الإِصلاح ومُـحاربة الفساد؟ هذا هو الرَجُل

بقلم هنري زغيب*

أَقرأُ من دون تعليق: ذاتَ يومٍ مُشمسٍ من نهارٍ ربيعي، فوجئَ المواطنون برؤْية رئيس الجمهورية حاملًا رفْشًا ومجرفةً، يُساعد في رفع النُفايات من شارعٍ رئيسٍ في العاصمة. وذاتَ يومٍ آخَر فُوجئَ به موظَّفو المستشفى الحكومي في العاصمة يقوم بزيارةٍ تَفَقُّدية. وجدَ المرضى مفترشين الأَرض، ومُعظمَ الأَجهزة الطبية مُعطَّلة. عزَلَ جميعَ مسؤُولي المستشفى، وشكَّلَ إِدارةً جديدةً أَعطاها أُسبوعين لإِصلاح الوضْع، فَأَصلحتْه في ثلاثة أَيام.
أُواصلُ القراءة من دون تعليق: هذا الرئيس، منذ يومه الأَول في السُلطة، تعهَّدَ إِلغاءَ مبدأِ “عفا الله عمّا مضى”، وأَعلنَ عن إِطلاق حملةٍ واسعةٍ للإِصلاح شعارُها “اجـتـثـاثُ الفساد ووقْفُ الهدْر في مفاصل الدولة”. وفي أَقلَّ من أُسبوع واحد، شكَّل أَولَ حكومة في عهده، مُـخَفِّضًا أَعضاءَها من 30 وزيرًا إِلى 19 وزيرًا فقط، وأَمرَ وزراءَه في اليوم الأَول بالتصريح عن أَموالهم وممتلكاتهم، وهدَّد بإِقالة مَن لا يكشِف عنها بشفافيةٍ كاملةٍ أَو مَن لا يوقِّع على عَقْدٍ بالنزاهة.
وأَكثر: مَنَع الوزراء والنواب من السفَر إِلى الخارج بدون إِذنٍ منه مباشرةً، كي يهتمُّوا بالمشاكل الداخلية في البلاد. وأَمرَ بِـجمْع السيارات الفخمة في الدولة، ثم باعَها في المزاد العلني، واستبدلَها بسياراتٍ عادية، وحرَّمَ على جميع المسؤُولين في الدولة السفَـرَ في الدرجة الأُولى، وأَلغى اللقاءات الحكومية والرسمية في الفنادق وجعلَها في المقر الرسمي لكل وزارة، وخفَّض وفدَ بلاده إِلى الاجتماعات الرسمية الخارجية من 50 مندوبًا إِلى أَربعة مندوبين.
أَقرأُ بعدُ من دون تعليق: بعد تشكيل حكومته الأُولى، طرَدَ 10 آلاف موظف بسبب التزوير، وأَقال مسؤُولين بارزين في طليعتهم: رئيسُ جهاز مكافحة الفساد، رئيسُ مصلحة الضرائب، رئيسُ هيئة الموانئ، رئيسُ مصلحة السكك الحديدية، وأَلغى الاحتفالاتِ الرسميةَ يومَ الاستقلال تَـخفيفًا للمصاريف، ويومَ افتتاح المبنى الجديد لمجلس النواب خفَّض مصاريفَ الاحتفال الرسمي من 100 أَلف دولار إِلى 7 آلاف دولار، وحوَّل قسمًا من الوفْر لإِكمال نواقص الأَجهزة الطبية والتجهيزات اللوجستية في المستشفى الحكومي.
أُواصلُ القراءةَ أَيضًا من دون تعليق: أَرسلَ رئيسَ وزرائه إِلى حملةٍ تفتيشيةٍ في المرفأِ فاكتشفَ هذا تجاوزاتٍ ضريبيةً، واختلاساتٍ متراكمةً بقيمة 40 مليون دولار من العائدات، فأَمَرَ رئيسُ الجمهورية باعتقال رئيس الديوان مع خمسةٍ من كبار مُساعديه، وأَخضعَهم للتحقيق الجنائي.
أَختمُ من دون تعليق: هذه الوقائعُ بأَرقامها ليست من بلادٍ في خيالِ روائيٍّ مبْدِعٍ، ولا هي في “جمهورية أَفلاطون” الفاضلة، بل هي في جمهوريةٍ شرقيَّ أَفريقيا، اسـمُها تانزانيا. رئيسُها دكتور في الكيمياء اسـمُه جون ﭘــومبي ماغُوفُولي ” John Pombe Magufuli”. متخرِّجٌ من “جامعة دار السلام” في العاصمة دُودُومَا (Dodoma). لَقَبُه “بولدوزر الإِصلاح وقاهرُ الرشوة والفساد”. استلمَ الـحُكْم في 5 تشرين الأَول (أكتوبر) 2015، وكان أَولَ مرسومٍ جمهوريٍّ أَصدَرَه: تَـخفيضُ راتبه الشَهري من 15 أَلف دولار إِلى 4 آلاف دولار.
عشتُم وعاشَ لبنان.
ولا زالت “الإِصلاحات” في دياركم عامِرة.

• هنري زغيب شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى