لماذا تدهورت العلاقات بين المغرب والمملكة العربية السعودية؟

يصعب أن تُخبّئ كل اللياقات الديبلوماسية المعروفة عن العلاقات السعودية ــ المغربية، التوتّرات المتنامية، على الأقل منذ أكثر من عام تقريباً بين الرياض والرباط، لتصل أخيراً إلى ذروتها مع وقف المغرب مشاركته في حرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، واستدعاء السفير المغربي لدى السعودية مصطفى المنصوري إثر موقف سعودي تراه الرباط “عدائياً” أو على الأقل “إستفزازياً”، تُرجم بتقرير تلفزيوني على قناة “العربية”، الحكومية عملياً، يصف المغرب بالمحتل لمنطقة الصحراء. هكذا، قد تخسر الرياض دولة عربية كبيرة لطالما كانت تُعتبر “حليفاً مضموناً” بالنسبة إليها. فكيف اختمرت الأزمات السعودية – المغربية طيلة الأشهر الماضية؟

الوزير ناصر بوريطة: تصريحه على “الجزيرة” سبب بأزمة

بقلم جورجيو كافييرو*

من المعلوم أن التحالف بين المغرب والمملكة العربية السعودية تاريخياً كان قوياً، وقد دعمته أكثر المخاوف المُشتركة من الإضطرابات الإقليمية في أعقاب إحتجاجات “الربيع العربي” في العام 2011، لكن توترات حصلت أخيراً أوصلت العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. في الشهر الماضي، طفت الخلافات بين الرباط والرياض إلى السطح عندما استدعت المغرب سفيرها من المملكة العربية السعودية. وقد لعبت قضايا عدة دوراً في التحضير لهذا الأمر، بما في ذلك قرار المغرب بترك التحالف الذي تقوده السعودية رسمياً في اليمن وتقرير قناة “العربية” الأخير حول نزاع الصحراء الغربية. هناك “أزمة عابرة” مستمرة ومُعقّدة بين المملكتين، ولكن يبقى من غير الواضح ما إذا كان هذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى انقطاع أو إذا كانت علاقتهما تُعاني فقط من اضطراب مؤقت.
في قلب هذه المسألة يكمن قلق المغرب من اتجاه السياسة الخارجية السعودية تحت قيادة الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان. في ظل قيادة هذا الأخير، وضعت الرياض مزيداً من الضغط على الدول العربية السُنّية لتتماشى وتسير مع المصالح السعودية في الوقت الذي تسعى المملكة إلى وضع أجندة متطرفة في المنطقة. لكن هذا يأتي في وقت يقوم المغرب بشكل متزايد بصياغة طريقه الخاص. بعد عودتها إلى الإتحاد الأفريقي في العام 2017 بعد غياب دام 33 عاماً وسعيها الآن إلى جعل الدار البيضاء كمركز مالي محوري للقارة الأفريقية، تُريد الرباط إجراء سياسة خارجية مستقلة تترك خياراتها مفتوحة.
لطالما كانت للسياسة الخارجية المغربية ركيزتان أساسيتان: علاقات وثيقة مع القوى الغربية – بخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا – وعلاقات إيجابية مع جميع الدول العربية، باستثناء الجزائر. وقد حافظت الرياض والرباط على روابط قوية لعقود، وفي فترة ثورات “الربيع العربي”، دعت السعودية المغرب إلى الإنضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من رفضه للفكرة في النهاية، فقد تعمّقت علاقات المغرب مع جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تقريباً في السنوات الأخيرة، لا سيما مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر.

أزمة قطر

فيما انضمت الرباط إلى موقف الرياض في قضايا مثل إيران و”حزب الله” اللبناني، فقد أكّدت علاقاتها الدافئة المستمرّة مع الدوحة طوال أزمة الخليج التي استمرت قرابة 21 شهراً، رغبة المملكة الشمال أفريقية الخروج عن جدول أعمال السعودية. إن المغرب يهدف إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وترى قيادته أن مجلس التعاون الخليجي الذي يعمل معاً يخدم مصالح جميع الدول العربية، وقد رفض الإنضمام إلى ما يُسمى “الرباعية لمكافحة الإرهاب” – البحرين ومصر والسعودية والإمارات – ضد قطر.
تنظر الرباط إلى احتمال قطع العلاقات مع الدوحة على أنه عمل يتعارض مع مصالحها الوطنية، وبدلاً من ذلك تُفضّل رسمياً البقاء على الحياد في النزاع. ومع ذلك، فقد فسّرت الرياض هذا الخيار إنحيازاً إلى قطر، في ما يُنظر إليه على أنه صراع ذو نتيجة صفرية. إن إجراءات المغرب منذ الحصار، وإن لم تكن صريحة، قد ساهمت في هذا المنظور أيضاً. لقد أرسلت الرباط مساعدات غذائية إلى الدوحة بعد فترة وجيزة من بدء الحصار، وعرض العاهل المغربي التوسط ، لكن من دون جدوى. في آذار (مارس) 2018، إلتقى مسؤولون مغاربة وقطريون في الرباط وأعربوا عن عزمهم على إقامة علاقات ثنائية أقوى، لا سيما في التجارة والتمويل والإستثمار والثقافة، ووقّعوا على العديد من الإتفاقات لتحقيق هذه الغاية. ولا شك أن القيادة القطرية ستتذكر لاحقاً موقف المغرب خلال النزاع الخليجي، ومن المرجح أن تستفيد الرباط من الإستثمار القطري الأكبر في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق نتيجة لذلك. بالنسبة إلى المغرب، أتاحت أزمة مجلس التعاون الخليجي أيضاً فرصة لإظهار إستقلاله على الساحة الدولية كقوة ذات سيادة لا تستسلم للضغوط السعودية.
بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فقد عززت العلاقة المتنامية بين الدوحة والرباط النظرة إلى أن المغرب متحالف مع قطر. في حين أن القيادة السعودية من المحتمل أن تكون منزعجة من هذه التحركات، فإن قرار الرباط البقاء على الحياد بشكل رسمي لم يؤدِّ إلى أي خلافات عامة بين النظامين الملكيين في المراحل الأولى من أزمة دول مجلس التعاون الخليجي.

الصحراء الغربية

أصبحت الصحراء الغربية الآن مصدراً آخر للتوتر بين الدولتين. في شباط (فبراير) الفائت، بثّت قناة “العربية” السعودية فيلماً وثائقياً عن الصراع الذي رآه المسؤولون المغاربة على أنه عبورٌ للخط الأحمر. وادّعى الفيلم الوثائقي أن المغرب غزا الصحراء الغربية بعد أن انتهى الحكم الإستعماري الإسباني في العام 1975، مُناقضاً بذلك الرواية المغربية الرسمية في الإقليم، والتي تسميها الرباط “الأقاليم الجنوبية”. وقد دعمت المملكة العربية السعودية تاريخياً المطالبات السيادية للمغرب على النقيض من بعض الأنظمة العربية الأخرى، بما في ذلك الجزائر وليبيا وسوريا، التي تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية كدولة تحت الإحتلال المغربي.
إن بثَّ هذا الفيلم الوثائقي لم يُسجّل تغييراً رسمياً في موقف الرياض، لكن من الجدير ذكره أنه جاء بعد وقت قصير من إعلان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، عن قلقه إزاء الكارثة الإنسانية في اليمن في مقابلة مع “قناة الجزيرة” القطرية. وقال بوريطة إن دور المغرب في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن قد تغيّر نتيجة “التطورات على الأرض”. وقد ادّعى بعض المحللين أن بثّ الفيلم الوثائقي جاء رداً على تعليقات بوريطة، خصوصاً أن تصريحاته جاءت على قناة تلفزيونية مملوكة للقطريين ومحظورة في المملكة العربية السعودية.

حرب اليمن

كان المغرب في الأصل عضواً في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، لكنه أنهى في ما بعد مشاركته العسكرية. وقد أدى ارتفاع عدد القتلى من المدنيين والكوارث الإنسانية المستمرة إلى تصاعد الغضب في جميع أنحاء العالم، وتأتي المشاركة المستمرة في التحالف بتكاليف عالية من ناحية السمعة أو من الناحية الأخلاقية والاستراتيجية. يساور المغرب قلقاً بشأن صورته الدولية، خصوصاً بالنظر إلى علاقاته الوثيقة مع فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، ومع تدهور الأوضاع في اليمن بشكل كبير منذ العام 2015، أعادت الرباط النظر في موقفها.
من الناحية العملية، لن يكون للانسحاب المغربي تأثير كبير على الأرض لأنه لم يلعب دوراً عسكرياً كبيراً منذ العام 2015، لكنه يبرز مشكلة أكثر خطورة للحملة السعودية ضد الحوثيين: إن تدهور الوضع في اليمن قد أدّى إلى زيادة عدد الدول العربية التي أبدت شكّها في حكم بن سلمان ودوره كزعيم إقليمي. إن انسحاب المغرب من التحالف يدل على استعداد الرباط لعدم مراعاة الرياض في السياسة الخارجية، وهو تطور لا يُبشر بالخير بالنسبة إلى العلاقات السعودية – المغربية.

مصادر أخرى للتوتر

هذه ليست القضايا الوحيدة التي تُغذّي التوترات السعودية – المغربية. في العام الفائت، أعرب العديد من المغاربة، من مستخدمي وسائل الإعلام الإجتماعية إلى كبار المسؤولين الحكوميين، عن غضبهم من الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي صوّتت ضد محاولة الرباط لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في العام 2026. إن دعم الرياض لعرض أميركا الشمالية على المغرب إعتُبر على نطاق واسع إهانة. ومن المثير للإهتمام أن قطر كانت من بين الدول العربية القليلة التي دعمت المغرب. وردّ الملك محمد السادس بشكر أمير قطر الشيخ تميم شخصياً. وبحسب ما ورد، ضغطت الرياض على البحرين والكويت والأردن والإمارات العربية المتحدة للتصويت ضد المغرب، في حين صوّتت جميع البلدان المغاربية، بما فيها الجزائر، بالإضافة إلى فلسطين واليمن لصالحه.
علاوة على ذلك، كان لافتاً أيضاً أن المغرب لم يستضِف ولي العهد السعودي خلال جولته الدولية في أواخر العام 2018. وكانت الزيارة تهدف بشكل كبير إلى إظهار أنه على الرغم من الضجة التي رافقت مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فإن ولي العهد السعودي ما زال يحظى بدعم العالم العربي. زار بن سلمان ثلاثة بلدان أخرى في المغرب العربي (الجزائر وموريتانيا وتونس)، جنبا إلى جنب مع البحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة، ولكن ليس المغرب. ومن غير الواضح من الذي اتخذ القرار، لكن المغاربة أعربوا عن دعمهم لهذا التحرك، واعتبروه توبيخاً مُتعَمَّداً لبن سلمان من قبل الملك محمد السادس. من جهتها ظلت الحكومة المغربية هادئة حول هذه القضية، ووضعت اللوم على مشاكل الجدولة وعدم إستعداد الرباط لمثل هذه الزيارة.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2018 أيضاً، أصدرت وزارة المالية المغربية تقريرا يفيد بأنه من بين دول مجلس التعاون الخليجي الأربع التي تعهدت بتقديم هبة قدرها 1.25 مليار دولار إلى المغرب في العام 2012، لم تدفع سوى قطر والكويت بالكامل؛ وقد دفعت المملكة العربية السعودية مبلغ 868 مليون دولار حتى الآن. مع استمرار أزمة قطر التي لا يبدو أن تكون لها نهاية قريباً، فإن القيادة المغربية كانت حذرة في تحديد الدول الخليجية التي تريد الإقتراب أو التقرّب منها. من جهتهم فقد شكك المسؤولون في الرباط في قدرة قطر واستعدادها للوفاء بوعودها. ولكن في المقابل، فقد اشترت هذه الوعود للدوحة الكثير من النوايا الحسنة في الرباط، تماماً مثلما أن فشل الرياض في القيام بذلك قد ساهم في التباعد المغربي – السعودي المستمر.

الحفاظ على علاقة استراتيجية

يبدو أن كلّاً من المغرب والمملكة العربية السعودية يُدرك أن هذه القضايا لن تحل نفسها آلياً. تعتقد الرباط أن الرياض تجاهلت مصالحها الأساسية في الصحراء الغربية، بينما ترى القيادة السعودية أن المغرب يتّخذ موقفاً “موالياً لقطر” من أزمة دول مجلس التعاون الخليجي. إن قادة المملكتين يشعرون بالخيانة من جانب الآخر ويعتقدون أن العمل الديبلوماسي ضروري لمعالجة نقاط الخلاف هذه. ولتجنّب المزيد من تفاقم التوترات، يجب على الدولتين معالجة مصالحهما المتضاربة بطريقة تترك الباب مفتوحاً لإصلاح العلاقات التي ساءت.
إن الطريقة التي سيتعامل بها المغرب مع قادة السعودية بالنسبة إلى هذه الخلافات التي تؤثر في علاقتهما غير واضحة. من السابق لأوانه أن نستنتج أن هذا سيعني نهاية تحالفهما، أو حتى أن الأسباب الأساسية لا يمكن إصلاحها. ومن الواضح أن المملكتين قادرتان على استعادة العلاقات الدافئة من خلال التواصل الديبلوماسي وزيادة الإهتمام بمصالح الطرف الآخر الأساسية. ومع ذلك، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن عدم الحوار سيسمح بتصعيد هذا النزاع على نحو يضر بالمصالح الطويلة الأجل للبلدين.

• جورجيو كافييرو هو الرئيس التنفيذي ومؤسس “تحليلات دول الخليج” (Gulf State Analytics)، وهي مؤسسة إستشارية للمخاطر الجيوسياسية ومقرها في واشنطن. إن وجهات النظر التي أطلقها في هذا الموضوع تمثل آراءه الخاصة.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى