يوم تخلّى بوتفليقة عن أرض تونسية

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

في بداية سنة 1970، وفي غياب رئيس الجمهورية آنذاك الحبيب بورقيبة الذي قصد باريس للعلاج، وكانت تونس خرجت لتوّها من المغامرة التجميعية التعاضدية وقد تآكلت طبقتها السياسية، جاء وزير الخارجية الجزائري في حينه عبد العزيز بوتفليقة، حاملاً مجموعة إتفاقات كان على القيادة التونسية أن تقبل بها وتوقّع عليها. وفعلاً قام وزير الخارجية التونسي آنذاك، الحبيب بورقيبة الإبن، بمهمة التوقيع تجنباً لكل تصعيد مع الجارة الجزائر في وقت كانت تونس في “أوج” ضعفها. وكان تمّ تعيين الباهي الأدغم وزيراً أول، بعدما كان على مدى 13 سنة مجرد كاتب دولة للرئاسة حيث جلس على “مقعد هزاز”، وبعدما كانت كل المؤشرات والإشاعات تشير إلى أنه لن يستقر في موقعه، حيث رشحت الأخبار، وأقول الأخبار، الهادي نويرة لمنصب الوزير الأول، وهو الخليفة المنتظر المُعيَّن لبورقيبة منذ أن كان في سجن سان نيكولا في مرسيليا إبان الحرب العالمية الثانية في أوائل أربعينات القرن الفائت.
أما منصب وزير الخارجية فكان سيؤول وفقاً لما تردد أيامها لمحمد المصمودي الذي كان مغضوباً عليه، ورجع إلى حضن بورقيبة الحنون، ألم يُنادِ بنهاية الحكم الفردي؟
في تلك الأثناء جاء إلى تونس كالريح العاصفة عبد العزيز بوتفليقة، المنفذ الأمين لتوجهات هواري بومدين رئيس الجزائر منذ 1965.
إستسلمت الحكومة التونسية الضعيفة أيامها برئاسة الباهي الأدغم الذي فوّضه بورقيبة كل شيء، وأعطت ما لا تملك أن تعطيه إلى من لا حق له في أن يملك، جزءاً عزيزاً من الأرض التونسية لا تقل مساحته عن 20 ألف كيلومتر مربع يمثّل سدس (1/6) مجموع الأرض التونسية، يزخر بثروة نفطية مخزونها بعشرات ملايين الأطنان وفقاً للمؤكد من التحليلات، استشهد في سبيل استرجاعه كبقية التراب التونسي أعداد من الشهداء.
ومقابل ذلك دفعت الحكومة الجزائرية ويا بخس ما دفعت ما يوازي تقريباً 10 مليارات دينار، ولو لم تكن تلك الأرض من حق تونس لما كانت دفعت الدولة الجارة ولا مليماً واحداً.
وللحقيقة فإن قصة أرض الجنوب التونسي قصة قديمة تعود إلى بدايات ما قبل القرن العشرين، وكل الوثائق بين تونس من جهة والسلطنة العثمانية التي كانت وقتها تسيطر على طرابلس، والحكومة الفرنسية باعتبار أنها تعتبر في ذلك الوقت الجزائر قطعة من فرنسا من جهة أخرى، تُشير إلى أن الحدود التونسية تصل إلى بئر الرمان، أو ما اصطلح عليه بالناظور 233. ويقول الطاهر بلخوجة في مذكراته، إن لقاء رامبوييه في نيسان (إبريل) 1961 بين بورقيبة والجنرال شارل ديغول أثيرت خلاله قضية الصحراء، وأن فرنسا أعطت ما لا تملك لمن لا حق له أن يملك، بمناسبة إتفاقات “إيفيان” التي كرست استقلال الجزائر. كما يقول الطاهر بلخوجة، أن الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة فرحات عباس وعدت في رسالة مشهودة بحل الإشكال بعد استقلال الجزائر، راجياً عدم التشويش على المفاوضات مع فرنسا، كما وعد الرئيس الجزائري أحمد بن بلة أيضاً في القمة التأسيسية لمنظمة الوحدة الافريقية في أيار (مايو) 1963، وفي حضور الرئيس المصري جمال عبد الناصر بالتسوية بعد أن كان الفأس وقع على الرأس، غير أن وزير دفاعه وقتها هواري بومدين ووزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة منعاه من تنفيذ وعده، فبل أن يتوليا الإنقلاب عليه في حزيران (يونيو) 1965.
تلك حقائق لا بد أن يعرفها التونسيون، كما العرب، ولا بدّ أيضاً أن تبقى في الذاكرة الجماعية.

• عبد اللطيف الفراتي كاتب وصحافي تونسي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الصباح” التونسية ومراسلاً لصحف ومجلات عربية عدة. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني الآتي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى