هل تستطيع عملة جديدة إنهاء الأزمة الإقتصادية في طهران؟

فيما تسعى حكومة الرئيس حسن روحاني إلى البحث عن مخارج لمواجهة الأزمة الإقتصادية التي تُحدق بالبلاد، يريد البنك المركزي الإيراني إزالة أربعة أصفار من الريال – لكن عملية إعادة تسعير العملة لا يبدو أن لها آثاراً سحرية.

محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي: إقتراح لإعادة تسعير الريال

بقلم مازيار معتمدي*

في مواجهة تصاعد التضخم وانخفاض العملة الوطنية بسبب العقوبات الأميركية القاسية التي أعيد فرضها بعد انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الإتفاق النووي الذي وقعته طهران مع مع القوى العالمية في أيار (مايو) 2018، تُخطط إيران لإزالة أربعة أصفار من قيمة الريال، آخذةً سعر الصرف الرسمي الحالي مع الدولار الأميركي من 42,000 إلى سعر أكثر قبولاً 4.2. ومع ذلك، فإن السعر الرسمي لا معنى له في الشارع حيث تبلغ قيمة الريال أقل بكثير – هذا الأسبوع، كان تداوله عند 120,000 للدولار في السوق السوداء.
لسنوات، كانت إيران تعمل على سعر صرفين، أحدهما للواردات المهمة والآخر لكل شيء آخر. (وفي الأشهر الأخيرة ظهر المزيد من معدلات للصرف على خلفية أزمة العملة). وإذا تم تنفيذها بعناية وكجزء من إصلاحات مالية أوسع، فإن إعادة تسعير العملة ستكون خطوة إيجابية، لكنها لن تكون الإجابة الصحيحة عن جميع المشاكل الإقتصادية المتداخلة في البلد.
أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، على حسابه على “إنستغرام” (Instagram) في 6 كانون الثاني (يناير) الفائت، أنه خلال إجتماع مع أعضاء البرلمان في اليوم نفسه، أبلغهم بأن المُنظِّم قد قدم رسمياً مشروع قانون لإعادة تسعير العملة للحكومة للمراجعة. ويهدف مشروع القانون إلى إزالة أربعة أصفار من الريال، حيث سيكون بعدها كل 10,000 ريال إيراني تساوي تومان واحد، وهي الوحدة التي تساوي حالياً عشرة ريالات وتم استخدامها لعقود في المعاملات اليومية والتجارة من قبل الإيرانيين.
كما أوضح همتي أن المتطلبات القانونية والفنية – بما في ذلك تمرير مشروع القانون من خلال الحكومة والبرلمان والتذكير بالأوراق النقدية القديمة وطبع أوراق جديدة – تعني أن استبدال العملة الوطنية بالكامل سيستغرق نحو عامين. وقال إنه في الوقت الذي ستجري عملية إعادة تسعير العملة جنباً إلى جنب مع قوانين الإصلاح البنكي التي يجري مراجعتها حالياً من قبل أعضاء البرلمان، فإن تنفيذ الخطة النهائية وتقديم الأوراق النقدية الجديدة سيأتيان بعد ذلك.
وكان الريال هو العملة الرسمية لإيران منذ العام 1932. وكان “تومان” العملة الوطنية خلال سلالة كاجار (1785-1925) والسنوات القليلة الأولى من سلالة بهلوي (1925-1979). والكلمتان لا وجود لهما في اللغة الفارسية، إذ أن الريال و التومان لهما جذور إسبانية – برتغالية وتركية – مونغولية، على التوالي.
يأتي اقتراح إعادة تسعير العملة بعد عامين فقط من المحاولة السابقة التي كانت على نطاق أصغر. في أوائل كانون الأول (ديسمبر) 2016، وافق مجلس الوزراء برئاسة حسن روحاني على إجراءٍ يهدف إلى إزالة صفر واحد من العملة الوطنية، مُعتبراً بشكل فعلي ال”تومان” الوحدة الرسمية الجديدة. وشدّد المسؤولون على أنها ليست محاولة لإعادة تسعير العملة، ولكنها مجرد مبادرة تهدف إلى تسهيل المعاملات اليومية. وواجهت العملية إنتقادات على أنها خطوة مُكلفة وغير كافية، لذلك ظلت المبادرة في حالة من عدم اليقين وفي نهاية المطاف رفضها المشرّعون في أيلول (سبتمبر) 2018.
لذا، قام البنك المركزي الإيراني الآن بجهد أكبر من شأنه أن يساوي التكلفة. لكن هذه ليست المرة الأولى التي تفكر فيها إيران في إعادة تقييم وتسعير العملة، فنظرة سريعة على تاريخها الحديث تُظهر السبب.
منذ الثورة الإسلامية في العام 1979، شهدت إيران تضخماً إقتصادياً مرتفعاً على أساس مُنتظم؛ وكانت هناك فقط أربع سنوات مالية كان فيها معدل التضخم من رقم واحد، كما تُظهر بيانات البنك المركزي الإيراني. وقد فكرت السلطات الإيرانية بإعادة تسعير العملة في العام 1994، عندما كان معدل التضخم الذي بلغ 49 في المائة يثير المخاوف من التضخم المُفرِط (hyperinflation). وجاءت المحاولة الثانية في العام 2008 في عصر حدّدته السياسات المُثيرة للجدل للرئيس المُتشدّد محمود أحمدي نجاد والعقوبات متعددة الأطراف التي وُضعت بسبب طموحات البلاد النووية. في العام 2010، أعلن أحمدي نجاد عن خطط لإزالة ثلاثة أصفار.
وقد توقفت كلتا الخطتين بسبب العديد من جوانب عدم اليقين التي منعت المسؤولين من التوصل إلى اتفاق حول كيفية تنفيذهما. عندما تم الوفاء بوعد روحاني الرئيسي بالحد من التضخم في العام 2016، كانت هذه هي المرة الأولى منذ 26 سنة التي يتم فيها خفض معدل التضخم الإقتصادي في البلاد إلى رقم واحد.
بعد مرور عقد على فشل إعادة تسعير العملة من قبل أحمدي نجاد، عادت الخطة إلى الظهور. لكن هذه المرة تختلف الأمور على مستويات متعددة. على سبيل المثال، إستمر انخفاض قيمة العملة بسبب إرتفاع التضخم بشكل كبير من دون هوادة. أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو عدم وجود استقلال للبنك المركزي الذي كان عليه في معظم الحالات أن يعمل كمجرد مُنفّذ للسياسات النقدية التي وضعتها الحكومات.
والأسوأ كان عندما إستخدم الشعبوي أحمدي نجاد المصرف المركزي والموازنات الحكومية لتنظيم منح نقدية وتنفيذ مشروع عملاق مثير للجدل للسكن الرخيص، وكلاهما لا يزال غير منتهٍ اليوم، ويُمثّل شوكة في خاصرة إدارة روحاني والنمو الإقتصادي الإيراني.
في فترة “الثورة الإسلامية”، كان كل دولار أميركي يساوي حوالي 70 ريالاً في السوق المفتوحة. وعندما أعلن أحمدي نجاد عن خطته لإعادة تسعير العملة، كان يتم تداول كل دولار مقابل 10,000 ريال، وهو معدل تجاوز ال35 ألف ريال بحلول نهاية فترة رئاسته.
مع ذلك، بفضل فرض العقوبات الأميركية وسوء الإدارة المحلية، فإن العديد من الإيرانيين يتوقون بالتأكيد لهذا المعدل اليوم. ومثل أحمدي نجاد، نجح البنك المركزي في عهد روحاني في تثبيت أسعار صرف العملات الأجنبية تقريباً عند مستوياتها السابقة خلال فترة ولايته الأولى. ولكن ظهرت صورة مختلفة إلى حد كبير منذ أن بدأ روحاني ولايته الثانية في السلطة في آب (أغسطس) 2017، وتسلم دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة.
وبلغ الريال أدنى مستوى له على الإطلاق عند 190 ألف ريال في السوق السوداء بعد وقت قصير من مواجهة روحاني – ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أيلول (سبتمبر) 2018، مما شكل أزمة عملة. ومنذ ذلك الحين، إستعاد الريال بعض خسائره على خلفية تدخل البنك المركزي ويجري تداوله الآن عند حوالي 120 ألف ريال لكل دولار.
لقد وضع البنك المركزي أسعار التضخم خلال الأشهر الـ12 التي انتهت في تشرين الثاني (نوفمبر) بنسبة 18.4 في المئة، لكنه توقف منذ ذلك الحين عن الكشف عن أرقام التضخم بحجة منع حدوث المزيد من الإرتباك الناتج من تناقض أرقامه مع الأرقام التي نشرها المركز الإحصائي الإيراني. وتشير التقديرات إلى أن التضخم يبلغ الآن أعلى من 35 في المئة، مقارنة بأقل من 10 في المئة قبل عام.
ولكن بالإضافة إلى أزمة العملة والتضخم، فإن المشهد السياسي المحلي يختلف أيضاً هذه المرة. هناك تعاون أكبر بكثير بين إدارة روحاني والبرلمان في ما يتعلق بالتوصل إلى حلول إقتصادية. على مدى أشهر عدة، كانت اللجنة الإقتصادية في البرلمان تقوم بمراجعة الإصلاحات البنكية التي تَعِد بإدخال أكبر تغييرات على النظام المصرفي الإيراني منذ عقود، بما في ذلك منح بنك إيران المركزي مزيداً من الإستقلال.
لذلك، يُمكن أن يُصبح مشروع إعادة تسعير العملة إضافة جيدة لإصلاحات مصرفية ونقدية أكبر بكثير، وهو نتاج تعاون نشيط بين الحكومة والبرلمان. لكن لكي يُصبح قانوناً، فهو بحاجة إلى موافقة مجلس صيانة الدستور بعد الحصول على موافقة البرلمان. ولم يُبدِ رجال الدين في المجلس أي اعتراض على إعادة تسعير العملة حتى الآن، وهناك إجماع على جميع مستويات المؤسسة بأن النظام المصرفي بحاجة ماسة إلى إصلاحات.
ومن الأمور الواعدة أيضاً حقيقة أن المسؤولين الإيرانيون يُدركون على ما يبدو فوائد وقيود إعادة هيكلة العملة. بعد اجتماع مجلس الوزراء في 9 كانون الثاني (يناير)، قال حاكم البنك المركزي الإيراني، همتي، للصحافيين إن البنك المركزي لا يتوقع الكثير من إعادة تسعير العملة. “نحن لا نقول أنه سيكون لها تأثير في النمو الاقتصادي والتضخم. نحن نعرف أنها خطوة تجميلية. … نحن نفعل ذلك لتسهيل الدفعات وتوفير تكاليف الطباعة”، قال. وهذا يدل على أن المسؤولين يرون أن العملية هي فقط مُكوِّن من إصلاحات ضرورية أكبر بكثير.
لا تحتاج الحكومة الإيرانية إلى أن تنظر بعيداً لترى أنه إذا ما تم تنفيذها كجزء من إصلاحات مالية أوسع نطاقاً، بخاصة في النظام المصرفي المُحاصَر، فإن إعادة تسعير العملة يُمكن أن تكون مفيدة في جوانب عديدة.
في العام 2005، أزالت تركيا المجاورة ستة أصفار من عملتها وأعادت تسعير الليرة رداً على معدل التضخم الإقتصادي الذي بلغ أعلى من 50 في المئة. وكان هذا التحرك ناجحاً نسبياً لأنه تم تنفيذه جنباً إلى جنب مع إصلاحات أوسع. لكن أزمة عملة تركيا في العام 2018 أثبتت أنها تُشكّل تحدياً كبيراً حيث خفضت مرة أخرى الثقة بالليرة بسبب النظام المصرفي الذي يُعاني من مشكلات. وقد حصل البنك المركزي التركي على استقلاله في العام 2001 في أعقاب أزمة إقتصادية، ولكن هذا لم يكن يعني أنه كان خالياً تماماً من التدخل الحكومي.
إن إزالة أربعة أصفار قبل نهاية ولاية إدارة روحاني – عندما يكون هناك أمل بأن الاقتصاد الإيراني الشامل سيكون أكثر استقراراً في عالم ما بعد ترامب – يمكن أن يقلل الإنفاق في العديد من المجالات. الأكثر وضوحاً في هذا المجال هو طباعة النقود.
لقد ازداد إجمالي المعروض من النقود في إيران بمعدل سنوي يُنذر بالخطر بلغ حوالي 30 في المئة خلال العقد الماضي. وقد انخفض الآن نمو العرض النقدي السنوي إلى نحو 20 في المئة على خلفية التحذيرات بالإجماع – حتى من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي وصف حجم السيولة بأنه “هائل” – لمنع أزمة أخرى في مهدها. ومع ذلك، كان إجمالي المعروض النقدي لإيران يقترب من 17 كوادريليون ريال في نهاية الشهر السابع من العام الإيراني الحالي في 22 تشرين الأول (أكتوبر)، وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن البنك المركزي الإيراني.
وعلاوة على ذلك، إذا تم تمرير مشروع إعادة تسعير العملة إلى قانون، سيتم أيضاً تغيير جميع القواعد النقدية ودفاتر تدقيق المحاسبة لتسهيل المعاملات. وهذا سيجعل عمليات المحاسبة والتدقيق أسهل بكثير. وأخيراً، سيستفيد سعر الصرف الإسمي للريال من البساطة. إن الأرقام الصغيرة تجعل المعاملات أسهل بكثير لرجال الأعمال وللجمهور العام بالنسبة إلى العدّ والحساب.
في حين أن إعادة تسعير العملة لن تقوّي في الواقع الريال أو تعزّز القدرة الشرائية العامة كإجراء قائم بذاته، يمكن أن يكون لها تأثير نفسي إيجابي في الناس. فهم غير راضين بشكل متزايد عن حقيقة أن دولاراً أميركياً واحداً يساوي عشرات الآلاف من عملتهم الوطنية.
لكن على السلطات أيضاً أن تُدرك أن التأثير النفسي الإيجابي الأوّلي لإعادة تسعير العملة سوف يكون قصير الأجل، ويُمكن عكسه بسرعة إذا استمر إرتفاع معدل التضخم. يدرك عامة الناس، وخصوصاً الطبقة المتوسطة المضروبة، أن إزالة بضعة أصفار من الريال لن تفعل شيئاً لرفع آفاقهم المتدهورة لوحدها.
وحقيقة أن الحكومة لا تنظر إلى إعادة تسعير العملة كحلّ سحري سريع للتضخم المرتفع وضعف العملة هو أمرٌ واعد. لا سيما وأن التاريخ أظهر الثمن الذي دفعه الناس مقابل افتقار قادتهم إلى التبصّر السياسي.
لقد أزالت فنزويلا خمسة أصفار من عملتها الوطنية في آب (أغسطس) الماضي في خطوة قال عنها الرئيس الإشتراكي نيكولاس مادورو إنها ستحوّل الإقتصاد المُتعثّر. ولم يكن من المفاجئ أن الخطوة لم تفعل شيئاً للحدّ من التضخم المُفرط في البلاد الذي يقول صندوق النقد الدولي إنه سيصل إلى 10 ملايين في المئة في العام 2019.
والأسوأ من ذلك كان في زيمبابوي عندما حذفت 12 صفراً من عملتها في ذروة الأزمة الاقتصادية في العام 2009. إن التعامل مع معدل تضخم فلكي، كان يُقدَّر بـ89.7 سكستيليون في المئة من قبل معهد “كاتو”، يعني أن هذه الخطوة كانت فشلاً تاماً. واضطرت زيمبابوي إلى التخلص من عملتها بالكامل في العام 2009، واختارت الدولار الأميركي والراند الجنوب أفريقي وسلة من العملات الأخرى. وقد عُرضت سندات مرتبطة بالدولار في العام 2016 في المزايدات، لكن حكومة زيمبابوي قد تلغيها أيضاً.
ومن المستبعد للغاية أن يصبح الوضع الإيراني سيئاً مثل حالة فنزويلا أو زيمبابوي — إذ تدرك السلطات في طهران جيداً أن صبر الإيرانيين على المصاعب الاقتصادية التي يغذيها الفساد وسوء الإدارة بدأ ينفد بالفعل. لكن تلك البلدان، التي لا تزال تعاني من عدم الإستقرار اليوم، يجب أن تكون بمثابة حكايات تحذيرية.
لضمان عملية انتقال سلسة ولمنع حدوث انتعاش من شأنه أن يُجبر على إعادة تسعير العملة مرة أخرى وتكاليف تنفيذ هائلة على مدى عقد مقبل، يتعين على حكومة إيران والبرلمان الوصول إلى رؤية موحدة. إنهما يحتاجان إلى تحقيق الإستقرار الإقتصادي الكلي من خلال إصلاحات محلية على المستوى الوطني والتغلب على عاصفة العقوبات من خلال العمل مع شركاء أجانب للحفاظ على الصفقة النووية على قيد الحياة وتعويم التجارة. فقط بعد تحقيق تلك الأشياء يُمكن للسلطات المسؤولة الإيرانية إزالة أربعة أصفار من الريال وإعادة بناء ثقة الجمهور بعملة وطنية أُعيد اختراعها.

• مازيار معتمدي صحافي إيراني يعمل في طهران، وقد كتب لمنشورات إيرانية وأجنبية عدة. يمكن متابعته على تويتر: @MotamediMaziar
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى