هل يُمكن لمصر أن تُصبح مركزاً رئيساً لتصنيع السيارات؟

منذ أكثر من 90 عاماً، بدأت مصر أولى خطوات صناعة السيارات من خلال قيام شركة “فيات أورينت” بتجميع بعض الحافلات في الإسكندرية بمكوّن محلي تمثّل فى مقاعد وهياكل تلك الحافلات. وفى أوائل ثلاثينات القرن الفائت، أعلنت شركة “فورد” عن نيتها إنشاء مصنع لها فى الإسكندرية، وحدث ذلك بالفعل وتم توسيع المصنع في العام 1950، بينما قامت “جنرال موتورز” بإنشاء مصنع صغير قام بتجميع بعض شاحنات “شيفروليه” في أثناء فترة الحرب العالمية الثانية. وبعد ثورة يوليو (تموز) 1952 إتخذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً بإنشاء مصنع النصر للسيارات، وبعدها أعلن جورج حاوي عن تصنيع السيارة “رمسيس”، وبدا للجميع خلال الفترة بين العامين 1930 و1960 أن مصر ستكون في المستقبل إحدى كبريات الدول في عالم صناعة السيارات، ولكن لم يحدث ذلك بل صارت اليوم في ذيل القائمة بعد أن سبقتها دول كثيرة بدأت بعدها بسنوات ومنها كوريا الجنوبية والصين وتركيا والمغرب وأفريقيا الجنوبية. ولكن يبدو أن استراتيجية جديدة وضعتها أخيراً الحكومة المصرية لإعادة الحياة إلى هذه الصناعة.

الوزير عمرو نصار: الإستفادة من التجربة المغربية

القاهرة – هدى أحمد

أعلنت القاهرة رسمياً وفاة استراتيجية صناعة السيارات التي عكفت لسنوات على إعدادها بعد أن لمست صعوبات في تنفيذها على أرض الواقع.
وكانت الخطة تستهدف تعميق الصناعات المُغذّية للسيارات، وتقليل الإعتماد على المكوّنات المستوردة لتحفيز المُنتجين المحليين.
والواقع أنه لا توجد صناعة سيارات حقيقية في البلاد، بل يقتصر الأمر على تجميع أجزاء السيارات المستوردة، وهي السياسة التي أنتجتها تلك الصناعة منذ تأسيس شركة النصر لصناعة السيارات في العام 1959.
وقال عمرو نصار وزير الصناعة والتجارة في تصريح صحافي، إن “مصطلح استراتيجية صناعة تجميع السيارات اختراع مصري ولا توجد دولة في العالم تتبنّى هذه الشعارات”.
وأضاف أن “أفضل الطرق لتوطين الصناعة هو التركيز على إنتاج موديلات معيّنة تتوافق مع السوق المحلية والأسواق المجاورة، وهي الأسس التي قامت عليها التجربة المغربية ونسعى إلى الإستفادة منها”.
على هذا الأساس تقوم مصر حالياً بتوسيع صناعة السيارات لديها بعد سلسلة من التطورات الجديدة التي تهدف إلى تعزيز الطاقة الإنتاجية المحلية.
وقد جاء أحدث التطورات في 18 كانون الثاني (يناير) الفائت عندما أعلنت شركة مرسيدس بنز الألمانية أنها تخطط لفتح مصنع لتجميع السيارات في البلاد.
بعد محادثات مع المسؤولين الحكوميين في القاهرة، قالت الشركة الألمانية أن المنشأة سيتم بناؤها من قبل شريك تجاري محلي. ويمثل هذا التطور، الذي لم تُكشف بعد كل تفاصيله، عودة مرسيدس إلى السوق بعد أربع سنوات من توقفها عن إنتاج السيارات في مصانعها المصرية السابقة.
ويأتي هذا الإعلان عقب افتتاح أول خط تجميع لسيارة “كيا سورينتو” الرياضية في “مدينة السادس من أكتوبر” في أوائل كانون الأول (ديسمبر) 2018 ، كجزء من صفقة مدتها خمس سنوات بقيمة 2.2 ملياري جنيه مصري (238.7 مليون دولار) وُقّعت في آذار (مارس) من العام الماضي بين الشركة الكورية الجنوبية “كيا موتورز” والشركة المصرية العالمية للتجارة والتوريدات.
ومن المتوقع أن تخلق الصفقة، التي ستقود إلى تجميع طرازين آخرين من “كيا”، حوالي 1000 وظيفة بكامل طاقتها، وستنتج 15 ألف سيارة في العام بمعدل مُكوِّن محلي يبلغ 45٪.

محطات جديدة لدعم أهداف المكوّنات المحلية

تتوافق طاقة إنتاج المركبات المتزايدة مع استراتيجية تطوير الصناعة المحلية الحكومية، التي أصدرتها وزارة التجارة والصناعة في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، والتي تهدف إلى توسيع القطاع الصناعي بنسبة 10٪ سنوياً بحلول العام 2030.
وبشكل أكثر تحديداً بالنسبة إلى صناعة السيارات، يتمثل الهدف الرئيسي الآخر لاستراتيجية تطوير الصناعة المحلية في زيادة نسبة المكوّنات المُنتَجَة محلياً في التصنيع.
وقد أعلم هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال، وسائل الإعلام المحلية في الشهر الماضي أنه في حين كان هناك 12 منتجاً في صناعة تجميع السيارات في مصر، إلّا أن المكوّنات المحلية مثّلت 17 ٪ فقط من الناتج النهائي.
تهدف وزارة قطاع الأعمال العام إلى رفع النسبة إلى 46٪، والتي تأمل في أن تتحقق جزئياً من خلال إحياء شركة النصر لصناعة السيارات المملوكة للدولة.
وكانت الشركة أوقفت الإنتاج بعد أن ارتفعت ديونها إلى ما يقرب من مليون جنيه مصري (113,000 دولار) في العام 2009، ولكن منذ العام 2015، عندما توقفت تصفية أصولها، بدأت الحكومة تحاول التفاوض على صفقة من شأنها أن تجعل الشركة تستأنف عملياتها.
وذكر توفيق أن العديد من الشركات العالمية أبدت اهتماماً بالاستثمار في الفكرة، مع توقع الوصول إلى إتفاق نهائي في النصف الأول من هذا العام.
هذا النموذج الذي يقوم على إنشاء نظام إيكولوجي صناعي قوي حيث يُمكن من خلاله إنتاج معظم الأجزاء محلياً قد أُخِذ من الجارة الشمال إفريقية، المملكة المغربية، التي احتلت بواسطته موقعها الحالي كرائدة أولى في صناعة السيارات في أفريقيا. ونتيجة لذلك، يرى بعض المطلعين على الصناعة أن هذا الأمر يمثل خطة مُحتملة لتوسع القطاع في مصر.
وقال كريم غبور، رئيس شركة “أم سي في” لتصنيع المركبات التجارية: “إن تطوير المغرب كمركز لتصنيع السيارات يمكن أن يكون نموذجاً جيداً. ومع وجود الحوافز المناسبة، ستكون صناعة تصنيع السيارات المصرية قادرة على التكيف مع السوق وتوفير حافلات وسيارات محلية الصنع للتصدير إلى أوروبا بتكلفة تنافسية”.

إرتفاع مبيعات السيارات في العام 2018

في حين لم يتم الإعلان عن أرقام العام 2018 بالكامل، يبدو أن مبيعات السيارات المُصنّعة أو المُجمَّعة محلياً في مصر تسير في الاتجاه الصحيح، محققة نمواً سنوياً بنسبة 18٪ ليصل إلى 63,000 وحدة في الأشهر التسعة الأولى من العام، وفقاً إلى مجلس معلومات تسويق السيارات (أميك).
وفي الوقت نفسه، إرتفع عدد مبيعات السيارات المستوردة بنسبة 58٪ إلى 67,000 وحدة، مما ساعد الصناعة على تحقيق مبيعات إجمالية بلغت 34 مليار جنيه مصري (1.9 مليار دولار) طوال الفترة.
وقال كوهي مايدا، رئيس مجلس الإدارة والعضو المُنتدَب لشركة “نيسان مصر”: “تضاءل الطلب في السوق المحلية بعد تعويم العملة، لكن الأرقام تُظهر أنه خلال العام الماضي كانت تتعافى. إنه حجم هذه السوق المحلية، التي تتمتع بإمكانات للنمو، بالإضافة إلى الوصول التنظيمي واللوجستي إلى الأسواق، بخاصة في شرق إفريقيا، مما يجعل مصر جذابة للإستثمارات في صناعة السيارات”.
إلغاء التعريفات على الواردات الأوروبية لزيادة المنافسة
بينما تبذل الحكومة الجهود لزيادة الإنتاج المحلي، فإن السوق تستعد إلى مزيد من المنافسة من اللاعبين الأجانب بعد التخلص التدريجي من الرسوم الجمركية على السيارات المستوردة من أوروبا، وفقا للشروط المنصوص عليها في اتفاقية الشراكة بين مصر والإتحاد الأوروبي.
وقد حدّد الإتفاق الذي تمّ توقيعه في العام 2004 الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية والرسوم على السيارات المستوردة من أوروبا على مدار 15 عاماً، مع الشريحة السابقة من التخفيضات التي تصل فيها الضريبة إلى 10٪ من الرسوم الأساسية في العام 2018.
وبالنظر إلى الإدخال التدريجي لبروتوكول التجارة، يشعر العديد من أصحاب المصلحة أن التأثير على المنتجين المحليين والمستهلكين النهائيين سيكون ضئيلاً. وبالفعل، فإن السيارات ذات المنشأ الأوروبي التي لا تزيد سعة محركها عن 1.6 ليتر لم تخضع لرسوم جمركية منذ العام 2016، وهذا يعني أن هناك فارقاً ملموساً محتملاً في أسعار المستهلك على السيارات ذات المحرك الأكبر.
ومع ذلك، من غير المحتمل أن يكون لإزالة التعريفة تأثيراً أوسع في أسعار السوق، حيث إن أكثر من 65٪ من السيارات المباعة في مصر لديها إما محرك سعة 1.6 لتر أو أصغر.
قال أسامة أبو المجد، رئيس جمعية تجار السيارات، لوسائل الإعلام المحلية في كانون الثاني (يناير) الفائت أن المستوردين يمكنهم توفير ما بين 5 آلاف جنيه (283 دولاراً) و10 آلاف جنيه (566 دولاراً) عن كل سيارة في الرسوم الجمركية على السيارات ذات المحركات الأكبر من 1.6 لتر. ومع ذلك، يتوقع أبو المجد أيضاً أن تقوم شركات صناعة السيارات برفع الأسعار، الأمر الذي سيؤدي – إلى جانب الزيادات في الأسعار التي نفذها الوكلاء في كانون الأول (ديسمبر) – إلى الحد من تأثير إزالة الرسوم الجمركية.
يبقى أن نعلم أنه يوجد في مصر 170 شركة تعمل في صناعة السيارات، منها 12 شركة تصنع وتجمع السيارات بأنواعها، إضافة إلى أكثر من 165 شركة في مجال تصنيع المكوّنات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى