لماذا ينبغي أن تُجرى الإنتخابات التشريعية في فلسطين الآن

الإسرائيليون يستعدون للذهاب إلى صناديق الإقتراع في نيسان (إبريل) المقبل لإنتخاب “كنيست” جديد وحكومة جديدة، لذا سيحتاج الفلسطينيون بدورهم إلى إجراء إنتخابات تشريعية للحصول على شرعية ديموقراطية لدفع حركتهم الوطنية لمواجهة “صفقة العصر” التي ترتبها واشنطن مع تل أبيب والتي بموجبها قد تجري تصفية القضية الفلسطينية كما نعرفها.

الرئيس محمود عباس: لا يوجد له خليفة بعدما أقال المجلس التشريعي

بقلم جايك وولز*

مضى أكثر من ثلاثة عشر عاماً منذ أن أجرى الفلسطينيون إنتخابات. غير أن التطورات الأخيرة قد توفر فرصة لإجراء إنتخابات جديدة للمجلس التشريعي الفلسطيني، (البرلمان).
في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، قضت المحكمة الدستورية العليا أن بإمكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حلّ المجلس التشريعي الحالي، الذي كان خاملاً غير ناشط منذ العام 2007. وفي نهاية كانون الثاني (يناير)، قدم رئيس الوزراء رامي الحمد الله استقالة حكومته. في حين أن هذين التطورين كانا في المقام الأول ثمرة للصراع السياسي المستمر بين الرئيس محمود عباس وحركة “حماس”، فإنهما يوفّران فرصة للفلسطينيين لإجراء إنتخابات جديدة للمجلس التشريعي الفلسطيني والبدء في استعادة الشرعية الديموقراطية لمؤسسات الحكم لديهم التي تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، هناك العديد من العقبات التي تقف في طريق إجراء انتخابات جديدة، والآفاق بعيدة جداً من اليقين والتوقعات غير أكيدة.
لقد أجرت السلطة الفلسطينية أربعة إنتخابات وطنية منذ إنشائها في العام 1994 نتيجة لاتفاقات أوسلو – مرّتان لانتخاب رئيس للسلطة في العامين 1996 و2005 ومرّتان لانتخاب المجلس التشريعي الفلسطيني في العامين 1996 و2006. وقد وجد المراقبون الدوليون عموماً أن هذه الإنتخابات كانت حرة ونزيهة. غير أن انتخابات المجلس التشريعي في العام 2006 أسفرت عن انتصار لقائمة “حماس”، الأمر الذي ولّد أحداثاً أدّت إلى الإنقسام الحالي بين قطاع غزة، الذي تسيطر عليه وتديره “حماس”، والضفة الغربية، التي تسيطر عليها وتديرها منظمة التحرير الفلسطينية وحركة “فتح”. وبعد أن استولت “حماس” بالقوة على السلطة في غزة في العام 2007، لم يتمكن المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه الحركة الإسلامية من تحقيق النصاب القانوني، وحكم عباس منذ ذلك الحين من خلال إصدار المراسيم.
إزداد النزاع بين عباس و”حماس” سخونة في الأشهر الأخيرة. إن قرار المحكمة الدستورية الذي يسمح بحل المجلس التشريعي، واستقالة الحمدالله، يهدفان إلى إضعاف “حماس” وتقوية حركة “فتح”. على وجه الخصوص، أراد عباس القضاء على إمكانية أن يخلفه رئيس المجلس التشريعي الحالي، وهو عضو في “حماس”، كما هو منصوص عليه في القانون الأساسي الفلسطيني. إن حلّ المجلس التشريعي الفلسطيني يعني أنه لم يعد هناك خليفة مُعيّن للرئيس، تاركاً هذا القرار فعلياً لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها “فتح”. بالإضافة إلى ذلك، كان عباس متشوقاً أيضاً لإنهاء حكومة المصالحة الوطنية التي شكلها الحمدالله، والتي تشكلت نتيجة لإتفاقات بين “حماس” و”فتح”.
وقال عباس إنه ملتزم بحكم المحكمة الدستورية، الذي دعا إلى إجراء انتخابات جديدة للمجلس التشريعي في غضون ستة أشهر. كما أيّدت اللجنة المركزية لحركة “فتح” الدعوة لإجراء انتخابات جديدة. لكن هناك مشكلة واحدة سيتعين على عباس مواجهتها وهي احتمال أن تحاول “حماس” منع جولة جديدة من التصويت. في الماضي تمكنت من استخدام سيطرتها على “غزة” لمنع الانتخابات في القطاع ، تاركةً عباس أمام خيار غير جذاب بإجراء تصويت في الضفة الغربية فقط، الأمر الذي كان من شأنه أن يُعزّز الإنقسام بين الضفة الغربية وغزة.
كان هذا الأمر دائماً صفقة بالنسبة إلى الرئيس الفلسطيني. لكن مع عدم وجود إحتمال حقيقي لإنهاء هذا الخلاف، قد يكون عباس على استعداد للمضي قُدماً في انتخابات الضفة الغربية فقط لإحباط “حماس”. قد تكون بعض الديموقراطية في هذه المرحلة أفضل من لا شيء على الإطلاق.
سيتعيّن على الفلسطينيين أيضاً مراقبة العقبات الإسرائيلية التي تحول دون إجراء عملية التصويت. على وجه الخصوص، كان اقتراع الفلسطينيين في القدس الشرقية دائماً مثار جدل. فقد نصت إتفاقات أوسلو على أن يقترع المقدسيون الشرقيون في مكاتب البريد الإسرائيلية المُعيَّنة في المدينة، وسمحت الحكومات الإسرائيلية بهذا الترتيب خلال جميع الإنتخابات الفلسطينية السابقة. ومع ذلك، فإن السياسة الإسرائيلية قد تحركت بشكل ملحوظ نحو اليمين منذ العام 2006، وليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة الحالية (أو التي قد تخرج من الإنتخابات الإسرائيلية في نيسان (أبريل) المقبل) ستسمح بذلك مرة أخرى.
قد تعترض إسرائيل أيضاً إذا سُمح ل”حماس” أو غيرها من الجماعات التي تعتبرها منظمات إرهابية أن تقوم بحملات إنتخابية بحرية. لقد جعل عباس باستمرار إدراج القدس الشرقية شرطاً لإجراء إنتخابات، ولن يتخلّى عن هذا الموقف اليوم. ولكن إذا رفضت إسرائيل ترتيبات التصويت السابقة، ينبغي على الفلسطينيين إستكشاف عملية التصويت عبر الإنترنت، أو بدائل أخرى، وعدم السماح لإسرائيل بممارسة حق النقض (الفيتو) على إجراء الإنتخابات. في السابق، كانت الولايات المتحدة مفيدة في إدارة المخاوف الإسرائيلية بشأن الإنتخابات الفلسطينية، لكن من غير المحتمل أن تكون إدارة دونالد ترامب مستعدة وذات فائدة كبيرة هذه المرة. قد يكون الإتحاد الأوروبي وغيره أقدر على ملء الفراغ.
ولعل أهم عقبة مُحتملة أمام إجراء إنتخابات جديدة هي تناقص مساحة النشاط السياسي داخل السلطة الفلسطينية نفسها. منذ الانتخابات الأخيرة للمجلس التشريعي الفلسطيني، أصبح المشهد السياسي الفلسطيني أكثر قمعية، وأقل انفتاحاً على حرية التعبير، وأكثر مقاومةً للمجموعات السياسية الجديدة أو المنظمات غير الحكومية التي تشكل تحدياً للأحزاب القائمة. يحتاج هذا الجو إلى التغيير من أجل أن تكون إنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني مساهمة ذات مغزى في الديموقراطية الفلسطينية. لتحقيق هذا، سيحتاج عباس إلى ضمان أن جميع الجماعات السياسية يمكنها أن تنظم حملات إنتخابية بحرية وتسمح للمراقبين الدوليين ووسائل الإعلام بتأكيد صحة وشرعية العملية.
إن إنتخابات مُعيبة ستكون أسوأ من عدم إجراء إنتخابات على الإطلاق. بينما يواجه الفلسطينيون آفاقاً قاتمة لحل النزاع مع إسرائيل، سيحتاجون إلى مؤسسات سياسية قوية ومشروعة لدفع حركتهم الوطنية في الفترة المقبلة. ويمكن للإنتخابات خلق هذه الشرعية الديموقراطية، ولكن فقط إذا كانت حرة ونزيهة حقاً.

• جايك وولز زميل قديم غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث يركز على القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية، وتونس، ومكافحة الإرهاب.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى