بلا دولة ولا بلد

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

لا شيء في الدولة التونسية يبدو أنه يسير بشكل جيد، رغم الإعتقاد السائد بأن الأشياء تسير بشكل طبيعي، والأمور أوتوماتيكياً تسير في خط مستقيم.
حتى جاءت كارثة يومي 7 و8 آذار (مارس) الجاري حيث توفي 11 رضيعاً داخل مستشفى حكومي في تونس في ظروف لا تزال غامضة، بينما تحدثت أرقام أخرى عن وفاة 14 رضيعاً. وإثر ذلك أعلن وزير الصحة عبد الرؤوف الشريف استقالته.
ولكن… ما هو سبب وفاة هؤلاء الأطفال؟ هل بسبب الإهمال؟ أم بسبب الإنفلات؟ أم جرّاء فقدان التراتيبية الإدارية، التي كانت تُخضع كل شيء إلى سير طبيعي كما هي طبيعة الكون؟
ما حدث ليس مفاجئاً، بل أعتقد أنه كان متوقَّعاً، ويدخل في طبيعة الأشياء منذ فقدت الدولة سيطرتها على الأمور؛ ومنذ تساءل مصطفى الفيلالي في العام 2013 في جريدة “الصباح”: هل بقيت في تونس دولة؟ ومنذ اختلط الحابل بالنابل وفقدت التراتيبية الإدارية إمساكها بحقيقة السلطة وترتيبها، وهو ما سرت عدواه حتى إلى القطاع الخاص؛ ومنذ تقرّر أن يرتفع عدد العاملين في الفوسفات إلى 5 أضعافه، وينخفض حجم الإنتاج إلى ثلث مقداره مصحوباً بإضرابات دورية لا تنتهي؛ ومنذ دخل البعض إلى مستشفى “جامعي” في صفاقس، ومكّن طهّاراً عربياً من ختان عشرات الفتيات “على الطريقة الإسلامية” ولم تُحرّك الإدارة، حتى لا أقول، الدولة ساكناً؛ ومنذ بات العون البسيط يفرض أمره على الطبيب الذي قضى 11 سنة في الدراسة على الأقل فضلاً عن سنوات التجربة؛ ومنذ شعر الطبيب أنه أصبح كمّاً مُهملاً فغادر مبضعه وجهاز قياس ضغط الدم، لينفذ بجلده إلى القطاع الخاص في أحسن الأحوال، وإلى الخارج في أسوأ الأحوال، فقفرت مستشفياتنا من علمائها وكبار أطبائها بعد أن كانت فخراً لنا؛ ومنذ فرضت “حركة النهضة” في تحالف موضوعي مع النقابة طرد وزير لأنه لم يترك “الماء يسياب على البطيخ” وحاول أن يُعيد الإنضباط إلى المستشفى العمومي، الذي يتعامل مع صحة وأرواح المواطنين، وبات هو ورديفه من القطاع الخاص، يستتقطبان المرضى الأجانب، لارتفاع في مستوى التطبيب في بلادنا؛ ومنذ طُرِد وزير الشؤون الدينية شرّ طردة من منصبه، وأُقيل وزير التربية تحت ضغط حزبي وآخر نقابي ووُضِع في “حنك الباب” وتم إسقاط إصلاح، في بلد اكتشفنا أنه بات عصياً على الإصلاح، وأن قدرته الاصلاحية في مجال التعليم، توقفت عند محمود المسعدي في الستينات، ومحمد الشرفي في التسعينات.
وزير الصحة (المستقيل) لا أعرفه مطلقاً، وحتى اسمه لم يكن ضمن ذاكرتي عندما نَطَقه أحدهم أمامي، ولكني أكتفي بشهادة من أثق بهم من معارفه ممن أشادوا بكفاءته العالية، وأخلاقه الأعلى، ووطنيته التي هي بلا حدود، لأقول إنه ليس مسؤولاً عمّا وقع، بل المسؤول هم الذين قادوا البلاد منذ 2011 إلى ما هي عليه اليوم من تسيّب وفوضى، ومن ارتخاء وغياب القرار المسؤول.

• عبد اللطيف الفراتي كاتب وصحافي تونسي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “ألصباح” التونسية ومراسلاً لصحف ومجلات عربية عدة. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى