الحدود السورية – العراقية تتحوَّل إلى ساحة مواجهة بين القوى الإقليمية والدولية

فيما يسعى نظام بشار الأسد إلى إستعادة باقي الأراضي التي ما زالت خارج سيطرته بما فيها الحدود مع العراق، يبدو أن أمام هذا الهدف عقبات كثيرة لا يبدو أنها ستجد حلاً قريباً، الأمر الذي لا يبشر بقرب الإنفراج المطلوب الذي تتمناه دمشق.

القوات التركية على الحدود السورية: هل يملأون الفراغ الأميركي؟

بقلم خضر خضّور*

التهديد المستمر لانبعاث تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) من جديد، وجهوده لبسط نفوذه في سوريا والعراق، قد ظهر بشكل ملحوظ على طول الحدود السورية – العراقية. ومع ذلك، فإن تلك الحدود، الممتدة على طول الطريق حتى الحدود مع تركيا، هي أكثر من أن تكون حول “داعش”. لقد برزت كنقطة رئيسية في المواجهة بين القوى الإقليمية والدولية.
أكثر من 600 كيلومتر من الحدود التي كانت يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” في السابق تسيطر عليها حالياً مجموعة من القوى السياسية. على الجانب العراقي، فإن القوات الرئيسية المتواجدة فيه هي الجيش النظامي للعراق، والقبائل السنية العربية، فضلاً عن المليشيات الشيعية المرتبطة بإيران واليزيدية، التي ترتبط أيضاً بعلاقة مع حزب العمال الكردستاني الذي يعمل في غرب سنجار. على الجانب السوري، تسيطر قوات سوريا الديموقراطية التي يهيمن عليها الأكراد والتي تدعمها الولايات المتحدة على أجزاء كبيرة من الحدود. إن النظام السوري، المتحالف مع شركاء محليين، يسيطر على مناطق أخرى، بينما يسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على جيب صغير من الأراضي (مهدد بالسقوط القريب).
إن هذا المزيج المُعقَّد من القوى يُعيد تشكيل المنطقة الحدودية، فيما تقوم الحدود نفسها بإعادة تشكيل كيفية تفاعل الأحزاب المختلفة مع بعضها البعض في الوقت الذي تتنافس على مناطق النفوذ. لقد أدّى التفاعل عبر الحدود والحاجة المتبادلة لمنع عودة “الدولة الإسلامية” إلى التقريب بين دمشق وبغداد، الأمر الذي يعمل في النهاية لصالح إيران. في الواقع، إن طهران اليوم هي الفاعل الوحيد الذي يتمتع بحضور كبير ونفوذ على جانبي الحدود السورية – العراقية.
في العام 2014، خلال مرحلة توسع “داعش” والقتال الأوّلي لمعارضته ومواجهته، قامت القوات الكردية العراقية بهجوم واستولت على حوالي 30 كيلومتراً من الأراضي خارج منطقة سيطرتها السابقة، والتي وصلت تقريباً إلى سنجار. في أعقاب الإستفتاء الفاشل على استقلال الأكراد في العام 2017، إستعادت الحكومة العراقية تقريباً جميع هذه المناطق وتمركزت قوات حكومية وأخرى من الحشد الشعبي – وهي ميليشيات شبه رسمية تتألف أساساً من الشيعة العراقيين – على الحدود. إن معضلة الحكومة العراقية اليوم هي أن تلك القوات تحتاج إلى الغذاء والوقود، مما يؤدي إلى استنزاف كبير للموازنة الوطنية. وإذا تم قطع هذه الأموال، وهو قد يحدث، فإن ذلك قد يسمح لتنظيم “الدولة الإسلامية” باستعادة الأراضي وإشعال الصراع في المنطقة الحدودية.
على الجانب السوري، لا يُعاني نظام الرئيس بشار الأسد من المشكلة عينها. بعد استعادة معبر البوكمال الحدودي الاستراتيجي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، إستخدم النظام نموذجاً يتضمن التعاون بين اللواء 104 للحرس الجمهوري والعناصر القبلية المحلية في دير الزور. ولأن النظام أكثر استدامة من الناحية المالية، فإنه يسمح للأسد بالحفاظ على وجود قوي على الحدود.
من ناحية أخرى تكثّفت المنافسات الجيوسياسية على الحدود السورية – العراقية نتيجة تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. كما تعقّدت الأمور في المنطقة الحدودية الأوسع التي تمتد شمالاً نحو تركيا جرّاء الصراع بين تركيا والجماعات الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة والتنافس بين الأخيرة وروسيا. وربما تدخلت واشنطن أيضاً عسكرياً ضد قوات الحشد الشعبي الشيعية التي عبرت الحدود العراقية إلى سوريا للقيام بعمليات ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. وتعتبر واشنطن هذه القوات إمتداداً لإيران، وفي حزيران (يونيو) 2018، قصفت الطائرات الأميركية قوات من الحشد الشعبي بين البوكمال ومعبر تنف، الذي يسيطر عليه الأميركيون، على الجانب السوري من الحدود. ومع ذلك، نفت الولايات المتحدة أن تكون تورطت في تلك العملية.
تؤكد هذه الأجندات المتضاربة على أن الحدود العراقية – السورية تلعب دوراً مُعقَّداً أكثر بكثير من ترسيم الحدود بين دولتين تتمتعان بالسيادة. لقد أنتج وجود عناصر غير حكومية تُنازع سيطرة الدولة على الحدود – أو في الواقع تتقاسم أحياناً السيطرة على الحدود مع دول – علاقات عسكرية جديدة.
هكذا يبدو الحال بشكل متزايد على الجانب العراقي من الحدود، حيث تعمل الميليشيات الشيعية والبشمركة الكردية جنباً إلى جنب مع القوات العسكرية العراقية. وفقاً لأحد قادتها، فإن قوات الحشد الشعبي إنتشرت على طول الحدود السورية – العراقية بالتنسيق مع الحكومة العراقية. وتُقدِّر تقارير أخرى أن 80 في المئة من أعضاء قوات الحشد الشعبي العسكرية البالغ عددهم 140,000 يتمركزون في شمال العراق وغربه، بالقرب من سوريا وبعيداً من المناطق التي تمّ تجنيدهم فيها. هذا الرقم لم يتم تأكيده، ولكن بالنسبة إلى بعض المراقبين، فإن النشر، إذا تم تأكيد الأرقام، هو جزء من محاولة إيرانية لتأمين ممر بين إيران وسوريا.
في الوقت نفسه، تواصل القوات المسلحة التركية تنفيذ عمليات عبر الحدود ضد حزب العمال الكردستاني في مناطق مثل سنجار. إن التدخل التركي يؤثر في العلاقات بين الفصائل الكردية. إن الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي يقود حكومة إقليم كردستان في العراق، يُنسّق مع تركيا لمنع حزب العمال الكردستاني وحلفائه من خلق ملاذ آمن في شمال العراق. ومع ذلك، فإن هذا الموقف لا يتقاسمه الحزب الكردي العراقي الكبير الآخر، الإتحاد الوطني الكردستاني، الذي يسيطر على مدينة السليمانية وله حضور قوي في كركوك. إن الاتحاد الوطني الكردستاني هو حليف وثيق لإيران ويُعتقد أنه يتخذ موقفاً أكثر تعاطفاً مع حزب العمال الكردستاني وحزب الإتحاد الديموقراطي السوري التابع له.
كانت أولوية تنظيم “الدولة الإسلامية” هي الحفاظ على “الخليفة” حتى لو خسر أرض “الخلافة”. وهو لا يزال يسيطر على قطاع صغير من الأراضي على الجانب السوري من الحدود السورية – العراقية، التي تتعرض لخطر السقوط الوشيك. في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحاب 2000 جندي أميركي من سوريا والذين تتمركز غالبية وحداتهم على طول الحدود، حيث من المقرر الإنتهاء من انسحابها بنهاية نيسان (إبريل)، باستثناء حوالي 200 جندي.
إذا أدّى هذا الوضع الجديد إلى فراغ، فقد ينتج منه تقدم عسكري من قبل إيران ووكلائها، الحكومة السورية، الميليشيات الكردية، تركيا، أو روسيا. ولهذا السبب، من المرجح أن تظل الحدود السورية – العراقية منطقة عسكرية (أو عسكرة) بدرجة كبيرة، نتيجة للمنافسات الجيوسياسية والأزمات المحلية.

• خضر خضّور باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. تُركّز أبحاثه على العلاقات المدنية-العسكرية والهويات المحليّة في المشرق العربي، مع تركيز خاص على سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى