سياسة ترامب في سوريا تُنفّر الأصدقاء وتُعزّز الأعداء

منذ وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والفوضى مستشرية في سياساته الداخلية والخارجية، الأمر الذي دفع ببعض المعلقين إلى وصفها بسياسات الهرج والمرج والضوضاء … وقد أدت سياسته الخارجية تجاه سوريا إلى تنفير الأصدقاء وتعزيز الأعداء.

الرئيسان رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب: هل تخلّى الثاني عن الأول لمصلحة روسيا؟

بقلم مارك بيريني*

إستعرت الحرب في سوريا منذ ما يقرب من ثماني سنوات، وأدّت إلى معاناة لا يُمكن تصوّرها، إضافة إلى إعادة تشكيل تحالفات كبيرة في الشرق الأوسط. وفي الآونة الأخيرة، أصبح الكابوس السوري أكثر إثارة للقلق بسبب القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب قواته من شمال شرق سوريا حيث تُحارب بقايا تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
نوعية السياسة الخارجية التي يتبعها ترامب تُثير القلق حتى بالنسبة إلى أكثر المراقبين حنكة في واشنطن. ولعدم العثور على سبب منطقي لذلك، يبدو أن تحركات ترامب الأخيرة في سوريا كانت مدفوعة بخمس حقائق على الأقل:
أولاً، لا تستمع إلى جهاز أمنك القومي المتطوّر، حتى إذا كان الثمن فقد وخسارة أفضل الأشخاص في إدارتك، بمن فيهم وزير الدفاع جيمس ماتيس في 20 كانون الأول (ديسمبر)، والمبعوث الرئاسي الخاص لمحاربة الإرهاب بريت ماكغورك في 21 كانون الأول (ديسمبر).
ثانياً، كلما كان ذلك ممكناً، إفعل العكس تماماً مما فعله الرئيس السابق باراك أوباما.
ثالثاً، تجاهل حلفاءك، مثل فرنسا، الذين لديهم قوات برية في سوريا يعملون يومياً مع القوات الأميركية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
رابعاً، إتخذ قرارات تستند إلى الغرائز الشعوبية (أو الشعبوية)، حتى لو كانت ستؤدي بك إلى تراجع جزئي في الأيام اللاحقة.
خامساً، إستخدم لغة إستفزازية مع الشركاء لأنها مُحبَّذة بشكل جيد لدى قاعدة ناخبيك.
هذا النوع من السياسة الخارجية يخلق تأثيرات مضاعفة متعددة على الساحة الدولية. إن استخدام وحدات حماية الشعب الكردية السورية لسنوات لقيادة القتال والكفاح بنجاح ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” أدى إلى إحتلال مساحة واسعة من الأراضي السورية شمال وشرق نهر الفرات، إلى ما وراء المناطق ذات الغالبية الكردية. لكن التعويل في الغالب على القوات الكردية لأنها كانت إلى حدّ بعيد أكثر القوى كفاءة وموثوقية على الأرض أدّى إلى مشاكل متوقَّعة مع تركيا، التي كانت الأولوية لديها هي مواجهة تمرّد الأكراد لديها أكثر من محاربة “الدولة الإسلامية”.
وعلى ما إذا كان الإختيار حكيماً بالإعتماد على وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها أنقرة التمدّد أو الإمتداد السوري لمتمرّديها في حزب العمال الكردستاني، فهي مسألة تستدعي مناقشة. لكن الإنسحاب فجأة وترك “وحدات حماية الشعب” وحيدة له عواقب واضحة. إن ذلك سوف يدفع بالقوات الكردية إلى أحضان نظام الأسد، وبالتالي إلى محور موسكو وطهران – وهي نتيجة متناقضة بالنسبة إلى هذا البيت الأبيض الذي جعل احتواء إيران أولوية.
كما يترك قرار ترامب حلفاء الولايات المتحدة الأساسيين في حلف الناتو في وضع محرج، وبخاصة فرنسا والمملكة المتحدة. فرنسا على وجه الخصوص لديها حوالي 200 جندي على الأرض، مقارنة مع حوالي 2000 جندي أميركي. ويعمل الفرنسيون والأميركيون بطريقة منسقة بشكل وثيق، وتعتمد الوحدة الفرنسية، بحكم صغر حجمها، إلى حد كبير على زملائها الأميركيين في مجال النقل والإمداد، بما في ذلك انسحاب فرنسي عندما يحين ذلك الوقت.
إن قرار ترامب يقوّض الاستراتيجية الغربية لرؤية التسوية السياسية للنزاع السوري المتفاوض عليه ضمن حدود الأمم المتحدة. إن التمسك بحوالي 30٪ من الأراضي السورية (حتى إن كانت فارغة إلى حد كبير) يُعد أمراً مهماً عندما يتعلق الأمر بتسوية في إطار الأمم المتحدة الأكثر شرعية، مقارنة بإطار إستانة الإنتهازي.
واحدة من الطرق القليلة التي كان على الدول الغربية التأثير فيها على التسوية التي تتم في الأمم المتحدة هي إستمرار وجودها على الأرض. الآن، أعطى ترامب هذه البطاقة من دون إشعار مُسبق، مما عزّز استراتيجية نظام الأسد المتمثلة في استعادة السيطرة على جميع الحدود في شمال سوريا. هل أُخِذ في الإعتبار الفائدة الهائلة التي تجنيها إيران من ذلك؟ مرة أخرى، كيف كل هذا سيتربّع مع الموقف المُناهض لإيران العزيز على قلب إدارة ترامب؟ الإجابات نتركها للمخيلات.
أحد أكثر تداعيات قرار الانسحاب غير المتوقعة هو أنه ترك تركيا وحيدة في البرد وجعلها أكثر إعتماداً على روسيا بالنسبة إلى تحركاتها التالية. للوهلة الأولى، بدا أن قرار ترامب أُخذ لإرضاء أنقرة، لكن ذلك كان على السطح فقط. في الواقع، فإن عزم تركيا على غزو شمال سوريا شرق الفرات لتقسيم المناطق التي يسيطر عليها الأكراد إلى ثلاثة كيانات منفصلة – عفرين، التي تحتلها تركيا الآن بموافقة روسيا، كوباني، والقامشلي – تخضع لقرار روسي، والذي إذا كان إيجابياً، قد يأتي من دون إذنٍ باستخدام الغطاء الجوي.
بالإضافة إلى ذلك، بعد أن أدرك مدى الضرر الذي سيُلحقه قراره المفاجئ بالانسحاب بالمصالح الكردية، فقد سعى ترامب في 14 كانون الثاني (يناير)، إلى “حماية” الأكراد السوريين. كالعادة غرّد على “تويتر” بأن “الانسحاب الذي طال انتظاره من سوريا” سوف يسير جنباً إلى جنب مع “ضرب” بقايا “الدولة الإسلامية”، بينما هدّد ترامب أيضاً ب”تدمير تركيا إقتصادياً إذا ضربت الأكراد”. من خلال تغريدتين مُعقّدتين إستطاع الرئيس الأميركي أن يُرضي تركيا – من طريق السعي إلى “إنشاء منطقة آمنة طولها 20 ميلاً”، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة “لا تريد أن يستفز الأكراد تركيا” – وأغضبها، من طريق التحذير من فرض عقوبات إقتصادية غير محددة. لا يمكن لهذه السياسة العشوائية إلا أن تُغذي المشاعر المعادية لأميركا في تركيا وأن تدفع قيادتها إلى مزيد من إبعاد البلاد عن حلفائها الغربيين.
إن “إعادة الأولاد إلى الوطن” هو موضوع شعبي في أميركا اليوم، وربما كان لقرار ترامب منطقاً شعبوياً قوياً. لكن من المفترض أن تخدم السياسة الخارجية مصالح استراتيجية طويلة المدى وليس فقط أهدافاً إنتخابية قصيرة الأجل. في نهاية المطاف، فإن سياسة أميركية من أجل سوريا تنفذ بهذه الطريقة تمنح نصراً سياسياً هائلاً لعدوّي واشنطن المُعلَنين – روسيا وإيران.

• مارك بيريني هو باحث زائر في مركز كارنيجي أوروبا، حيث يركز بحثه على التطورات في الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي.
• كُتِب هذا التحليل بالإنكليزية وعرّبه مركز الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى