الـمياه الصافية لا تعني أَنها دائِـمـًا صالحةٌ للشُـرب

بقلم هنري زغيب*

في تعريفٍ عاديٍّ للتلامذة في الصفوف الابتدائية أَنَّ “المياه الصالحة للشُرب هي تلك التي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة”.
وفي السائِد بين الناس أَنَّ المياه، طالما هي شفَّافةٌ صافية، تكون نقيةً صالحةً للشرب.
غير أَنَّ هذَين التعريفَ والسائدَ ليسا صالِـحَين في المطلق ولا مضمونَين عمومًا، وخصوصًا بعد الذي يتناهى إِلينا من وسائل الإِعلام عن تَلَوُّث المياه في أَنهارنا والينابيع، وعن تَسَلُّل المياه الملوَّثة إلى المياه الجوفية في باطن الأَرض وامتزاجها بِـمياه الشَفَة، ناقلةً إِلى “المواطنين الأَعزاء” أَصنافًا شتى من الجراثيم والأَمراض وعوارض الخلَل الصحية.
عن دراسةٍ قرأْتُها قبل أَيامٍ أَنَّ المياه غيرَ الصالحة للشُرب تكون فيها عناصرُ عضويةٌ مُتَفَتِّتَة، أَو عناصرُ معدنيةٌ غيرُ عضويةٍ كالحديد والنحاس والمانغانيز. وفي الحالتين يكون في المياه شَيْءٌ من التلوين يَتَمَظْهَرُ لونًا مَـخفيًّا أَو لونًا ظاهرًا. فاللونُ الـمَخفيُّ ناجمٌ عن عناصرَ عضويةٍ مُتَفَتِّتَة كأَوراق الشجَر أَو العُشب اليابس، واللونُ الظاهرُ ناجمٌ عن موادَّ معدنيةٍ غيرِ عُضوية. ولا يمكن تَبَيُّن الـمَخفِيِّ أَو الظاهرِ إلَّا بِـمصفاةٍ تحتفظُ بِـذَراتِ أَوراق الشجر أَو العشب اليابس فلا تَـمُرُّ إِلى شاربيها.
عوارضُ المياه الملوَّنة بالعناصر المعدنية كالنحاس والحديد والمانغانيز: إِجمالًا مغصٌ في الأَمعاء إِن كانت الكميةُ المشروبةُ عالية. ومحاذيرُ المياه الملوَّنة المختلِطة بالكلور هي أَخطرُ لأَن فيها موادَّ سرطانيةً إِذا تكرَّر شُرب هذه المياه بكمياتٍ عالية ولمدةٍ متوسطة أَو طويلة.
في جميع الحالات تنصَح الدراسةُ بوضْع مصفاةٍ لمياه الشُرب في البيت إِن كانت تصلُ ملوَّنةً عبر القساطل والأَنابيب العامة. ففي المصفاة موادُّ فحميةٌ تحتفظ بالجراثيم والعناصر الضارَّة فتصِل المياهُ إِلى الشفَة صافيةً غيرَ ضارة. أَما المياه التي يشتريها المواطنون من شركات المياه الخاصة، فالمفترضُ أَنها مصفَّاةٌ بوسائلَ تحليليةٍ علميةٍ ووسائطَ تَرسيبيةٍ مضمونةٍ تُلغي من مياه الزجاجات الـمُشتراة كلَّ أَثرٍ للمعادن التي تسبِّب التلوين في مياه الشرب.
الخلاصة: مياهُ الشُربِ الواصلةُ إِلى البيت بالأَنابيب والقساطل تصفِيَتُها ضروريةٌ إِن لم يَشَأْ أَهلُ البيت شراءَ المياهِ الـمُعالَـجَةِ المفترضِ أَن تستعملَها المطاعمُ والمستشفياتُ والمؤَسساتُ المعنيةُ لغسْل الخُضَرِ والفواكه قبل تقديمها طعامًا خاليًا من المحاذير وشرابًا خاليًا من المخاطر.
تلك هي مياهُنا التي تَفيض علينا بِـخَيراتها. فَلْنُحْسِنِ استخدامَها ولا نلوِّثَنَّها ولا نتركَنَّها تهرَعُ مهدورة إِلى البحر. إِنها نفطُنا الأَبيض الغالي الذي رَنَا إِليه ملكُ الأُردنّ قبل أَيامٍ مقابِلَ مَدِّنا بالكهرباء. فما أَحوجَنا إِلى تنقية مياهِنا وإِلى تحْلية أَيامِنا بكهرباءٍ لا تُكلِّفُنا الملياراتِ سَرِقاتٍ وعُمولاتٍ وهَدرًا على بواخرَ طافية ومصانعَ خافية.
إِن مياهَنا هبةٌ لِلُبنانَ من الطبيعةِ التي وَسَـمَتْهُ “أَرضَ اللبن والعسل” والثلجِ الأَبيضِ الذي أَهدى اسمه إِلى لبنان من أَوَّل التاريخ.

• هنري زغيب شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى