الجزائر: عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة دمج الميليشيات لم تَعدُل ولم تنجح بالكامل

على الرغم من تسريح أعضاء الميليشيات الجزائرية أو دمجهم في مؤسسات الدولة بعد انتهاء الحرب الأهلية و”العشرية السوداء”، إلّا أن هناك تذمراً وامتعاضاً من بعض أعضاء هذه الميليشيات الذين سُرِّحوا ولم تعدلهم الدولة فباتوا في وضع سيىء للغاية.

الرئيس عبد العزيز بوتفليقة: سرّح الميليشيات يوم وصوله إلى الحكم

بقلم دالية غانم*

في العام 2012، لم يكن لدى حسين، العضو السابق في مجموعة شبه عسكرية مؤيدة للحكومة قاتلت في الحرب الأهلية في الجزائر،إلّا القليل من الكلام الجيد للتحدث عن الظروف التي واجهها هو ورفاقه السابقون على أيدي الحكومة الجزائرية.
“عندما استعادت البلاد إستقرارها، تخلّوا عنا وألقوا بنا جانباً”، يقول بأسف. مضيفاً: “في الوقت الذي قام [الذين قاتلوا الحكومة وتابوا في وقت لاحق] بغسل غنائم الحرب والتداول بعٍلم الجميع، يتلقى كل معوّق لدينا 4,000 دينار جزائري [حوالي 50 دولاراً] شهريًا”. منذ ملاحظات حسين، تحسّن الوضع إلى حدٍّ ما مع رجال الميليشيات السابقين، ولكن ليس بطريقة دراماتيكية.
بعد حرب الجزائر، طوّر النظام آليات لإدماج رجال الميليشيات السابقين في الدولة. فقد أنشأ هياكل عسكرية مُساعِدة لاستقبال ودمج المتطوّعين أو سهّل عودة المقاتلين السابقين إلى الحياة المدنية. ونتيجة لذلك، حصل عدد كبير من المقاتلين في وقت ما على وضع عسكري قانوني. الواقع أن استراتيجية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج أدّت إلى إعادة دمج معظم رجال الميليشيات، ولكن ليس كلهم، في حين لا تزال حوالي 80,000 قطعة سلاح لم تجمعها الدولة بعد.
ظهرت الجماعات شبه العسكرية، أو الميليشيات، في الجزائر خلال ما يُسمّى ب”العشرية السوداء” بين عامي 1991 و2001. في ذلك الوقت كانت الدولة مُنهَمِكة في معالجة ومواجهة تنامي الجماعات الجهادية، وسعت إلى موازنة ذلك الوضع. في العام 1993، إقترح اللواء محمد التواتي أن يتم الإستعانة بمدنيين للضلوع والإنخراط في “محاربة الإرهاب”. وبناء على هذا الإقتراح أسست حكومة رئيس الوزراء آنذاك، رضا مالك، الميليشيات في العام 1994، وجعلتها جزءاً من استراتيجية الدولة لمكافحة الإرهاب. وكانت مهمتها المركزية هي حماية القرى والبلدات التي أقيمت فيها. وكان وجود الميليشيات يهدف إلى تعطيل شبكات الإمداد وأنشطة الجماعات الجهادية. وهذا يعفي القوات المسلحة وقوات الأمن من توسيع عملياتها إلى الأراضي التي لا تستطيع السيطرة عليها. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة، فمن المُعتقَد أن الدولة إستطاعت حشد حوالي 200,000 من رجال الميليشيات.
تم تشكيل ثلاثة أنواع من الميليشيات: مجموعات الدفاع الذاتي، والمقاومون (الباتريوت)، والحرس البلدي. تم تأسيس مجموعات الدفاع الذاتي بشكل رئيسي في المناطق البربرية النائية، وقدمت الحماية المسلحة للأحزاب السياسية والجمعيات الإقليمية. كانت تعمل بشكل مستقل إلى حد ما عن الدولة، حيث غضت السلطات الجزائرية الطرف عنها وتسامحت مع وضعها.
من جهتهم فقد عمل المقاومون (الباتريوت) — وهم مجموعة شبه عسكرية تدعمها منظمة المجاهدين الوطنية التي تُمثّل قدامى المحاربين في حرب التحرير ضد فرنسا — بالتعاون الوثيق مع قوات الدرك الوطنية ولهم صلات بوزارة الداخلية والحكومة المحلية. وعادة ما يعمل “الباتريوت” في البلدات والقرى في المناطق الداخلية من البلاد، ويُعتقد أن حوالي 4000 منهم قُتلوا خلال قتالهم مع الجهاديين.
أما الحرس البلدي فقد نشأ من خلال قرار مشترك من وزارة الداخلية والقوات المسلحة. تم وضعه تحت سلطة ممثلي البلديات المُنتَخَبين والولاة. وقد تلقى أعضاء الحرس البلدي دورة تدريبية لمدة شهرين داخل الدرك، وارتدوا الزي الرسمي، وحصلوا على راتب شهري. كانت مهمتهم تقوم على ردع الجماعات الجهادية ومنع عودتها إلى المناطق المحررة، وفي بعض الأحيان مساعدة الجيش في مهماته في المناطق الجبلية.
قررت السلطات حلّ هذه الميليشيات عقب وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة في العام 1999، وبدء عملية المصالحة الوطنية في الجزائر، وتحسّن الحالة الأمنية. في العام 2009، أعلنت الحكومة عن حلً المقاومين “الباتريوت” وإعادة دمج أعضائهم التدريجي في المجتمع. وأعطي الأعضاء خياراً إما تسليم أسلحتهم والعودة إلى الحياة المدنية أو الإنضمام إلى الجيش. ونتيجة لذلك، فإن أولئك الذين اختاروا عدم تسريحهم إرتبطوا بوزارة الدفاع بموجب مرسوم رئاسي وتمّ إعتبارهم “مواطنين متطوعين”. ومُنِحوا عقداً، وضماناً إجتماعياً، وتأميناً، ورواتب منتظمة، والحق في الوصول إلى هياكل الصحة العسكرية. وقد أعيد تنظيم أنشطتهم، وشرعت قيادة الجيش في إقامة معسكرات عسكرية جديدة في مناطق عملياتهم، حتى يتمكنوا من القيام بمهامهم.
أما بالنسبة إلى أفراد الميليشيات السابقين الذين اختاروا المغادرة، فإن غالبيتهم إستفادوا من الإئتمانات والتسهيلات الأخرى المقدمة من خلال الخطة الوطنية للتنمية الزراعية والريفية وعملوا كمزارعين. وانضم آخرون إلى شركات الأمن لحماية الشركات الكبرى المملوكة للدولة مثل سونيلغاز، أو المديرية العامة للغابات، أو الشركة الوطنية للمياه والصرف الصحي.
في العام 2010 قام وزير الداخلية بحل “الحرس البلدي”، حيث ضم حوالي 62,000 عضو منه إلى الجيش وسرَّح حوالي 30,000. أما الذين بلغوا سن التقاعد أو أصيبوا بعاهات من بين بقية القوى العاملة، فقد حصلوا على استحقاقات تقاعدية أو بدل عجز طويل الأجل، وتم إنشاء صندوق خاص لتمويل إعادة إدماجهم في المجتمع في العام عينه.
ومع ذلك، لا تزال هناك مشاكل عدة. وإحداها تكمن في أن الحكومة ركّزت في استراتيجية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج على الباتريوت والحرس البلدي، تاركةً مجموعات الدفاع الذاتي جانباً ومُهمِلة لها بسبب إستقلالها. لذا لم يتم دمج وحدات الدفاع الذاتي في الدولة، ولم تستفد من أي خطة تعويض، ولم يتم نزع سلاحها بالكامل.
ثانياً، في حين أن الجهود المبذولة لمعالجة مصير الباتريوت والحرس البلدي بعد الحرب كانت ناجحة إلى حدّ ما، لم يكن كل أعضاء هذه المنظمات سعداء بالشروط على الدوام. على سبيل المثال، يطالب أعضاء “الباتريوت” بمعاشات تقاعد واستحقاقات تقاعد أفضل مماثلة لتلك التي تتلقاها الهيئات المساعدة الأخرى مثل الحرس البلدي، من دون أن يكون ذلك مشروطاً بعدد سنوات الخدمة. كما طلب “المقاومون” تغطية التأمين الصحي، وحصص الإسكان، والحق في شغل وظيفة أخرى من دون حرمانهم من معاشهم، وغير ذلك من المطالب. وقد وعدت السلطات بالموافقة على العديد منها، ولكنها لم تفِ بوعدها. وهناك عدد كبير من رجال الميليشيات السابقين في وضع غير مستقر وسيىء، ويعانون من انخفاض الرواتب، وعدم تلقي أي معاشات تقاعدية، وعدم الوصول إلى المرافق الطبية.
بعد مرور ثمانية عشر عاماً على انتهاء الحرب الأهلية في الجزائر، فإن الحكومة، رغم جهودها، تدفع ثمن عدم وجود استراتيجية واضحة تجاه رجال الميليشيات السابقين. على نطاق أوسع، في الوقت الذي توجد وفرة من الميليشيات الرسمية أو الجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن تحقيق عملية التسريح ونزع السلاح وإعادة دمج أعضائها يطريقة ناجحة يرتبط إرتباطاً وثيقاً باستقرار دول المنطقة.

• دالية غانم باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. تتمحْور أبحاثها حول العنف والتطرّف السياسيين، والتعصّب، والإسلاموية، والجهادية، مع تركيز خاص على الجزائر وعلى انخراط النساء في التنظيمات الجهادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى