ما مدى اقتراب أفريقيا من تحقيق أهداف النمو الإقتصادي المُستَدام؟

عرفت القارة الإفريقية مع بداية القرن الحادي والعشرين إصلاحات هيكيلية وسياساتية أدت بمعظم بلدانها إلى توسّع إقتصادي وتحسينات في التعليم والرعاية الصحية ومستويات الفقر.

الصين: أكبر مستثمر في أفريقيا

بقلم سهير مزالي*

عرفت أفريقيا تغيّرات كبيرة منذ بداية القرن الحالي بفضل الإصلاحات الهيكلية والسياساتية، والوعود بإطلاق وتحرير الثروات الاقتصادية للقارة ورفع مستويات الإستثمار الأجنبي. ونتيجة لذلك، شهدت أفريقيا توسعاً إقتصادياً كبيراً، وارتفاع مستويات الإستثمار الأجنبي المباشر، وتحسينات رئيسية في عدد من المؤشرات الإجتماعية من التعليم إلى الرعاية الصحية ومستوى الفقر.
غير أن الإنهيار في السلع الذي بدأ في العام 2013، سلّط الضوء على الهشاشة المستمرة في الأساس الإقتصادي للقارة السمراء. وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، إنخفضت تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر إلى أفريقيا من 55 مليار دولار في العام 2015 إلى 42 مليار دولار في العام 2017، وهذا يرجع أساساً إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية. وقد تضاعف هذا الأمر في الآونة الأخيرة، مع إرتفاع معدل التذبذب والتقلّبات بسبب إرتفاع الدولار ورفع البنك الفيديرالي الأميركي لأسعار الفائدة وحرب التجارة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين التي أخذت معظم الأسواق الناشئة والأمامية إلى طريق وعر مليء بالمطبات في العام 2018.

بناء المرونة

كان التنويع في صميم معظم جداول الأعمال السياسية والإقتصادية في القارة السمراء طوال العقد الفائت، بهدف تعزيز نماذج التنمية الأكثر ديموقراطية والأكثر إستدامة والتي لا تعتمد فقط على السلع الأساسية مثل النفط والذهب والكاكاو لتبرير النمو. والتقرير الذي أصدرته مؤسسة “إي واي” (EY) البريطانية في 2018 تحت عنوان “تحوّل المد: برنامج جاذبية إفريقيا”، يُسلّط الضوء على تحوّل مستمر في السنوات الأخيرة من الإستثمار الإستخراجي إلى الإستثمار المُستدام، حيث تتدفق المشاريع إلى جيل جديد من القطاعات مثل البنية التحتية والتصنيع والطاقة المتجددة.
وبينما بدأت نتائج هذه السياسات تؤتي ثمارها في بعض الأسواق، فإن معظمها ما زال في المراحل الأولى من التطور. غير أن وتيرة التغيير التي حدثت في السنوات الأخيرة في بعض المجالات تبعث على التفاؤل. إن قطاع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في كينيا وصناعة المنسوجات في إثيوبيا هما مثالان يتبادران إلى الذهن.
فالتصوّرات المُتغَيِّرة وتحسّن ظروف العمل والإمتثال التكنولوجي هي بعض العوامل التي دفعت وقادت التغيير والإهتمام بأفريقيا. وإذا نظرنا إلى المستقبل غير البعيد، فإن الجهود المبذولة لجني الفرص الإقتصادية وتحقيق وعود القارة بالنمو المُستدام والإندماج الإجتماعي ستحتاج إلى الإبحار في عدد من التحديات الرئيسية، ألا وهي حكم وحوكمة أقوى، وإصلاحات إقتصادية مستمرة، وبنية تحتية أفضل، والمزيد من الفرص والوظائف.

تعزيز الأساسيات

وفقاً لتقرير البنك الدولي حول ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2019، كانت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي المنطقة التي شهدت أكبر عدد من الإصلاحات منذ العام 2012، وسجّلت رقماُ قياسياً من الإصلاحات بلغ عددها 107 في العام 2018. وفي وقت لاحق، شهدت المنطقة متوسط الوقت وتكلفة تسجيل شركة يتحسّنان من 59 يوماً و192٪ من دخل الفرد في العام 2006 إلى 23 يوماً و40٪، على التوالي، اليوم. وكانت خمسة بلدان جنوب الصحراء الكبرى، وهي جيبوتي وساحل العاج وتوغو وكينيا ورواندا، من بين البلدان العشرة الأكثر تحسناً في العام 2018 من حيث الإصلاحات التي أُجرِيت.
ويدل كل هذا على وجود وعيٍ متزايد بين صناع السياسات في المنطقة بأهمية الإصلاح لتمهيد الطريق لبيئة صديقة للأعمال تفضي إلى الإستثمار. وهذا – إلى جانب السياسات الاستراتيجية التي تُعزّز أسس الإقتصاد الكلي السليمة – هو ما سيساعد على توفير التنمية المستقرة والمُستدامة التي تحتاج إليها القارة.
وتشمل مجالات التحسين، التي أبرزها التقرير، الجودة والكفاءة التنظيمية، والتجارة عبر الحدود، والوصول إلى الكهرباء وحل حالات الإعسار والإفلاس.

وضع الأساس

تُقدَّر الإحتياجات الحالية لأفريقيا بالنسبة إلى البنية التحتية ب 130 مليار دولار – 170 مليار دولار، وفقاً لبنك التنمية الأفريقي، ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم بشكل كبير مع نمو الإقتصادات وتزايد عدد السكان.
ولعلّ هذا هو أحد أكثر الإختناقات صعوبة الذي أعاق التنمية الذي تُكافح أفريقيا من أجل التغلب عليه، لا سيما في أعقاب الإعلان عن منطقة التجارة الحرة الأفريقية القارية (AfCFTA). بعدما تم التوقيع عليها ﻓﻲ أواﺋل العام 2018، ﻣن اﻟﻣﺗوﻗﻊ أن ﺗُﻌزز هذه المنطقة أﺣﺟﺎم اﻟﺗداول ﺑﻧﺳﺑﺔ 50٪ ﻋﻟﯽ ﻣدى اﻟﺳﻧوات اﻟﺧﻣس اﻟﻣﻘﺑﻟﺔ، وﻟﮐن ﻣن دون اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺗﺣﺗﯾﺔ اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻟدﻋم ھذه اﻟﺗدﻓﻘﺎت، ﻓﺈن ھذا اﻟﮭدف ﻗد ﯾﺻﺑﺢ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول وغير منطقي.
من الواضح أن هذا لا يعني أن أفريقيا لم تُحرز أي تقدم في السنوات الأخيرة. أمثلة من مشاريع البناء والتوسع الجديدة لا حصر لها، سواء كانت الطرق والموانئ والسكك الحديدية والمناطق الإقتصادية الخاصة أو المدن الذكية. وقد نشطت الصين بشكل خاص في جميع هذه المجالات، حيث ارتفع إجمالي إستثماراتها في القارة من 13 مليار جنيه استرليني في العام 2010 إلى 35 مليار جنيه استرليني اليوم، وتوجهت في المقام الأول إلى البناء والبنية التحتية، وفقا ل”أونكتاد”.
وقد تحقق الكثير ولكن لا يزال يتعيّن إنشاء وتحقيق المزيد، سواء كانت مصانع لتعزيز القاعدة الصناعية في القارة، ومدارس ومساكن لاستيعاب عدد متزايد من السكان، أو الطرق لربط المناطق النائية بمدن متحضّرة بشكل متزايد. ومع بعض المراكز الحضرية الأسرع نمواً في العالم مثل باماكو ولاغوس وأديس أبابا، من المتوقع أن تستضيف المدن الأفريقية 760 مليون شخص بحلول العام 2030 و 1.2 مليار بحلول العام 2050. ومن المتوقع أن يصل إجمالي عدد سكان القارة إلى 1.7 مليار في العام 2030 و2.5 ملياري نسمة في العام 2050، وفقاً للأمم المتحدة. إن الإدارة الفعّالة والتخطيط في مثل هذه المناطق سيكونان أساسيين في تشكيل مستقبل هذه المراكز وتحويل ما يبدو في الوقت الحالي كضغط إضافي إلى فرصٍ للتنمية والإستثمار.

الإستفادة من العائد الديموغرافي

مع وجود 60٪ من سكان أفريقيا تحت سن 24 عاماً، لا يُمكن الإنكار بأن جزءاً كبيراً من ثروات القارة يكمن في شبابها. مع أخذ هذا في الإعتبار، من المتوقع أن يرتفع عدد السكان في سن العمل بنحو 900 مليون شخص في السنوات الـ35 المقبلة. في المقابل، من المتوقع أن ينخفض هذا الرقم ب85 مليون شخص في أوروبا و200 مليون في الصين. ولكن حتى الآن، فإن خلق فرص العمل في أفريقيا قد تخلّف وراء المكاسب الإنمائية التي شهدتها السنوات الأخيرة. من المفترض أن يصل عدد الشباب الأفارقة في سوق العمل كل عام إلى ما بين 10 ملايين و12 مليوناً، ومع ذلك لا يتم إنشاء وخلق سوى 3 ملايين وظيفة فقط.
وقد أصبحت معظم البلدان على وعي بالحاجة إلى الإسراع بإيجاد الوظائف للحفاظ على سوق العمل مُكتفية ذاتياً ودرء البطالة والأعمال غير النظامية. وتُعتَبَر صياغة السياسات والبرامج الرامية إلى إيجاد مزيد من الفرص ومواءمة المهارات مع الإحتياجات المستقبلية لكل سوق من الأمور الحاسمة في هذا الصدد. من المؤكد أن جذب الإستثمار إلى قطاعات الجيل الجديد المذكورة آنفاً يُمثّل حلاً آخر.
والأهم من ذلك ، أن فهم المشهد التجاري في أفريقيا هو جانب مهم آخر يجب أخذه بعين الإعتبار. مع 90 ٪ من الأعمال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تنفذها الشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن إيلاء المزيد من الاهتمام لموهبة ريادة الأعمال والإبتكار المحلي سيُسهم بلا شك في تعزيز الفرص الإقتصادية المستدامة.

• سهير مزالي المحررة الإقليمية لإقريقيا في مجموعة أكسفورد للأعمال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى