الدور على الجزائر والسودان: سياسة الإنكار والعناد؟

بقلم عرفان نظام الدين*

يُخطئ من يظن أن ما جرى ويجري في السودان والجزائر راهناً من تحركات شعبية وتظاهرات صاخبة هي بنت ساعتها أو أنها ناجمة عن الإحتجاج على شكل واحد او مشكلة طارئة، فما وقع هو جزء من كل وتكملة لمسلسل مترابط كان من الممكن تجاوزه لو تم تغليب الحكمة ومعالجة الأمور قبل فوات الأوان .
فما جرى، وما شهدته المنطقة خلال السنوات الاخيرة، وما وقع أخيراً في الجزائر والسودان ناجم عن مئات الأسباب والدوافع والمبررات التي لا تخفى على أحد، خصوصاً وأننا نعيش في عصر التواصل الإجتماعي، وإسقاط الأقنعة، وانتشار الخبر كالنار في الهشيم، بحيث لم يعد هناك سر مخفي، ولا حدث يُمكن تجاهله.
بالإضافة الى الأوضاع السيئة في المنطقة، والمؤامرات الخارجية، وتداعيات الإحتلال الصهيوني، والمطامع الأجنبية بالثروات العربية … هناك أسس واضحة لما حدث لا يُمكن لأحدٍ أن يردد مقولة: لو كنت ادري لما وقع ما وقع.
ولن أتوسع هنا في البحث، بل أحصر الحديث عن السودان والجزائر مع الاشارة الى العوامل الأساسية المشتركة مثل العناد والمكابرة ،واتباع سياسة الإنكار السائدة، وغياب المشاركة الشعبية، والديكاتورية والحكم الفردي. والأهم من ذلك تردّي الأوضاع الإقتصادية، والبطالة التي بلغت حدّها الأخطر مع الفقر، وتراجع الخدمات الصحية والإجتماعية والتعليم، وبروز الحركات المتطرفة.
اما بالنسبة إلى سياسة الإنكار فعندي مثلان واضحان عشت تفاصيلهما بنفسي. ففي السودان مَن كان لا يتوقّع إنفجار الغضب الشعبي بعد انفصال الجنوب وحرب دارفور وغيرها واستمرار الحكم العسكري بقيادة عمر البشير منذ٣٠عاماً؟
وأذكر في مرحلة سابقة ان الرئيس الاسبق جعفر النميري بقي على عناده ومتابعة سياسة القمع رغم أنني حدّثته عن الواقع، فأنكر. وعندما سالته عند انتفاضة رجب، قال لي بحدة: لا أحد يشيلني … فشالوه بعد أيام .
وبعد سنوات (وتحديداً في العام ١٩٨٧) زرت السودان، وشعرت بأن شيئاً ما سيحدث ضد الحكم الديموقراطي. وأجريت مقابلات مع مختلف القيادات فوجدت أن لديها اطمئناناً غريباً، بل اني زرت السيد الصادق المهدي في مكتبه تغمرني الدهشة إذ لم أجد على باب رئاسة الوزارة أي حارس، وفتحت أحد المكاتب فوجدت نفسي وجهاً لوجه أمام رئيس الوزراء السابق، وعندما أخبرته بما أشعر، لم يتأثر رغم أن زعيم “الجبهة القومية الإسلامية” الدكتور حسن الترابي قال لي أنه لا يستبعد قيام انقلاب عسكري. وهذا ما حدث في حزيران (يونيو) ١٩٩٠.
اما في الجزائر فقد تكرر المشهد عينه، إذ تكوّنت لديّ انطباعات تُوحي بأن شيئاً ما سيحدث، وعندما سألت الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد عن تنامي التيار الإسلامي، إنتفض قائلاً من أين تاتون بهذه الأخبار يا أهل المشرق؟! وبعد مدة ربحت “جبهة الإنقاذ الإسلامية” الإنتخابات البلدية والعامة، وكادت تسيطر على الحكم في العام ١٩٨٨ لولا تدخل الجيش وإلغاء النتائج واعتقال القياديين الإسلاميين.
وسأعود مرة اخرى الى هذه المسالة بالتفصيل، لكني أشرت إليها كمثال على التقصير والإنكار والعناد ورفض الإعتراف بالواقع بكل جوانبه المُزرية.

• عرفان نظام الدين كاتب، إعلامي وصحافي عربي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى