اللغز الجزائري: عملية تخدير أم بداية نهاية الفساد؟

بقلم عرفان نظام الدين*

رغم الإرتياح لقرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعدم الترشح لولاية خامسة، وتأجيل الإنتخابات الرئاسية المقررة في 18 نيسان (إبريل) المقبل، فإن الشكوك تصاعدت وسادت الريبة من المفاجاة التي تبقى ناقصة في ظل الغموض حول خطة عمل المستقبل وانتقال السلطة الى الشعب في نظام ديموقراطي حقيقي لم تنعم به الجزائر منذ الاستقلال. فقد توالى على الحكم رؤساء واجهة لحكم عسكري مُبطَّن ودولة “عميقة “تحكم وتملك وتوزع غنائم الفساد على جنرالاتها وأزلامها وسط صراعٍ دامٍ شهد انقلاب الرئيس هواري بومدين وعزل الرئيس احمد بن بلة، ثم وصل الحكم الى الشاذلي بن جديد الذي توارى بعد مواجهات حامية بين الجيش والإسلاميين الذين كادوا يصلون الى الحكم في انتخابات ديموقراطية.
وجاء الرئيس محمد بو ضياف الرجل الشريف المناضل الوطني ليُنعش الآمال بعهد نظيف يضرب أوكار الفساد وهو ما أعلنه لي بقوة في مقابلة تلفزيونية اجريتها معه وقال فيها بصراحة: سأقطع رؤوس الفساد بينما كان الجنرال خالد نزار الحاكم الفعلي يسمع ويمتعض. ولم تمضِ أسابيع حتى قُتل الحلم في عملية اغتيال حقيرة جُنِّد لها ضابط صغير في مهرجان عام على مرأى من الجميع.
وبكى الجزائريون على الزعيم النظيف، ومن ثم على شعلة االامل لياتي الرئيس بو تفليقة، أصغر وزير خارجية في عهد بومدين، ليحكم عشرين سنة اكثر من نصفها على كرسي المُقعَدين لتحكم من وراء الستار دولة عميقة توزّعت بين العسكر والأخ والأزلام والباقي معروف. الامر الوحيد الايجابي كان في الشعور العام بان الشعب قد انتصر بوحدته وحضارته وصموده وهذا ليس غريباً على الجزائريين المعروفين بصلابتهم وإيمانهم وحبهم لوطنهم.
المهم ان الرئيس بوتفليقة سافر الى جنيف ليلقى جرعات علاج لعلّه يُحيي رئاسته وهي رميم، وعاد بعد تفاقم الوضع والتفاف الشعب الجزائري حول ثورته البيضاء، ليُفاجَأ وقوى الدولة العميقة بان الشعب لم يُسافر، بل صمد رغم الضغوط والتهديدات. وهذا يذكّرني بقصة طريفة تحمل معاني مضحكة مبكية قيلت عن ديكتاتور اسبانيا الراحل الجنرال فرانكو، ثم عُمّمت لتُلصَق بقادة اخرين بينهم الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.
فقد مرض الرئيس التونسي وأُصيب بغيبوبة فزحفت الجماهير وهي تهتف بحياته وتذرف الدموع، وفجأه إستفاق من غيبوته فسمع النحيب، والتفت الى زوجته ليسالها عن السبب، فقالت له: ان الشعب جاء ليودّعك، فاجابها باستغراب لماذا؟ الى اين سيسافر الشعب؟
سؤال منطقي ينطبق على اوضاعنا العربية ورحيل الشعوب. ويبقى السؤال الذي تتفرع عنه اسئلة كثيرة: ماذا بعد؟ من الذي أصرّ على ترشيح بوتفليقة؟ ومن ثم مَن الذي اعلن بيان الاعتزال خصوصاً وأن الرئيس نفسه أعلن على لسان الاخرين أنه لم يكن ينوي الترشح.
وسيظل الغموض سائداً لمعرفة مصير لجنة وضع خطة المستقبل، وموعد الإنتخابات ودور الجيش، ومن سيقفز الى المواجهة ليسرق احلام الجزائريين كما جرى في دول اخرى؟ ولماذا الاخضر البراهيمي دون غيره تم اختياره لرئاسة اللجنة وهو المعروف بتمييع أي قضية يُكلَّف بها، إضافة الى ارتباطاته الخارجية وكبر سنه وإقامته الدائمة خارج البلاد، مما لا يؤهله للشعور بنبض الشعب.
الأسئلة كثيرة والزمن وحده سيجيب عنها، إن حصل، و يبقى الأمل على صمود الشعب ووحدته وقدرته على مواجهة الإنتهازيين ووجوه الفساد الذين سرقوا ثروات وطن كان يجب ان يكون من أغنى البلاد وأكثرها تقدماً.

• عرفان نظام الدين كاتب، إعلامي وصحافي عربي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى