. ومن علامات الصعوبات التي يواجهونها انقسام النواب في اللجنة التي أنشئت لمتابعة هذه القضية، بين مشروع القانون الذي تقدّم به التيار الصدري ومشروع قانون أكثر مرونة ينص على البدء بسحب تدريجي للقوات الأجنبية في فترة أقصاها 36 شهراً – مع العلم بأن ولاية عبد المهدي تكون قد شارفت على نهايتها بحلول ذلك الوقت.
ولم يتّضح، في أي مرحلة من المراحل، إذا كان مشروع القانون الصدري قادراً حتى على الحصول على أكثرية من الأصوات. فالتكتّل الوحيد التي يُبدي التزاماً واضحاً بالخط المناهض للولايات المتحدة، إلى جانب تكتّلَي العامري والصدر، هو ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. يمتلك تكتّل العامري 48 مقعداً، وتكتّل الصدر 54 مقعداً وائتلاف دولة القانون 25 مقعداً، أي 127 مقعداً في المجموع، وهو عدد كافٍ نظرياً لإقرار مشروع قانون بغالبية بسيطة من الأصوات شرط تأمين النصاب (أي يجب أن يحضر الجلسة 165 نائباً على الأقل من أصل 329). لكن في العراق، غالباً ما تسقط مشاريع القوانين، ليس من طريق التصويت بل عبر تعطيل النصاب وبالتالي عدم حصول التصويت من الأساس. وفي حين أنه لهذه التكتّلات الثلاثة أكثرية من النواب الشيعة، لم يدعم أيٌّ من الفصائل السنّية العربية أو الكردية مشروع القانون. إذاً ربما استند عبد المهدي في تعبيره عن احترامه لسلطة مجلس النواب، إلى حسابات لديه بأن مشروع القانون لن يجد طريقه أبداً نحو الإقرار.
وفي ضربة إضافية تلقّاها أنصار مشروع القانون، لمّحت رئاسة مجلس النواب إلى أنها تُحبّذ الرؤية التي عبّرت عنها حكومة عبد المهدي. فرداً على سؤال عن مشروع القانون مباشرةً بعد تصريحات ترامب عن “مراقبة إيران”، لمّح رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي إلى أنه سيتصرف بناءً على رغبة رئيس مجلس الوزراء. وكان الحلبوسي أكثر وضوحاً في الكلام الذي أدلى به في 28 آذار (مارس)، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، عندما قال إن الدور العسكري الأميركي في العراق هو مهم جداً. وفي مسعى ربما لوضع حدّ للسجال، أكّد الرئيس العراقي برهام صالح، في 29 آذار (مارس)، بعد انقضاء ثلاثة أسابيع على تعثُّر مشروع القانون، أن هناك “إجماعاً” ضده. ثمة مبالغة في هذا الكلام، إنما من الواضح أن داعمي مشروع القانون لا يتمتعون بالأكثرية كما يدّعون. ربما كان هدفهم ببساطة دفع البيت الأبيض إلى القيام برد فعل متسرّع وغير مدروس، إلا أنهم قد لا يتمكنون حتى من تحقيق ذلك الهدف. على الرغم من ذلك، تُقحم هذه المسألة رئيس الوزراء الصديق للولايات المتحدة في مأزقٍ لا شك في أنه بغنى عنه.

• كيرك سويل محلل للمخاطر السياسية وناشر الرسالة الإخبارية التي تصدر كل أسبوعَين”Inside Iraqi Politics” لمتابعته عبر تويتر: uticarisk@
• عُرِّب هذا الموضوع من الإنكليزية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى