لبنان لن يستطيع الخروج من محنته الإقتصادية الخطيرة حتى مع حكومة جديدة

لماذا من المرجح أن لا تستطيع الحكومة اللبنانية الجديدة أن تعالج الأزمة الإقتصادية الخطيرة في البلاد بشكل كافٍ.

شركة كهرباء لبنان: متخمة بموظفين يقبضون ولا يعملون!!!

بقلم خليل الحريري*

في أيار (مايو) الفائت، أجرى لبنان إنتخابات برلمانية، لكن رئيس الوزراء المُكلَّف سعد الحريري لم يتمكّن منذ ذلك الحين (وحتى كتابة هذه السطور) من تشكيل حكومة. وفي وقت يواجه الإقتصاد اللبناني أزمة حادة، يقول الكثيرون عن حق بأن البلاد لا تستطيع التأجيل وعدم تشكيل الحكومة لفترة أطول.
ولكن في قلب هذا المنطق هناك مغالطة، وهي أن الحكومة الجديدة ستُحسّن الوضع الإقتصادي. في تموز (يوليو) الماضي، ردّد محمد شقير، رئيس إتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، هذا الرأي عندما قال: “إذا كانت لدينا حكومة الآن، فسوف نرى آلاف السياح الخليجيين العرب يقومون بزيارة لبنان لقضاء عطلة الصيف. إن الحكومة تجلب تأكيدات وثقة للسائحين والمستثمرين وللجميع”. كما أطلق الرئيسان ميشال عون والحريري بآراء مشابهة، مؤكدّين أن الحكومة الجديدة ستوقف الإنكماش الإقتصادي في لبنان.
ومع ذلك، هناك أسباب تدعو للشك في أن تشكيل الحكومة سيكون كافياً لإحداث فرق. بادئ ذي بدء، لم يبدأ الوضع الإقتصادي المتدهور مع الفراغ الحكومي. على سبيل المثال، في النصف الأول من العام 2018 كان هناك إنخفاض في معدل نمو السياح الآتين إلى لبنان، وكذلك في القروض الممنوحة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، على الرغم من وجود حكومة فعلية. في الواقع، ساهمت عوامل خارجة عن سيطرة الحكومة في الإنكماش الإقتصادي، بما في ذلك إنخفاض التحويلات من اللبنانيين المغتربين، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وانخفاض الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج بسبب الصراع في سوريا.
هذا لا يعني أن سياسات الحكومة لا تؤثر في الإقتصاد. لقد وافقت الحكومة المستقيلة على ضرائب جديدة صادق عليها البرلمان. وقد إقترحت تلك الحكومة زيادة في ضريبة القيمة المضافة وضريبة الشركات، على الرغم من تأثيرها السلبي على الإستهلاك والإستثمار في إقتصاد راكد فعلياً. ومع ذلك، فشلت الحكومة أيضاً في التوصل إلى نهج أرخص ومستدام لإنتاج الكهرباء، وهو عامل رئيسي في العجز المالي في لبنان. وبدلاً من ذلك، إختارت مواصلة تزويد الكهرباء من طريق إستئجار بواخر تركية للطاقة، وهي عملية تكلف أكثر في المدى البعيد من محطات الطاقة الأرضية.
إن عدم قدرة الحكومة اللبنانية على تمرير الإصلاحات قد يحرم لبنان من الحصول على قروض تم التعهّد بها في مؤتمر إقتصادي عُقد في باريس في نيسان (إبريل) الفائت لمساعدة لبنان والمعروف بمؤتمر “سيدر”. وقد حذر البنك الدولي، أكبر مانح في ذلك المؤتمر، من أن القروض يُمكن إعادة توجيهها إلى دول أخرى في حالة بقاء لبنان من دون حكومة. ومع ذلك، حتى لو جاء المال الموعود، هناك العديد من الأمور التي يجب أخذها في الاعتبار عند تقييم تأثيره المحتمل.
أولاً، لن يبدأ تنفيذ خطة إستثمار رأس المال المُتصوَّرة في “سيدر” قبل أيلول (سبتمبر) 2019، بحيث أن القرض لن يوفّر أي تحفيز إقتصادي فوري. ثانياً، والأهم من ذلك، حذر صندوق النقد الدولي من أن خطة الإستثمار الرأسمالي ستحفز النمو الإقتصادي المؤقت والمحدود فقط، في حين أنها ستؤدي إلى تفاقم الدين العام في حال عدم قيام الحكومة بإجراء إصلاحات هيكلية.
إذا حكمنا من خلال سجل الحكومة السابقة المنتهية ولايتها، فإن لبنان لا يزال بعيداً من السير في هذا الطريق. كانت الشروط الموضوعة على البلاد في باريس هي أن تتوقف الدولة عن توظيف عمال القطاع العام وتخفّض نسبة العجز المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1٪ سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة. وعلى الرغم من ذلك، إرتفعت معدلات التوظيف في القطاع العام كما نسبة العجز المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي منذ ذلك الحين.
وهذا يُسلّط الضوء على مشكلة أكثر عمقاً. ليس لدى العديد من السياسيين البارزين مصلحة في إدخال إصلاحات لأنهم يستفيدون مالياً من الوضع الحالي. خذ الكارثة في قطاع الكهرباء، حيث توجد دائرة كاملة ومتكاملة من الفساد. فبعض السياسيين يرعى توظيف التابعين له سياسياً في شركة الكهرباء الوطنية “كهرباء لبنان” المُتخمة بالموظفين بالفعل. ويُقال إن آخرين يأخذون عمولة من عقود الطاقة. كما أن آخرين يستفيدون من شبكات مولدات الأحياء الخاصة التي تعوّض عن غياب الكهرباء التي توفّرها الدولة. والبعض الآخر كسب المال من خلال توفير الوقود إلى القوى والمولدات.
ومن جهتها لم تحاول الحكومة تحسين الوضع. فقد أجبرت في الآونة الأخيرة مالكي المولدات على إدخال العدادات لشحن الكهرباء للعملاء بدلاً من فرض رسوم ثابتة. في حين بدا هذا وكأن الحكومة تتدخل لصالح المواطنين، كانت الرسالة الأكثر أهمية هي أن الدولة كانت تقوم بتطبيع إستخدام مولدات الأحياء على حساب الكهرباء التي توفّرها الدولة. وبدلاً من الإشارة إلى الرغبة في الإصلاح، فإن هذا ينطوي على عكس ذلك.
في حين أن العديد من أعضاء الطبقة السياسية قد يكون مهتماً بحل مشكلة الكهرباء، فإن الخلافات السياسية تفسد صناعة القرار في العديد من المجالات الإقتصادية الأخرى، لأن الإصلاح قد يقوّض المصالح السياسية لسياسيين مُحدَّدين. وتميل الحكومات اللبنانية إلى أن تكون حكومات وحدة وطنية، بحيث تكون غالبية القرارات المتعلقة بالقضايا الحاسمة نتيجة لتوافق في الآراء. ومع ذلك، فإن التوصل إلى مثل هذا الإجماع يُمكن أن يؤدي إلى تأخير القرارات بشكل لا يمكن إنكاره، في حين أن الإخفاق في القيام بذلك يمكن أن يؤدي إلى خلاف يزعزع أحياناً الأمن والإستقرار.
على سبيل المثال، قبل عام، وقّع الرئيس ميشال عون مرسوماً لترفيع ضباط في الجيش، من دون الحصول على توقيع وزير المالية، وهو عضو في حركة أمل. خرج أنصار الحركة الشيعية إلى الشوارع واشتبكوا تقريباً مع أنصار “عون” في “التيار الوطني الحر” بعد أن صدرت تعليقات ضد زعيم حركة أمل الرئيس نبيه بري من قبل صهر رئيس الجمهورية الوزير جبران باسيل. عندما هدد الوضع بتصاعد خطير، كان على الجيش أن يتدخل. مثل هذه النتائج يُمكن أن تزيد من قلق المستثمرين المُحتمَلين.
الواقع أن الحكومة المقبلة ستتشكل من الأحزاب السياسية عينها التي كانت في الحكومة السابقة. لهذا السبب هناك سؤال جدي حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة ترغب في تنفيذ الإصلاحات أكثر من تلك التي كانت موجودة. ومن المتوقع أيضاً أن يكون الحريري أقل قدرة على التوسط بين الأطراف في الحكومة. في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، خسرت كتلته مقاعد لمنافسيه السياسيين، مما يعني أنه سيكون لديه مجال أقل لحل القضايا كما كان يفعل من قبل.
يُمكن للمرء أن يدّعي أن الحكومة المنتهية ولايتها قد أضرت بالإقتصاد اللبناني أكثر مما أفادته، لذا فإن وجود حكومة ليس بحد ذاته ضماناً لأوقات أفضل. ومع ذلك، فإن التكاليف المُحتمَلة للفشل في معالجة أزمة لبنان الإقتصادية بجدية يُمكن أن تترتب عليها آثار خطيرة للغاية. إن الحكومة المقبلة لن يكون لديها رفاهية تكرار عدم كفاءة الماضي.

• خليل الحريري خبير مالي وإقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى