… وتَفوزُ صُوَرٌ من عندنا في مسابقات الـمستقبل

بقلم هنري زغيب*

مع شُروق السنة الجديدة تُعلن الوكالات العالمية المتخصصة نتائجَ مسابقاتٍ يتنافس فيها محترفو الفوتوغرافيا بالتقاط أَطرف الهنيهات وأَجمَلها. بين تلك الفائزة رأَيتُ صورًا جميلةً لِـمَشاهدَ ومناظرَ من الطبيعة وثرواتها، وهنيهاتٍ معبِّـرةً لحيواناتٍ وطيورٍ وأَسماكٍ تَزيدُ من ثروة الطبيعة المحيطة بنا وتجعل هذا الكوكب أَبهى وأَكثر فتنةً واجتذابًا.
وفي لبنان أَيضًا لنا من طبيعتنا مناظرُ ساحرةٌ بجمالها الشتائي والربيعي في مناطقَ جبلية وساحلية وتراثية وتاريخية وأَثرية وسياحية.
إِنما… هل ستدوم؟ و… إِلى متى؟ بعد سنواتٍ لن تبقى عندنا جمالاتٌ طبيعيةٌ يتفرَّد بها لبنان. فما نعانيه ونعاينه من تلوُّثِ الجو (شِكَّا وزوق مكايل وأَمثالُهما)، وفسادِ المياه الجوفية، وصَيدِ الطيور النادرة والحيوانات الأَليفة، وتجاهُلِ التغيُّر المناخي، وازديادِ المقالع وكساراتٍ تقضم جبالنا وتهشِّم تلالنا، وقضاءٍ على الثروة السمكية وطيور المواسم، وتقَلُّصِ المساحات الخضراء، وتوسُّع التصحُّر، وارتكاباتٍ جاهلة غيرِ مسؤُولة، جميعُها تُسهم في اغتيال الحذَر والحجَر والبشَر والنظَر وتزيد الخطَر على غنًى طبيعيٍّ يميِّز لبنان عن محيطه، ويستقطب إِليه سيَّاحًا وزوَّارًا ومواطنين يسيحون في أَرجائه متمتِّعين بعطايا الطبيعة ولُطف المناخ ورغْد الحياة المنوَّعة بتنَوُّع كل بقعة من لبنان.
المداواةُ اللاحقة لا تكفي. الأَساس هو الإستباق. والإستباق يكون بأَن تكون للدولة رؤْية بيئية للحفاظ على الطبيعة قبل أَن تهشِّمها يدُ الإِنسان. رؤْيةٌ تُخطِّط للتنمية وتُنشئ “وظائف خضراء”، وتُوجِد وسائِطَ طاقةٍ بديلة، وتُعيد التحريج والتشجير، وتَستولد حيواناتٍ وطيورًا توزِّعها على محمياتٍ وأَماكن ماحلة، وتُواجه التحديات الداهمة قبل وُقُوعها. معاقبةُ المخالفين ورفعُ النفايات ومياهِ الصرف الصحي والتحقيقُ في تلويث المياه الجوفية وفتحُ المجارير وتغريمُ المسبِّبين، هذه جميعها مراهِمُ مُوَقَّتة على إِصبع مصابٍ بالسرطان، وليست وسائلَ حلول. هذه تدابيرُ على وجه المياه وليست استئْصالاتٍ مسْبَقةً كي لا تَفْسد المياه.
الدولة الواعية ليست بوليس سير ولا ناطورة المواطنين: تُقفل كسارة أَو تُوقِف ملوِّثًا أَو تَسْجن مهمِلًا أَو تسطِّر محاضر ضبْط لِـمن لا يحملون إِجازة صيد أَو قيادة سيارة. الدولة الواعية تضَع خطةً خمسية أَو عَشرية تشمل مقوِّمات الصحة والسلامة، وتَضع مواصفاتٍ حازمةً تضمن تطبيقها، وتكون لديها رؤْية شاملة لخطةٍ ترتكز على معطيات الجغرافيا والمناخ، وتستنبط حُلُولًا تَـمنع التجاوزات وتدميرَ المحيط، وتطبِّق العقوبات بصرامة قبل أَن يجيْءَ يومٌ يتصحَّر فيه الوطن ويعود إِلى عصرٍ حجري حديثٍ وإِنسان كهوف بثيابٍ عصرية.
المهمُّ ليس اللحاقُ للمعالجة بل الإستباقُ للإِنقاذ. وهذا يَلزَمُه في الحُكْم إختصاصيون، يعمل كُلٌّ في ميدانه فيصمِّم وطنًا آتيًا من الغد، يواكب التطوُّر العالمي ويُهَيِّـئُ فُرص عمَل و”اقتصاديات خضراءَ” للأَجيال المُقبلة، وبلَدًا فيه دولةٌ تحمي مصادِرَ حياته وصحته وبيئَته، فنفوز نحن في مجالات الصحة البيئِية والأَمن الإجتماعي، وتَفوزُ صُوَرٌ من عندنا في مسابقات المستقبل.

• هنري زغيب شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى