المطلوب بعد مذبحة نيوزيلندا: العرب وعقدة الذنب مع الأجانب

بقلم عرفان نظام الدين*

كنا في الماضي نسخر من بيانات التنديد والإستنكار، ونشجب مواقف الشجب والغضب، ومرّت الأيام وصرنا نتمنى سماع موقف واحد يرد على ما يتعرض له العرب من إهانات وتهديدات واستهزاء وعداء سافر . فما جرى أخيراً في نيوزيلندا، وما يتكرّر في أماكن اخرى من العالم، وإصرار إسرائيل على التحدّي، واتباع كل الوسائل الإجرامية لقمع الفلسطينين والأمة بأسرها ما هو إلّا جزء من كلٍّ، وحلقة من سلسلة طويلة بدات منذ زمن بعيد واستمرت فصولاً لتتصاعد تدريجاً. ولا يُمكن إعطاء وصفٍ دقيق لأسباب ما يجري الا بجُملتين موجزتين تعبّران عن الحقيقة المرة: تهاونٌ في الرد الحازم، وهَوَانٌ في مواجهة الحملات الشرسة والحروب المُنَفَّذة والمُعَدَّة ضد العرب والإسلام والمسلمين بمشاركة مباشرة أو سرية من بعض المُنتمين اليهم بكل أسف.
ففي الماضي كانت عقدة الإجنبي مُتحكِّمة بعقول العرب وفق مقولة “كل شي فرنجي برنجي”، بحيث نُعطي قداسة ونأخد قدوة من كل ما ياتي من العالم ومن الغرب بالذات. أما اليوم فقد تطوّرت هذه العقدة لتتحول الى عقدة خوف او جبن من الأجنبي، والقبول بالتحوّل من الهجوم الى الدفاع لتنفي عنها تهمة الإرهاب والعنف، ونعمل المُستحيل لإثبات العكس، والمشاركة في الاساءة للدين الحنيف، والرضوخ للمطالبة بالتخلي عن مبادئه، ووصولاً الى الركوع والسجود أمام القوى العظمى، واستجداء العطف، وطلب صك براءة من أميركا والعالم من ذنب لم نقترفه ولا علاقة لنا به، بل أُلصِق بنا زوراً وبهتاناً.
وباختصار شديد فان العملية الإرهابية الأخيرة ضد المسجدين في مدينة “كرايستشيرش” في نيوزيلندا كانت مُخَطَّطة بالتفاصيل، وتاتي ضمن مؤامرة كبرى تستهدف الحضارة والمصير والعقيدة والحاضر والمستقبل. فالعداء كان مُستًحكماً منذ زمن بعيد، وليس من المصادفة ان تُرتَكَب المذابح في اليوم نفسه الذي احتفل فيه البعض بذكرى الحروب الصليبية. وليس من المصادفة ايضاً ما كُتِبَت على سلاح المجرم الإرهابي من شعارات وعبارات تُسقط القناع عن الأهداف والغايات، وتكشف عن خطرٍ داهم يُحضَّر له في معظم الدول ضمن ما يوصف بالشعبوية واليمين المتطرف.
وما نُشر عن نظرية صراع الحضارات والإسلاموفوبيا إلّا بعض فصول المؤامرة، وجاءت عملية ١١ايلول (سبتمبر) 2001 لتكمّل الخطة، وتمنح الأعداء فرصة تاريخية للتحرّك، والباقي معروف من اعمال تنظيمي “القاعدة” و”داعش” وأخواتهما. وكم حذّرنا من هذه المؤامرة من دون ان نلقى آذاناً صاغية، وأصدرتُ كتاباً عنوانه “الإعلام والاسلام” قبل ربع قرن شرحتُ فيه بالتفصيل الأخطار وفق عبارة القصور والتقصير، لكن احداً لم يُحرّك ساكناً، بل لجأ العرب الى الإستجداء والحديث عن حوار يُشبه حوار الطرشان، والهرولة الى كل مكان لطلب السماح والإعتراف بذنوب هي من صنع الآخرين، والتاريخ يشهد، ومذبحة نيوزيلندا هي إثبات لخطورة ما جرى وما سيجري، والآتي اعظم … ورحم الله شهداء المسجدين رحمة واسعة.

• عرفان نظام الدين كاتب، إعلامي وصحافي عربي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى