ثورة بعد الثورة

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

بعد ثماني سنوات على ما سُمِّي بـ”الربيع العربي”، ومن دون تحريضٍ خارجي مثلما حصل من قبل، ولكن باعتماد الوسائط الإجتماعية، نجحت ثورة فريدة في الجزائر، تميّزت بسلميتها، سواء من جهة المتظاهرين أو من جهة السلطة التي لم تلجأ إلى عنف يُقال أنه شرعي.
خلال أسابيع عدة خرج الجزائريون إلى الشارع، بدايةً للمناداة بعدم القبول بالترشيح الخامس للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ثم للدعوة لرحيل كل “الطغمة” الحاكمة، وتحرير الشعب الجزائري.
وكما هي العادة، فإنه لم يعد أمام القيادة برئاسة عاجزة، إلّا أحد حلّين إما الرحيل، أو المواجهة.
وطبعاً وباعتماد التجارب السابقة في انتفاضات “الربيع العربي”، فإن حكام الجزائر كانوا يعرفون مُسبَقاً أن المواجهة لا تُفيد، ولذلك شرعوا في تقديم التنازلات. وتشير كل الدلائل دائماً في التجارب السابقة، أن التنازل الأول يقود حتماً إلى التنازل الأخير، أي ترك السلطة. هذا ما حصل في إيران وفي تونس وفي مصر أساساً، أي في بلدان تتمتع بهيكلة دولة مركزية، لا تحكمها قبائل أو طائفة أقلية.
ومن هنا كان مصير بوتفليقة مكتوباً في الصحف الأولى، والإستقالة المتأخرة تؤكد ذلك وكانت في الحسبان، ولكن يبقى السؤال المطروح: هل إن مجموعته المتناحرة، والتي بدأ اقتتالها بمجرد رفع يده عنها، ستبقى أو سيبقى بعضها، كأخويه اللذين كانا يمسكان بجزء من السلطة، والجنرالات في أعلى المراتب الذين يملكون الجزء الآخر، أو “لوبيات” الفساد التي كان يرعاها ويبسط عليها “رضاه” ويُعطيها مناعة ما بعدها مناعة؟
أمران إثنان يجب أن يتوقف عندهما المرء:
أولهما: هل إنها استقالة نابعة من قرار حر، ولو تحت ضغط الشارع اقتنع بها المستقيل، الذي كان يرغب في البقاء حتى الوفاة، كما حصل لسلفه هواري بومدين، أو محمد بوضياف المُغتال؟
ثانيهما: هل هو انقلاب في شكل استجابة لثورة الشارع في اتجاه مسايرته والالتفاف عليه لاحقاً؟
إشاعات تناقلتها مصادر لا يمكن لأحد أن يثق بعد إعلان إستقالة بوتفليقة تقول إن الشقيق سعيد وبعض كبار المسؤولين السابقين وأتباعهم صاروا وراء القضبان، مع باقة من كبار المتنفذين من رجال الأعمال، فهل يعني ذلك نهاية نظام؟
ذهب بوتفليقة، هل ذهب معه نظامه؟
أم ذهب وبقي نظامه ولا هي ثورة ولا مَن يحزنون.
دستورياً في الجزائر التي وقع التلاعب بدستورها، كما حصل زمن زين العابدين بن علي بالدستور التونسي، فإن رئيس البرلمان هو القيّم على السلطة لمدة معلومة، يتم بعدها انتخاب رئيس جديد؟
أم إن الثورة إذا كانت هناك ثورة، ستكتسح كل شيء وتفرض مساراً جديداً؟
والسؤال الأهم المطروح: هل إن هذه الثورة الشعبية، العارمة، ستستولي عليها جهات إسلاموية؟

• عبد اللطيف الفراتي كاتب وصحافي تونسي مخضرم. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الصباح” التونسية ومراسلاً لصحف ومجلات عربية عدة. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى