الرأي الممنوع و الآخر المقموع

بقلم عرفان نظام الدين*

تعودنا ان نجلُد الذات ونُلقي التُهم جذافاً، وتحميل مسؤولية ما وصلنا اليه من انهيار وإحباط لهذا الطرف او ذاك. وجرت العادة أن نصب جام غضبناً على الدولة والسلطة، ونشتم المسؤولين، ونُهاجم الفساد والفاسدين، وننسى، أو نتناسى، أننا نتحمّل المسؤولية الأولى في التشبّه بالشيطان الأخرس عندما نسكت عن الحق .
ورغم عدم نفي المسؤولية عن وُلاة الأمر وأصحاب السلطة والقرار، فإن المواطن العادي مسؤولٌ أيضاً عن التشبّث بالرأي ورفض الرأي الآخر، وقمعه بشتى الوسائل والإتهامات والتخوين وتوجيه الشتائم.
كنا نسمع عن حوار الطرشان، وهو ما درجنا عليه من قبل، إلّا أننا نُواجًه اليوم بواقع رفض الحوار وترك الطرشان ينعمون بحرمانهم من سماع الأخبار والأحداث.
وكان القاسم المشترك في الآونة الأخيرة يكمن في صراع الحوارات وليس في صراع الحضارات، إذ شهدنا حواراً من لونٍ جديد يقوم على العناد والمُكابرة، والتشبّث بالرأي الواحد، وإنكار الحقيقة والإدعاء بأن لها وجوهاً وأشكالاً وحقائق عدة. وكم شهدنا نزاعات وشتائم وخلافات وتبادل إتهامات وصولاً الى القطيعة من اهل البيت الواحد والجيران، والأخ وأخيه، والحبيب والحبيبة، والزوج وزوجته، ورفاق الدرب وزملاء العمل نتيجة للخلاف في الراي الذي أفسد للود قضية عند طرح حيثيات الأحداث واسبابها، ومواقف الأفرقاء منها، وتُلخَّص المحنة الراهنة بكلمات قليلة وهي: الديكتاتور الساكن في داخلنا، والمكابرة، وغياب ثقافة الحوار، وقيم حرية الراي وفق مقولة أُقاتل لأُدافع عن رايي، وأُقاتل من أجل سماع رأيك واحترامه.
ولن أُطيل في هذا المجال، ولكنني وجدت خير تعبير عن الفرق بين عقلياتنا وتربية الأجانب على قيم إحترام الحوار ما أرسله لي صديق على ال”واتس أب” (WhatsUp) عن مبادئ تُربّى عليها الأجيال في ألمانيا في هذا الشان “مجهوله المصدر”، وأعرض هنا بعض النقاط:
– انا لست أنت وليس شرطاً أن تقتنع بما أقتنع به، وليس من الضرورة أن ترى ما أرى؛
– الإختلاف شيءٌ طبيعي في الحياة، ومعرفة الناس للتعايش معهم لا لتغييرهم؛
– المواقف والحدث يغيران نمط الناس، وما يُزعجك يُمكن أن لا يزعجني؛
– ساعدني على توضيح رأيي لأن الحوار للإقناع وليس للإلزام؛
– لا تتصيّد عثراتي ولا تُمارس علي دور الأستاذ، واقبلني كما أنا حتى أقبلك كما أنت؛
– عاملني بما تُحب أن أُعاملك به، ولو أن الناس كانوا بفكرٍ واحد لقُتِل الإبداع؛
– إابنك ليس أنت وزمانه ليس زمانك، وزوجتك (أو زوجك) وجه مقابل وليس مطابقاً لك كاليدين؛
– لا تبخس عمل الآخر، وابحث عن الصواب فالخطأ شيء طبيعي؛
– ليكن شعارك وقناعتك في الحياة الحب والخير والطيبة؛
– إن حميتَ ظهري حميتُ ظهرك، فالحياة تتسع لي ولك وللآخرين؛
– لك حق ولغيرك حق، فتقبّل إختلاف الآخر وطوّر نفسك.
هذا بعض ما قرأت وما أجزم بأن فيها الكثير من مبادئ ديننا وحضارتنا، ولكننا تخلّينا عن كل ما هو أصيل ومُفيد لنتحوّل الى التفرّد والعناد وفرض الرأي ورفض الرأي الآخر، وإقفال أبواب الحوار والإجتهاد ….ويا حسرة على الأخلاق وقيم التسامح والتضامن والمحبة.

• عرفان نظام الدين كاتب وصحافي عربي مخضرم، كان رئيساً لتحرير “الشرق الأوسط” السعودية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي:arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى