الخطوة الاولى بخروج بريطانيا: تفتيت أوروبا لصالح أميركا وروسيا

بقلم عرفان نظام الدين*

سيذكر التاريخ رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بكثير من اللوم والإتهام والإدانة بسبب قراره الأهوج بإجراء إستفتاء خروج بريطانيا من الإتحاد الاوروبي.
هكذا ومن دون أي مبررات او تمهيد قرّر ركوب موجة المخاطرة، عن علم أو عن جهل بالنتائج الوخيمة والعواقب المدمرة المترتبة عن ذلك للمملكة المتحدة، والأثار السلبية على أوروبا الطامحة لتصبح قوة كبرى .
كما سيذكر التاريخ ان خليفته رئيسة الوزراء تيريزا ماي قد فشلت في إداره البلاد، والتخفيف من إنعكاسات الخروج، ومعالجة تفاصيل الحل مع الدول الاوروبية، فجاءت باتفاق هجين أثار القلق على كافة المستويات ما أدّى الى هزيمتها في مجلس العموم عند التصويت على رفضه.
صحيح ان الإرث كان ثقيلاً، وأن كاميرون ترك لها الكثير من حقول الألغام والقنابل الموقوتة، لكن شخصية ماي وأسلوبها المُتسلّط، وتشدّد الأوروبين اوصلت البلاد الى ما وصلت اليه.
والآن وقد وقع المحظور لم يعد المهم الحديث عن الماضي، بل طرح السؤال الجوهري: ثم ماذا بعد؟ والى أين المصير؟ والجواب غير متاح حتى الآن تظراً لأن بريطانيا تشهد أزمة حادة لم تشهد مثلها في تاريخها. إنقسامٌ أفقي بين الرأي العام والأحزاب، وداخل الحزبين الرئيسين: العمال المعارض والمحافظين الحاكم، ووضعٌ إقتصادي مُهَدَّد، ومُهلٌ قصيرة لا تُتيح لتريزا ماي تحقيق أي إنجاز بعد مطالبتها بتقديم إتفاقٍ بديل خلال أيام، إضافةً الى مهلة نهاية آذار (مارس) المحددة في المفاوضات لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي .
والحلول المطروحة راهناً ليست كافية للخروج من الأزمة قبل الخروج من الإتحاد، ومنها الدخول في مفاوضات جديدة للحصول على إتفاق أفضل وسدّ الثغرات، وهذا أمرٌ مرفوض من قبل المُتشدِّدين وفي مقدمتهم فرنسا والمانيا، أو الخروج من الإتحاد من دون إتفاق وهذا سيُسبب إرباكات وأزمات على مختلف الصُعُد. أما الحل الثالث فهو تمديد المُهَل وتأجيل الخروج لسنة او سنتين لإيجاد مخرج ما.
أما إقتراح إجراء إستفتاء شعبي ثانٍ لحسم الأمور، فقد أبدت غالبية الأحزاب رفضها، ولا يحمل رايته إلّا حزب العمال، كما أن مجرد القبول به سيدفع باسكتلندا إلى المطالبة باستفتاء آخر على الإستقلال، وقد تحذو حذوها إيرلندا الشمالية التي ترفض وجود أيّ حدود بينها وبين جمهورية إيرلندا.
وهنا يكمن الخطر بأن يلي الخروج الأول الى تقسيم بريطانيا وتفتيت المملكة المتحدة تمهيداً لتفتيت اوروبا، وإجهاض الحلم الرامي الى إقامة قوة عظمى ثالثة تقف الى جانب الولايات المتحدة وروسيا.
ولا يُمكن إنكار وجود أصابع خفية، بعضها مُعلَن يعمل على تفتيت أوروبا، إضافة الى مواقف واضحة للرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، بل أن الرئيس الأميركي كان أكثر تشدّداً في رفض قيام كيان عسكري أوروبي، كما كان مُحرِّضاً رسمياً على سيناريو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، والشماتة من فرنسا بسبب الإحتجاجات التي عرفتها أخيراً.
أما نحن العرب، فما زلنا نجلس على مقاعد المُتفرّجين اللامبالين، مع أننا عانينا الأمرّين من مؤامرة تفتيت البلدان العربية، وتقسيم المقسوم، فهل جاء دور اوروبا؟

• أديب، كاتب وصحافي عربي مخضرم. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” ومديراً للقناة التلفزيونية “أم بي سي” (MBC). يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى