الإسلاموفوبيا في أسوأ أشكالها الهمجية

بقلم كابي طبراني

القتل الجماعي للمُصلّين المُسلمين في مدينة “كرايستشيرش” في نيوزيلندا يوم الجمعة الفائت صدَم العالم بأسره وكل شعوب الأرض المُنتمية إلى جميع الأديان.
إلى جانب إدانتها بأقوى العبارات المُمكنة، فإن المذبحة التي أودت بحياة ما لا يقل عن 50 شخصاً وعشرات الجرحى الآخرين تُثير القلق، لأنها تُشير إلى أن الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) وجرائم الكراهية والمتطرّفين البيض هم في تزايد في العديد من الدول الغربية، على الرغم من الجهود اليائسة المبذولة لاحتوائهم.
إن عملية القتل هذه هي تذكيرٌ صارخٌ بتزايد الكراهية والحقد والتعصّب في جميع أنحاء العالم، وفشل الحكومات الغربية وأجهزة الأمن لديها في إدراك التهديد الذي تُشكّله. لقد استهلك التركيز على التطرف الإسلامي بين مسؤولي مكافحة الإرهاب الغربيين في العقود الأخيرة أكثر الجهود، مما سمح لليمين المتطرف الإنتشار عبر الإنترنت وفي العالم الواقعي. من الواضح أنه لم يعد بمقدورنا التقليل من شأن الإيديولوجيات السامة للقوميين البيض المتشدّدين أو التهديد العنيف الذي يُشكّلونه. ومع ذلك، ففي غضون ساعات من هجوم يوم الجمعة على المسجدين، ألقى السناتور الأوسترالي فريزر أنينغ باللوم على “برنامج الهجرة الذي سمح للمُتعصّبين المُسلمين الهجرة إلى نيوزيلندا في المقام الأول”.
في الواقع، لم يخطر في بال أحد ولا في أحلام الخبراء أن نيوزيلندا المعروفة بتسامحها الديني، من بين جميع البلدان، ستكون مسرحاً لجريمة “إسلاموفوبيا” أخرى مأسوية في أسوأ أشكالها البربرية. ومع ذلك، فقد حدثت الجريمة ويُمكن توقع حدوث هجمات مماثلة على المسلمين في العديد من الدول الغربية في المستقبل.
إن الكراهية والعداء تجاه المسلمين لهما جذور عميقة في الغرب، ويُمكن تتبعهما إلى ولادة الإسلام. الأسوأ من ذلك هو أن الخوف من الإسلام في العديد من الدول الغربية من المتوقع أن يرتفع لأسباب عدة ليست تاريخية فقط في طبيعتها، ولكن أيضاً بسبب إرتفاع عدد المسلمين الذين يهاجرون إلى الدول الغربية.
كلما زاد عدد المسلمين الذين يهاجرون إلى الغرب، زادت نسبة الكراهية والعداء تجاههم، خصوصاً عندما تكون الهوية الإسلامية مرئية وظاهرة. لن يستطيع أي قدر من الآمال الورعة من تغيير هذا التوقّع المقلق. فطالما أن التعايش السلمي بين الأديان والثقافات لا يُمكن تحقيقه في أجزاء كثيرة من العالم، فإن الأزمة ستستمر.
لذلك ينصح بعض الخبراء المسلمين بالتوقف عن البحث عن أماكن جديدة للعيش في دول تُعَدّ ثقافتها مُعادية بشكل كبير ومتطرف للإسلام. في هذه الأثناء، يجب على الدول الغربية بدورها أن تسعى بجدية أكبر إلى مكافحة الإسلاموفوبيا وجرائم الحقد والكراهية. فكل ما تفعله هذه الدول حالياً في هذا الإتجاه هو ببساطة قليل جداً ولا يكفي.
إن القومية المتطرفة هي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات الغربية اليوم – لا سيما عندما يتبنّاها كبار المشرّعين. إن منع الأحداث المماثلة لتلك التي شهدتها “كرايستشيرش” سيتطلّب من القادة والمواطنين أن يكفّوا عن تجاهل المشكلة أو التساهل مع أطرافها. كما يجب أن تضمن منصّات وسائل التواصل الإجتماعي مثل “فايسبوك” و”تويتر” – حيث تم توزيع اللقطات المصورة للمذبحة على نطاق واسع يوم الجمعة – عدم وجود مكان للخطابة العنيفة على مواقعها. وينبغي أن تكون الأجهزة الأمنية أكثر تماسكاً في ملاحقتها ومراقبتها للأفراد الذين يتبنّون هذه الآراء.
إن جميع الإتفاقات الدولية لحقوق الإنسان تتحدّث بصوتٍ عالٍ ضد جرائم الحقد والكراهية وتُدينها، وتدعو بالتالي إلى التسامح الديني والإثني.
من المُسلَّم به أن هذه المهمة شاقة، ولكن بذل المزيد من الجهد يُمكن أن يُحدث الفرق حتى تصبح البشرية ككل أكثر تسامحاً تجاه بعضها البعض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى