الدولة خادمَتُهُم… وَهُمْ في خِـدمة المواطنين

بقلم هنري زغيب*

ليست صحيحةً مقولةُ أَن الدولةَ مُعَطَّلة، بانتظار تشكيل حكومةٍ أَو إِجراءِ انتخابات. الدولةُ، بمعناها السياسي، هي التي تَسُوس شؤُونَ الناس السائـرةَ أَصْلًا أَيًّا تكن الظروف السياسية في القصر الرئاسي أَو السراي الحكومي أَو مجلس النواب.
المواطنون يُسيِّرون الدولة، والدولة تخدُم سيرورة المواطنين. الدولةُ خادمة المواطنين. وحين أُفكِّر بالوطن ونشاطه لا أُفكِّرُ بالسياسيين بل بشجاعة المواطنين المغمورين وأُحيِّــيـها.
أُحيِّـي الموظَّفين المواظبين الدائبين يوميًّا على تسيير شؤُون المواطن، بدونهم تتوقَّف معاملاتُه وفواتيرُه وأَوراقُه الرسمية.
أُحيِّـي عمَّال الخُضَر واللحوم والأَفران، مَن يغدُون قبل الفجر لنقل الموادِّ الغذائية المختلِفة، بدونهم يتوقَّف طعامُ الناس وتتعطَّل حياتُهم اليومية.
أُحيِّـي عمَّالَ المصانع والمطابخ والمطابع والمطاعم والمصابغ والطرقات والنفايات والبناء والمعامل والفنادق والمسابح والمستشفيات والصيدليات وغيرَهم كثيرين جدًّا ومُلتزمين جدًّا بتأْمين خدماتٍ وحاجاتٍ بدونها تتعثَّرُ مسيرةُ الحياة اليومية.
هؤُلاء همُ الطيِّبُون الذين أُحيِّي شجاعتَهم، والتزامَهم اليوميَّ في القيام بالمطلوب منهم، بتأَنٍّ ومسؤُوليةٍ مِهَنيَّةٍ وحرفيَّةٍ وضمير حيٍّ دائمًا، وهي إِمَّا شجاعةُ الكدْح في سبيل لقمة العيش، وإِمَّا شجاعةُ القيام بالوظيفة تأْمينًا إِيَّاها في خدمة المواطنين.
شجاعةَ هؤُلاء وأَمثالهم أُحيِّي، لأَنهم هُم الذين يُبْقون الدولةَ حيَّةً وقائمة، تأَخَّر انتخابُ رئيس الجمهورية أَشهُرًا، أَو تَعطَّل تشكيلُ الحكومة أَشهُرًا أَو بَقيَ مجلسُ النواب مُغْلَقًا أَشهُرًا، أَو اعتَكف السياسيُّون مترفين أَشهُرًا، وطبعًا لا يعتكفون عن قبْض رواتبهم آخر الشهر.
أُولئكَ الموظَّفُون والعمَّال، المغمُورُو الأَسماء، الكادحون بكل شرَفٍ في مكاتبِهم وداخلَ أَماكنِ عملِهم، يعمَلون الساعاتِ الطويلةَ والمضْنيةَ أَيًّا تكُن رواتبُهم مع أَنَّ … “العشا خبَّيْزة”، إِنما بفضْلهم يَبقى المواطنون مؤَمِّنين خبزَهم وقُوْتَهم وَأَغراضَهم ومعاملاتِهم وجميعَ متطلِّباتِهم وحاجاتهم وحاجيَّاتهم.
نعم: وبعيدًا كلَّ البُعد من أَيِّ منحى عقائِديّ أَو حزبـيّ أَو إِيديولُوجي تنظيريّ لم أَعرفْهُ يومًا، هؤُلاءِ أُحيِّي وأَنحني لنضالهم، لأَنهم آليَّةُ الدولةِ المدنيةُ التي لا تتوقَّف مهما تباطَأَت أَو توقَّفَت أَو تعطَّلَت آليَّةُ الدولةِ السياسيةُ حتى لَيَبدو واضحًا – كما قلتُ في مطلع هذا الحديث – أَنَّ الدولة لا تتعطَّل طالما المواطنُون هُم يُسيِّرون الدولة، والدولةُ تُسَهِّلُ سيرورةَ المواطنين. فالدولةُ خادمةُ المواطنين وليس المواطنون في خدمةِ الدولة. وهُنا الفارقُ الكبير بين رجُلِ السياسة ورجُلِ الدولة:
رجُلُ السياسة يضعُ في خدمته الدولةَ بِـمَن فيها وما فيها، ورجُلُ الدولة يضعُ ذاتَه في خدمة الدولة بِـما فيها ومَن فيها.
رجُلُ الدولة يَعمل للأَجيال المقْبلة ولا يَسأَل عن مقْعد أَو حقيبة، ورجُلُ السياسة يعمل للإنتخابات المُقبلة، ويحرَد ويعتكِف ويناكِف من أَجل مقْعدٍ نيابي أَو حقيبةٍ وزارية.
يبقى على المواطنين والموظَّفين والعمَّال أَن يختاروا: بين رجُل سياسةٍ يُضحِّي بأَتعابهم كي يرتاحَ هو في الوطن، ورجُل دولةٍ يُضحِّي بأَتعابه هو كي يرتاحَ الوطن.

• هنري زغيب شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى