شباب لبنان على حافة اليأس

بقلم الدكتور هيكل الراعي*

يمر لبنان في واحدة من أشد مراحل تاريخه خطورة؛ مرحلة إعادة بناء منطقة الشرق الأوسط، مما يؤثر حكماً على أوضاعه الداخلية في كل نواحيها. ولن يستطيع هذا الوطن الصغير الصمود في وجه الأعاصير التي بدأت تتكوّن حوله، إلا إذا توحّد أبناؤه بكل مكوِّناتهم ووعى حكامُه ومسؤولوه.
ولكن من المؤسف القول، أن الممارسات التي نراها يومياً لا تزرع الإطمئنان في النفوس، ولا تُبشّر بالمستقبل الواعد. ذلك لأن المسؤولين يعيشون في غربة عن هموم الناس ومشاكلهم وآلامهم، لا يسمعون استغاثات الأمهات ولا بكاء الأطفال، ولا يرون الوقائع الكثيرة التي تطعن كرامة الإنسان وتلغي أجمل الصفات التي مُنِحَت للبنان.
فلبنان، وعبر تاريخه الطويل، كان أرض الحرية والكرامة، كان منارة الثقافة والمعرفة وواحة الكلمة ألمسؤولة في هذا الشرق المتصحّر. ومتى تحوّل لبنان إلى سجنٍ كبير تُقمع فيه الحريات وتُنتهك الكرامات لا يعود لبنان.
عندما يجوع الناس في لبنان، وعندما يعجزون عن تأمين أبسط مقوّمات حياتهم اليومية من تعليم وطبابة ودواء وسَكَن يصبحون في غربة عن وطنهم.
عندما يُضطهَد الشباب اللبناني ويُعتقلون وتُنتهك كراماتهم، ولا يُسمع صوتهم، وتُقفل أبواب العمل في وجوههم، لماذا يبقون في هذا الوطن؟
إذا لم يعترض الشباب، وإذا لم يجاهروا بآرائهم، وإذا لم يتظاهروا، وإذا لم يثوروا على كل أشكال الظلم والإستغلال والقهر، فماذا عساهم يفعلون؟ لا نريد أن يتحوَّل شبابنا إلى كائنات بيولوجية لا تعنيها هموم الوطن.
الشباب يعترضون على حالة الإهتراء التي تطبع الحياة السياسية، وعلى عدم الصدق في التعاطي مع قضايا الوطن الجوهرية والمصيرية.
الشباب يعترضون على الخطابات المُملّة وعلى التعابير الخشبية وعلى الوعود المعسولة غير القابلة للتحقيق وعلى الأحلام والوعود التي تُزرع والتي لن تُثمر إلّا خيبات ونكبات.
الشباب يعترضون على التدمير المُنَظَّم للإقتصاد الوطني بهدف وضع اليد عليه وتحويله إلى ممتلكات خاصة لبعض كبار المتموّلين.
الشباب يعترضون على إغراق لبنان بالديون التي سيكون عاجزاً عن تسديدها إلّا من خلال مشاريع مشبوهة ُتدمّر النسيج الإجتماعي والوطني.
الشباب يعترضون على تحويل لبنان شركة مساهمة بين رموز طوائف معينة تحتكر السلطة والمراكز والخيرات لها ولأبنائها وللأصدقاء وللمحاسيب والأزلام.
الشباب يعترضون على التلاعب بالقوانين والأنظمة وفق الأهواء والأمزجة والمصالح والأهداف والغايات، بحيث يتحوّل بعض المشبوهين إلى مُشرّعين وبعض السارقين إلى منظّرين ومحاضرين في العفة والطهارة.
الشباب يعترضون على الخطابات المذهبية الحاقدة التي تُعيد شحن الأجواء الطائفية تمهيداً لإشعال حروب جديدة.
شباب لبنان بحاجة اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، إلى مَن يُحاورهم، إلى مَن يُصارحهم، إلى مَن يقول لهم الحقيقة، إلى مَن يُقنِعهم بصوابية ما يجري حولهم وما يُخطَّط لمستقبلهم. وإذا لم نفعل، وكلنا مسؤول، تركونا وهاجروا. وهجرة الشباب هي الأخطر، لأنها تعني إفراغ الوطن من طاقاته ومقدراته وحرمانه عصب المستقبل وأمله.

• باحث وأستاذ جامعي لبناني ومدير عام سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى