كيف حاول “داعش” إستمالة “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” للإنضمام إلى “الخلافة”

عندما هيمن تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على أراض عربية تمتد من ديالى في العراق إلى حلب في سوريا، كبر حلم “الخليفة” أبو بكر البغدادي للتوسع إلى أبعد من المشرق العربي، وصار يحلم بالمغرب العربي والساحل الإفريقي.

عبد المالك دروكدل: رفض الولاء لـ”داعش”

بقلم تور ريفسلوند هامينغ*

في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، أعلن الخليفة الذي نصّب نفسه باسم تنظيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، عن توسّعه إلى أبعد من سوريا والعراق، حيث أصبح تنظيمه الجهادي هو المهيمن، ليشمل فروعاً جديدة في المملكة العربية السعودية واليمن ومصر وليبيا والجزائر. ولكن في حالة الأخيرة كانت لديه منافسة محلية قوية. كان تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” يعمل في المنطقة منذ أكثر من عشر سنين، وكان حتى الآن يُعتَبَر المجموعة الجهادية الرائدة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، مما جعله شريكاً جذاباً للطموحات التوسعية ل”داعش”. ومع ذلك، فإن “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” لم يُغيّر ولاءه ولم يتأرجح بعيداً من تنظيم “القاعدة” — ولكن ليس بسبب عدم المحاولة.
تُسلّط رسالة سرية، حصل عليها كاتب هذا المقال من خلال مصدر داخلي، الضوء على جهود “داعش” لإقناع إحدى المجموعات التابعة لتنظيم “القاعدة” بالقفز من السفينة، والتخلي عن ولائها لزعيم “القاعدة” أيمن الظواهري، والإنضمام إلى صفوف البغدادي. الرسالة، المؤرخة في 4 أيلول (ديسمبر) 2014، كتبها أبو عبيدة عبد الحكيم، عضو مجلس الشورى في “داعش”، وموجَّهة إلى زعيم “القاعدة في المغرب الإسلامي”، عبد المالك دروكدل (الملقب أبو مصعب الودود). من الواضح أن هذه الرسالة هي جزء من مراسلات عدة بين الجهادِيَين البارزَين. وعلى الرغم من أننا لا نملك سوى هذه الرسالة، فإنها تُخبرنا كثيراً عن تبادلاتها السابقة وانتقادات تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الرئيسية ل”داعش”، وتُقدّم لمحة نادرة عن جهود هذا الأخير لإقناع هذه المجموعة المرتبطة بتنظيم “القاعدة” للإنضمام إلى الخلافة الجديدة.

توضيح الرسالة

في الوقت الذي كُتبت فيه الرسالة، كان “داعش” أقام بالفعل خلافته. في الخطاب الذي أعلنها، قال الناطق الإعلامي الراحل أبو محمد العدناني أن جميع المجموعات الأخرى في المناطق التي توسّعت إليها الخلافة ستُلغى. وبالتالي، عندما أعلن البغدادي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 التوسّع إلى الجزائر، من بين أماكن أخرى، كان بلا شك يأمل أن يتمكن من التأثير في “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” ويُقنع قيادته بالإبتعاد من تنظيم “القاعدة” وبالولاء (البيعة) للبغدادي. وأوكلت مهمة التواصل والإقتراب من زعيم “القاعدة في المغرب الإسلامي”، دروكدال، إلى أبي عبيدة عبد الحكيم، الذي لا يُعرَف عنه سوى أنه خدم في مجلس الشورى لمدة عام على الأقل، في فترة 2014-2015، وكان مسؤولاً عن التوسع والوصول إلى ما وراء المشرق العربي. بعد عام، في كانون الأول (ديسمبر) 2015، كان عبد الحكيم هو نفسه المسؤول عن معالجة المعارضة داخل إمارة “داعش” اليمنية عندما اشتكت مجموعة من التنظيم هناك من أميرها.
كان تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” إنتقد أصلاً الخلافة ورفضها في الوقت الذي كانت هناك مراسلات تجري بين عبد الحكيم ودروكدال. في الواقع، كان أول فرع لتنظيم “القاعدة” يقوم بذلك في بيان صدر في 4 تموز (يوليو) 2014، وذلك في اليوم الذي أعلن البغدادي إنشاء الخلافة في الموصل. في البيان، إنتقد تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الإعلان، وتساءل حول شرعية تنظيم “الدولة الإسلامية” وموقفه من السلطات الجهادية الأخرى مثل “طالبان” و”القاعدة”. وكرر تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” أيضاً تعهده بالولاء لزعيم القاعدة الظواهري ودعا الشخصيات الجهادية العليا إلى تسوية الصراع. أما الجماعات الأخرى المرتبطة ب”القاعدة”، مثل تنظيم “القاعدة في شبه القارة الهندية” وتنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، فلم تقم بنشر الرفض الرسمي للخلافة حتى أيلول (سبتمبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) على التوالي. لكن الرفض السريع لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” لم يفعل شيئاً يُذكر لمنع “داعش” من شن هجوم ساحر للتقرب من دروكدل ومقاتليه.

تسويق الخلافة

ينبغي إعتبار رسالة عبد الحكيم ممارسة في تسويق الخلافة للجهاديين المتعاطفين. وينصب تركيزه على نجاح الخلافة في سوريا والعراق وشرعيتها الأساسية، التي كانت نقطة خلاف رئيسية مع الجهاديين الآخرين في العام 2014. يخبر عبد الحكيم دروكدال بأن “الدولة الإسلامية” الجديدة مزدهرة وأن الشريعة الإسلامية تُنفَّذ عبر أراضيها. “لقد تم تنفيذ وإقامة كل ركيزة أساسية ومتطلبات الخلافة”، قال لزعيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. ويتضح من الرسالة أن دروكدل قد عبّر عن شكوكه حول هذا الأمر من قبل، ودعاه عبد الحكيم إلى إرسال مندوب للتأكد من أن الخلافة هي بالفعل على الطريق الصحيح.
من رسالة عبد الحكيم، نعلم أيضاً أن زعيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” قد أثار مخاوف بشأن ثلاث قضايا مُحدَّدة: إنتخاب خليفة من دون موافقة السلطات المؤهَّلة (أهل الحل والعقد)، مسألة الدمج (التمكين) كشرط لتأسيس الخلافة، وكسر ونقض تعهد ولاء “القاعدة في المغرب الإسلامي” للظواهري.
لطالما إعترضت الأصوات المتعاطفة داخل تنظيم “القاعدة” على أن قرار إقامة الخلافة تمّ من دون إستشارة السلطات المؤهّلة. ويزعم تنظيم “الدولة الإسلامية” أنه استشار أناساً من السلطة مؤهّلين محلياً، لكنه رفض مراراً وتكراراً تسميتهم. ورداً على ذلك، يسرد دروكدل ست شخصيات إيديولوجية عُليا يعتقد أنه يجب إعتبارها من أهل الحل والعقد وهي: أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وسليمان العلوان، وأبو الوليد الغازي، وأيمن الظواهري، والمُلّا عمر.
من الواضح أن عبد الحكيم يأخذ ملاحظات دروكدل على محمل الجد عندما يستجيب من طريق دحض كل واحد منهم. بالنسبة إلى المقدسي وأبو قتادة، يجادل بأنهما طالما انتقدا “داعش”، مشيراً إلى أنهما سيكونان مُتحيِّزَين إلى حد كبير للحكم على شرعيته. وقال مُداهناً دروكدال: “إننا نعتبركم، (في القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)، أكبر من أن تقولوا الشيء عينه الذي يقوله أبو قتادة الفلسطيني، الذي لم يصفنا فقط بالخوارج (طائفة إسلامية متطرفة تاريخياً)، بل أكد على أننا كلاب الجحيم، وبأن الدولة – التي بُنيت على الأشلاء، والدم، وشرف المؤمنين في التوحيد وأبهرت الكفار وأصابتهم بالدوار من الشرق إلى الجنوب – هي دولة وهمية”.
عن المقدسي يضيف أنه لا يُمكن الوثوق بالشخص الذي لم يحمل سلاحاً ويُقاتل باسم الله. وعن العلوان يزعم بأن حقيقة أن هذا العالم الديني السعودي في السجن يعني أنه لا يملك إرادة حرة، بينما يقول عن الغازي بأن “داعش” ليس على دراية به بخلاف بضع كتابات على الإنترنت. وهذا كان إما لإظهار الجهل أو للإستفزاز لأن الغازي كان عالماً دينياً جهادياً من الدرجة الأولى لسنوات عديدة، وقضى أيامه الأولى في لندن تحت رعاية الداعية أبو قتادة، قبل أن ينتقل إلى منطقة أفغانستان – باكستان ليصبح عالماً دينياً داخلياً لتنظيم “القاعدة”. وفي مرحلة ما، سُجن من قبل الباكستانيين، لكن في العام 2017 أُطلق سراحه واستقر في تركيا. ويدّعي عبد الحكيم بأن زعيم طالبان الملا عمر لم يُرَ حياً منذ أكثر من 11 عاماً، في حين أن الظواهري، حسب “داعش”، هو البطل الرئيسي للصراع بين الجهاديين ولا يمكن الوثوق به لاتخاذ قرار بشأن خليفة.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ينتقد فيها “داعش” هذه الشخصيات. فقد دحض تركي البنعلي، الداعية البحريني الشاب الذي ينتمي إليه، المقدسي وأبو قتادة، بينما كرّس أحد كبار قادة “داعش”، أبو عبد الرحمن الشامي، كتاباً مؤلفاً من 120 صفحة لانتقاد ومهاجمة عمل أبو قتادة الذي كان عنوانه “عباءة الخليفة”. ولتأييد حجته بأن الجهاديين البارزين الذين ذكرهم دروكدال ليست لديهم سلطة حقيقية، كتب عبد الحكيم بأنهم لم يتمكنوا من منع إنشاء الخلافة رغم محاولتهم. بدلاً من ذلك، يدّعي أن “داعش” جمع واستشار الأشخاص الذين يعتبرهم مُطّلعين ومُهيَئين، لكنه لا يسميهم.
عبد الحكيم يُعلّق بإيجاز أكثر على قضايا التوحيد الإقليمي وتعهد الولاء. بالنسبة إليه، فإن السيطرة الإقليمية ل”داعش” واضحة ولا تقتصر على السيطرة على الأرض فحسب، وإنما تحكمها أيضاً وفقاً للشريعة. لتوضيح تمكين “داعش”، قال إنه يُمكن للمرء أن يسافر من حلب إلى ديالى، ولا يزال في الأراضي التي يسيطر عليها البغدادي. بالنسبة إلى الجماعات والأفراد الذين كانوا مُوالين سابقاً لتنظيم “القاعدة”، كانت إحدى القضايا الرئيسية هي شرعية إحتمال خرق تعهدهم بالولاء. ولمعالجة هذا، يحوّل عبد الحكيم الجدل كاتباً: “في ما يتعلق بحجتك بأنه لا يجب كسر البيعة، يُمكننا القول أن هذا كان صحيحاً قبل الخلافة. والآن بعد أن أصبح لدينا خلافة حقيقية دون أدنى خطأ في الشريعة في حد ذاتها أو في الإمامة، فإن كسر البيعة أصبح إلزامياً وفقاً للشريعة”. وهكذا، فإن الفعل غير المسموح به بأن لا يكسروا ولاءهم للظواهري وسّعه بدلاً من ذلك إلى البغدادي.

معالجة الإقتتال الداخلي؟

الحجة التي قدّمتها الجماعات الجهادية المتنافسة هي أن تنظيم “الدولة الإسلامية” كان هو المعتدي في النزاع الداخلي الجهادي وأن إقامة الخلافة لم يؤدِّ إلّا إلى تفاقم التوترات. يتبع دروكدال هذا النمط من الجدل، لكن عبد الحكيم يُعارض ذلك بشكل مثير للدهشة، مُدّعياً أن الخلافة موجودة لتوحيد المسلمين. وإذ يعترف بأن الصراع المستمر مدمّر، إلا أنه يدعو دروكدال للتوسط كاتباً: “لذلك يا أخي العزيز، إذا كنت ترغب في التوسط للمصالحة وحلّ النزاعات بطريقة ودّية وعلى أساس التوافق والتوفيق بين جميع المجاهدين بالإجماع على هذا الإمام تحت هذا الخليفة، فبذلك تكون الوسيط الصحيح”. عند هذه النقطة رفض “داعش” جميع جهود المصالحة بين الفصائل الجهادية، بحجة أن عملية قضائية لتسوية النزاع يجب أن تتم تحت رعاية جهاز دولته وليس بين دولة ومجموعة، كما يدعوها أو يؤطرها. ومن غير المستغرب أن دروكدل لم يقبل هذا العرض.
في محاولة أخيرة لإقناع دروكدل وجماعته بالإنضمام إلى “الدولة الإسلامية”، كتب عبد الحكيم يقول إن “تشويه سمعتها من قبل تنظيم “القاعدة” وإبطال شرعيتها لا يجعلها (الخلافة) غير شرعية من دون سبب قانوني يستند إلى الشريعة. هذه هي القضية الأساسية، ونحن نحبكم يا إخوان، ونحب إخواننا المجاهدين وأمتنا أن تكون متحدة تحت كلمة واحدة، لذلك ، كتب قائد المؤمنين إليك لتتبع الحشد، وتتجاوز الاختلافات، وشفاء الصدع”.
لكن كما نعرف الآن فإن تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” لم يتأثر بعبد الحكيم وعرضه. في الواقع، بعد مرور نصف عام على المراسلات، قام عضو قيادي في “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، أبو أحمد عبد الكريم الجزائري، بشن حملة نقد طويلة ضد “داعش”، مؤكداً مرة أخرى على عدم شرعيته. بالنسبة إلى تنظيم “القاعدة” والظواهري كان من المهم للغاية أن تظل الجماعات التابعة، كتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، موالية لهما. وبالتالي فإن رفض دروكدال لعبد الحكيم لم يكن مجرد دفعة مهمة في وقت كان تنظيم “القاعدة” يكافح فيه، ولكنها على الأرجح أنقذت الجماعة كما نعرفها. ولو إنضمت إحدى المجموعات التابعة لتنظيم “القاعدة” إلى “داعش”، فمن المرجح أن فرقاً أخرى كانت ستتبعها، بادئةً عملية يمكن أن تعني نهاية “القاعدة”.

• تور ريفسلوند هامنغ متخصص في الديناميات الداخلية داخل المجال الجهادي السني. ويركز بحثه على تاريخ كيفية تنافس الجهاديين السنة مع بعضهم البعض ومحاربة بعضهم البعض والصراع المعاصر (الفتنة) بين تنظيم القاعدة و”الدولة الإسلامية”.
• كُتِب هذا البحث بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى