الجزائر: زيادة الإنفاق تدفع النمو ولكن…

تسعى الجزائر إلى تحسين إقتصادها في شتى المجالات، حيث تعمل على تنويعه وتحريره من هيمنة قطاع الهيدروكربونات لكي بستطبع الصمود ولا يتأثر كثيراً بأسعار النفط والغاز. لذا كانت حصيلة العام الفائت متفاوتة النتائج وإن كانت في معظمها جيدة.

سوناطراك: خطة طموحة حتى العام 2030

الجزائر – سلامة عبد الرحمن

ساعدت حزمة الحوافز الحكومية والأداء القوي في القطاع غير الهيدروكربوني على انتعاش الإقتصاد الجزائري في العام 2018. لكن التحدي االمُنتَظَر هو أن تحافظ الجزائر على هذا الزخم في العام 2019 على خلفية تباطؤ النمو العالمي وتقلب أسعار النفط والإنخفاض الطفيف في الإستثمار العام.
لقد توسّع الناتج المحلي الإجمالي في الجزائر بنسبة 1.2٪ و0.7٪ و 0.8٪ على أساس سنوي في الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2018 على التوالي، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية، وذلك بالمقارنة بمعدلات نمو بلغت 3.4٪ و1.5٪ و1٪ في الفترات المقابلة من العام 2017.
كان النمو مدفوعاً بالتوسّع في القطاعات الرئيسية، بما فيها الزراعة؛ البناء والأشغال العامة والمكوّنات الهيدروليكية؛ الخدمات التجارية، والتي تشمل التجارة والفنادق والمطاعم والنقل والمعلومات؛ والصناعة.
تراجعت النتائج بتقلصٍ بلغت نسبته 2.4٪ و8.2٪ و9.3٪ في قطاع الهيدروكربونات – أكبر قطاع منفرد في البلاد، والذي يُمثّل حوالي 60٪ من الإيرادات العامة و96٪ من الصادرات. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط والغاز بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة، فقد أشار مكتب الإحصاءات الوطنية إلى انخفاض الإنتاج كعامل وراء انخفاض العائدات.
من جهته يُقدم صندوق النقد الدولي نظرة إيجابية أكثر للإقتصاد الجزائري ككل، في تقييمه الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، حيث توقع نمواً بنسبة 2.5٪ في نهاية العام، وهو أعلى من معدل النمو الذي بلغ 1.4٪ في العام 2017.

زيادة الإنفاق تدفع النمو على خلفية التخفيف الكمي

إستند توقع صندوق النقد الدولي للنمو في العام 2018 على تنفيذ موازنة أكثر توسعاً، حيث ارتفع الإنفاق فيها بنسبة 25٪ تقريباً، عكس ما جرى في موازنتي العامين السابقين من إجراءات التقشف، واللتين شهدتا انخفاضاً في الإنفاق بنسبة 9٪ و14٪ على التوالي.
وقد ذهب جزء كبير من التمويل الجديد نحو تطوير البنية التحتية، بما في ذلك مشاريع النقل والشحن، مثل بناء محطة جديدة في مطار هواري بومدين في الجزائر العاصمة.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا الإرتفاع في الإنفاق إلى دفع العجز في نهاية العام إلى 9٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتوقعات وزارة المال، إرتفاعاً من 8٪ في العام 2017، لكنه مع ذلك لا يزال مُنخفضاً عن نسبة ال15٪ التي سُجِّلت في العام 2016، في حين أخّرت الحكومة في الوقت عينه تاريخها المُستَهدَف لتخفيض العجز إلى الصفر من العام 2020 إلى العام 2022.
ولدعم هذا النهج، قدّمت الحكومة في تشرين الأول (أكتوبر) 2017 سياسة التخفيف الكمي، حيث سُمِح للبنك المركزي، بنك الجزائر، بشراء الديون مباشرة من الحكومة والمؤسسات العامة وصندوق الإستثمار القومي لمدة خمس سنوات.
في حين أن هذه العملية قد أفرجت عن الإنفاق الحكومي، فإن بعض الإقتصاديين لا يزال يشعر بالقلق من أن تؤدي مثل هذه السياسة إلى زيادة كبيرة في التضخم، وردع الإستثمار الأجنبي المباشر وترك البلاد عرضة لصدمات مستقبلية مُحتَملة في الإقتصاد العالمي مع الإنخفاض المتوقع في إحتياطات البنك المركزي.
بالنسبة إلى التضخم، تم تسجيل المعدل الشهري عند 4٪ في تشرين الثاني (نوفمبر)، بانخفاض من أعلى مستوى سنوي عند 5.9٪ في حزيران (يونيو)، بينما توقعت الحكومة معدل تضخم سنوي يبلغ 5.5٪. ومع ذلك، ازداد التضخم بشكل ملحوظ في الربع الثالث من 2018، حيث بلغ 10٪ وفقاً للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية.
ستشهد موازنة 2019 إنخفاضاً في الإنفاق بنسبة 1.5٪ في محاولة لكبح العجز، حيث تتوقع الحكومة أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي نسبة 2.6 ، تماشياً مع توقعات صندوق النقد الدولي بنسبة 2.5٪.

قيود على الإستيراد لدعم الصناعة المحلية

هناك مبادرة رئيسية أخرى تم تقديمها في العام 2018 لمحاولة المساعدة على توازن الموازنة، وهي إدخال سلسلة من قيود على الإستيراد.
في كانون الثاني (يناير)، إستبدلت الحكومة نظام الترخيص القائم للإستيراد بقوانين جديدة تُقيِّد استيراد 851 منتجاً، بما في ذلك بعض السلع الغذائية والإستهلاكية المنزلية والمعدات الصناعية ومواد البناء.
وقد تم تحديث ذلك في حزيران (يونيو) 2018 بالإعلان عن ضمانات مؤقتة إضافية مصممة لتعزيز الصناعة المحلية وخفض فاتورة الإستيراد.
وبموجب هذا النظام، فُرضت مجموعة من الضرائب تتراوح بين 30٪ و200٪ على منتجات مُعَيَّنة سبق تحديدها في قائمة الإستيراد المُقيّدة، بما في ذلك الإسمنت والبطاطا والآلات الزراعية. تم الإعلان عن القائمة الكاملة للمنتجات المستوردة المتضررة والمشمولة بهذا النظام الجديد في أواخر كانون الثاني (يناير).

إستثمارات كبيرة في قطاع الطاقة

على الرغم من الإنكماش خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، فقد تلقى قطاع الطاقة إستثمارات كبيرة في العام 2018 من المتوقع أن تُعزّز الإنتاج والمعالجة النهائية للمصب ذات القيمة المضافة في المدى القصير إلى المتوسط.
في أواخر آذار (مارس) 2018، أعلنت شركة سوناطراك المملوكة للدولة أن الإنتاج قد بدأ في حقل تيميمون للغاز في جنوب غرب البلاد بعد سلسلة من التأخيرات. ومن المتوقع أن ينتج المشروع الذي تديره الشركة الفرنسية “توتال” بالإشتراك مع شركة “سيبسا” الإسبانية ما يقدر بنحو 1.8 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من 37 بئراً.
جاء ذلك عقب إطلاق حقل رقّان الشمال في أواخر العام 2017، والذي تديره مجموعة رقان الشمال المشتركة وينتج 8 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً.
وسيحصل الإنتاج على مزيد من الدعم من خلال مشروع ثالث هو مشروع تطوير “توات”، وهو شراكة بين سوناطراك و”نبتون إنيرجي” في ولاية ولاية أدرار، والذي من المقرر أن يبدأ في النصف الأول من العام 2019 ومن المتوقع أن ينتج 4.5 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً من 40 بئراً.
وبمجرد تشغيلها، من المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى زيادة إنتاج الجزائر من الغاز بمقدار تسعة مليارات متر مكعب سنوياً.
كما تمت إعادة تنشيط إستكشافات الغاز البحرية وغير التقليدية من خلال الشراكات مع لاعبين دوليين، بما في ذلك إتفاقية سوناطراك في تشرين الأول (أكتوبر) مع شركتي “بي بي” (بريتيش بتروليوم) و”إيكوينور” لاستكشاف وتطوير الموارد غير التقليدية في أحواض جنوب غرب البلاد. وفي الشهر عينه، أعلنت سوناطراك أيضاً عن صفقة منفصلة مع شركتي “إيني” و”توتال” للتنقيب البحري في البحر المتوسط الجزائري.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يحصل قطاع الصناعات التحويلية في هذه الصناعة على دفعة، حيث تُولي سوناطراك إهتماماً كبيراً بالبتروكيماويات والمعالجة المحلية من خلال “استراتيجية سوناطراك 2030″، التي تم الكشف عنها في أيار (مايو) الفائت، والتي ترتكز على العديد من المبادرات، لا سيما ما يتعلق بالصناعة البتروكيميائية والطاقات المتجددة والتكوين وتحسين ظروف الموارد البشرية، وأيضاً تطوير أداء تخطيط الأعمال والتسيير والنجاعة، بالإضافة إلى كفاءة الحفر.
في إطار الخطة الطموحة، تسعى الشركة المملوكة للدولة في البلاد لتصبح خامس أكبر شركة نفط وطنية في العالم بحلول العام 2030 باستخدام الطاقة المتجددة والتقنيات المبتكرة لتوسيع استكشاف وإنتاج النفط والغاز. في نهاية المطاف، تهدف سوناطراك إلى تلبية الطلب المحلي للجزائر وزيادة صادرات الطاقة في البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى