تاء التأنيث تهزّ الجيوش العربية ولكن…

من غير الشائع تجنيد النساء في الجيوش العربية، حتى في الأدوار غير القتالية، والسبب الأساسي هو أن المسألة لاتزال محطّ سجال على المستويَين الاجتماعي والسياسي. وفي حين أن الجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي عمدت إلى ترقية المرأة إلى مراتب أعلى في الجيش، منذ حرب الاستقلال (1954-1962)، إلا أن تحقيق الاندماج الجندري في القوات المسلحة هو معركةٌ مستمرة منذ وقت طويل.

الرائد الطيار مريم المنصوري: أول قائدة سرب في القوات الجوية الإماراتية

بقلم دالية غانم*

في الشهر الفائت، صرح وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني أن تونس كان عليها أن تدرس إمكانية جعل الخدمة العسكرية إلزامية للنساء. وأوضح أن “الدستور التونسي … يقول إن الخدمة الوطنية واجب على كل مواطن … وهذا الواجب ينطبق على جميع المواطنين، الإناث والذكور، وبالتالي، فقد حان الوقت لتعميق هذه المسألة، لدراستها”.
وتونس ليست وحدها التي تريد تجنيد النساء في القوات المسلحة. في آب (أغسطس) الفائت، وافق المغرب على مشروع قانون لاستئناف الخدمة العسكرية الإلزامية للرجال والنساء. وفي العام 2014، رحبت مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية في الإمارات العربية المتحدة، وهي الأولى من نوعها في الخليج، بالدفعة الأولى من المجندات الإناث لفترة تطوعية مدتها تسعة أشهر في الخدمة العسكرية.
لقد أصبح تجنيد النساء في الجيش موضوعاً يُناقَش بشكل متزايد في العالم العربي، وقد بذلت بلدان عدة جهوداً كبيرة للإعتراف بحقوق المرأة وضمّها إلى قواتها المسلحة. ومع ذلك، فإن اندماج المرأة في الجيوش العربية لا يزال غير مُكتمل إذ أن النساء غير مشمولات بالكامل في الجيش ولا مُستبعدات تماماً. سيكون الطريق إلى المساواة الكاملة وعراً وطويلاً، حيث لا تزال النساء يواجهن سقفاً زجاجياً في أنواع الأدوار التي يلعبنها.
ومن بين البلدان التي أدرجت النساء وسمحت لهن بالوصول إلى الرتب العليا الجزائر والأردن. أعلن الجيش الوطني الشعبي الجزائري المساواة بين الذكور والإناث في العام 2006 ووضع إطاراً لتكافؤ الفرص. لذا نرى أن وجود النساء الجزائريات اليوم ً في الجيش هو أكثر من ذي قبل، مع إرتفاع عدد النساء اللواتي إلتحقن بالمؤسسة العسكرية 30 مرة أكثر من العام 1978. وقد إلتحقت النساء بمدرسة أشبال الأمة، وأكاديمية الدرك الوطني، والمدرسة الوطنية للصحة العسكرية، والأكاديمية البحرية. ومنذ العام 2006، تمت ترقية خمس نساء إلى رتبة لواء.
من جهتها وضعت القوات المسلحة الأردنية إستراتيجية للمرأة في العقد بين العامين 2006 و2016. وكان الهدف هو بناء القدرات من خلال تجنيد وتدريب المزيد من النساء، مما أدى إلى زيادة المشاركة وفرص العمل. ونتيجة لذلك، يُمكن للنساء التسجيل كموظفات مدنيات أو كجنود، سواء كجنديات أو ضباط أو ضباط صف. رواتبهن، وترقياتهن، وطول الخدمة العسكرية مساوية لتلك التي يتمتع بها الرجل.
وبسبب هذه الجهود، ووفقاً لتقرير وطني، تجاوزت طلبات النساء حاجات القوات المسلحة الأردنية. هناك أكثر من 4,800 امرأة يرتدين الزي العسكري – حوالي 1,200 منهن من الضباط، بالإضافة إلى 2400 امرأة في الخدمة و1260 مدنية. وهذا يُمثّل حوالي 3 في المئة من جميع القوات العسكرية للبلاد. يُمكن للمرأة الأردنية الوصول إلى القوات الجوية والشرطة العسكرية ووحدة حماية الحرس الملكي والمخابرات العسكرية. وقد وصلت نساء عديدات إلى رتبة عميد في القيادة العامة للقوات المسلحة ولواء في الخدمات الطبية الملكية.
كما بذل الجيشان اللبناني والتونسي جهداً لفتح أبوابهما أمام الإناث. فقد إزداد عدد النساء في القوات المسلحة اللبنانية بشكل مطرد على مر السنين ليصل إلى 3000 في العام 2018، بين مختلف الفروع العسكرية. وفي هذا العام، تخرجت 1,640 إمرأة من التدريب الأساسي المتخصص للمتطوعات، وانضم 150 منهن إلى لواء الحرس الجمهوري. تم وضعت قيادة الجيش سياسة جندرية لدمج مزيد من النساء ووضعهن في نهاية المطاف في الخطوط الأمامية جنباً إلى جنب مع نظرائهن من الذكور. وفي تونس، بالمثل، لا تتواجد النساء فقط في الجيش، لكنهن وصلن إلى مواقع رفيعة المستوى في البحرية والقوات الجوية، حيث توجد 40 امرأة طيارة مقاتلة.
بينما صحيح أن النساء العربيات إنتقلن من المحيط إلى مركز الحياة العسكرية، وأن أعدادهن إرتفعت تدريجاً، فإن اندماجهن في الجيوش العربية كان محدوداً. وكمثال توضيحي لهذا، في تونس، وهي بلد في طليعة حقوق المرأة في العالم العربي، تُشكل الإناث أقل من 7 في المئة من الجيش. وليس عدد النساء منخفضاً نسبياً هنا فحسب، بل إن وصولهن إلى الرتب العليا في القوات المسلحة أمرٌ صعب، وإلى مواقع إتخاذ القرار غير موجود. وعلى العموم، وعلى الرغم من بعض الإستثناءات القليلة، فقد تم إبقاء النساء في أدوار أكثر تقليدية ونمطية لنوع جنسهن – كسكرتيرات ومترجمات وممرضات وخبراء خرائط وما إلى ذلك.
بالإضافة، تم استبعاد النساء بشكل منهجي من مواقع القتال ولا يُمكنهن قيادة العمليات العسكرية. وقد جعل هذا الأمر من الصعب عليهن الترقية إلى رتب معينة تكون فيها الخبرة القتالية شرطاً أساسياً. ولا تزال المؤسسة العسكرية ملاذاً للذكور، وربما كان هذا أهم عقبة أمام اندماج المرأة الكامل في القوات المسلحة العربية.
ومع ذلك، لا يعني الإندماج مجرد إدراج المزيد من الإناث في القوات المسلحة. إنما يعني، كما قال المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة، “جعل إهتمامات وخبرات النساء كما الرجال بُعداً متكاملاً في تصميم السياسات والبرامج وتنفيذها ومراقبتها وتقييمها في جميع المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، حيث يستفيد النساء والرجال على قدم المساواة وعدم المساواة لا تترسخ”. هناك فجوة واضحة بين خطاب المساواة وواقع المرأة في المؤسسات العسكرية العربية. ومن أجل التغلب على هذه الفجوة، يجب أن تبدأ القيادة العسكرية إعتبار المرأة جندية كاملة كالرجل.

• دالية غانم باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، يُركّز عملها على العنف السياسي والمتطرف، والتطرف، والإسلام السياسي، والجهاد مع التركيز على الجزائر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى