الأولى مرة أخرى!… تونس تُجَرِّم العنصرية

بعدما كانت تونس أول دولة عربية وإسلامية تُلغي العبودية في العام 1846، وأول دولة عربية تنتقض وتُطلِق “الربيع العربي” في العام 2011، ها هي مرة أُخري تُسجّل على أنها الدولة العربية الأولى التي تُجَرِّم العنصرية بقانون “القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”.

رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد: يستحق التهنئة على تبنيه قانون تجريم العنصرية.

بقلم شاران غريوال*

في العام 1846، كانت تونس أول دولة عربية وأول دولة إسلامية تُلغي الرق والعبودية. الآن، أصبحت واحدة من الأوائل التي تُجرّم العنصرية.
في 9 تشرين الأول (أكتوبر)، أصدر مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي قانون “القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”. وهذا القانون، الذي يُعرِّف ويُجرِّم التمييز العنصري، يُعتَبَر خطوة مهمة إلى الأمام في الدفاع عن حقوق 10 إلى 15 في المئة من التونسيين الذين يُعَرَّفون بأنهم سود، بالإضافة إلى المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى البالغ عددهم 60,000.
نشأ القانون في العام 2016 من قضية صابرينا، وهي تونسية سوداء تعرّضت للإساءة اللفظية في شارع الحبيب بورقيبة في وسط مدينة تونس. وعندما حاولت الإبلاغ عن الجريمة، رفضت الشرطة قبول إدّعائها بسبب “عدم وجود قانون مُحدَّد” ضد العنصرية. في وقت لاحق، في 25 أيلول (ديسمبر) 2016، تم طعن ثلاثة طلاب كونغوليين في محطة قطار في تونس. ووسط تظاهرات منظمات المجتمع المدني، أعرب رئيس الوزراء يوسف الشاهد عن دعمه للقانون في اليوم التالي.
هذه الاعتداءات على السود التونسيين والمهاجرين الأفارقة ليست حوادث معزولة. فقد كشف الفيلم الوثائقي “أسرار تونس القذرة” الذي عرضته قناة “الجزيرة ” الفضائية عن العنصرية التي يواجهها العديد من التونسيين بشكل يومي. ويتبع جزء من الفيلم حمزة، الذي كان يُخبّىء كاميرا خفية في نظارتيه. “يا عبد، هل طُردت من منزلك؟” أحد المارة يسخر. “إغسل نفسك أيها الكسول اللعين”. بعض البلدات في جنوب تونس، مثل معتمدية سيدي مخلوف في ولاية مدنين، لديها حافلات مدرسية منفصلة للأطفال السود. كما يَتمَثَّل التونسيون السود أيضاً تمثيلاً ناقصاً في المجال العام. فلا يوجد سوى عضو أسود واحد في البرلمان (جميلة كسيكسي دبش من “حركة النهضة”) وأول مذيع أخبار أسود في التلفزيون الذي تديره الدولة ظهر فقط هذا العام.
جزئياً، لأن الدولة لم تعترف أبداً بالعرق، لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد التونسيين السود، ,وضعهم الإجتماعي الإقتصادي، أو مدى التمييز العنصري ضدهم. ومع ذلك، توفر بيانات المسح الجديدة إجابات أولية عن هذه الأسئلة. في مقياس “أفروبارومتر” (Afrobarometer) لهذا العام، تم إجراء إستطلاع تمثيلي وطني في الفترة من نيسان (إبريل) إلى أيار (مايو) 2018، وسجل فريق الإستبيان لأول مرة عرق المستجيبين، حيث صُنِّف 92 من أصل 1199 مستجيباً (حوالي 8 في المئة) على أنهم سود.
تشير بيانات المسح هذه إلى أن التونسيين السود هم أسوأ إجتماعياً واقتصادياً من التونسيين الآخرين (انظر الجدول 1). وهم أكثر إحتمالاً بنسبة 10٪ من التونسيين الآخرين للعيش في المناطق الريفية، وهم أقل إحتمالاً لامتلاك جهاز راديو أو سيارة أو كومبيوتر بنسبة 15٪. ومن حيث التعليم، فهم أقل إحتمالاً بنسبة 10 في المئة تقريباً لإكمال التعليم الإبتدائي. والأمر الأكثر لفتاً للإنتباه هو أن التونسيين السود هم عرضة مرتين تقريباً للبطالة (42 في المئة) أكثر من التونسيين الآخرين (25 في المئة).

كما يكشف الإستطلاع عن أدلّة مُحتَمَلة على المعاملة التفضيلية من قبل سلطات الدولة. فقد سأل مستطلعو “أفروبارومتر” المشاركين: “عندما تتعامل مع الموظفين العموميين، إلى أي حد تشعر بأنهم يعاملونك باحترام؟”. كان التونسيون السود أقل إحتمالاً بكثير من غيرهم من التونسيين للإبلاغ عن “الكثير من الاحترام” (20 مقابل 31 في المئة)، أكثر إحتمالاً للإبلاغ عن “عدم الإحترام على الإطلاق” (17 مقابل 11 في المئة)، حتى عندما تأخذ في الاعتبار وضعهم الإجتماعي والإقتصادي المُنخفِض.
ربما نتيجة لهذه المعاملة، بدا أن التونسيين السود في الإستطلاع يتجنبون سلطات الدولة. وكانوا أقل إحتمالاً من غيرهم من التونسيين للإبلاغ عن تواصلهم مع الدولة في العام الماضي لطلب وثائق رسمية (21 مقابل 37 في المئة) أو للخدمات الإجتماعية (3 مقابل 15 في المئة)، حتى عند السيطرة على وضعهم الإجتماعي والإقتصادي.
إن قانون مكافحة العنصرية الجديد، الذي تم إقراره بالإجماع تقريباً في البرلمان، يهدف إلى معالجة هذا التمييز الإجتماعي والإقتصادي والسياسي للتونسيين السود والمهاجرين الأفارقة. وينص القانون على السجن لمدة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر للإساءة اللفظية العنصرية، ومن سنة إلى ثلاث سنوات للتحريض على الكراهية، ونشر أفكار حول التفوق العنصري، أو دعم منظمة أو نشاط عنصري. كما يُلزم القانون الدولة بالقيام بحملات للتوعية والتدريب، وإنشاء هيئة وطنية لمناهضة التمييز العنصري لتقديم تقرير سنوي إلى البرلمان.
ومع ذلك، قد يكون أهم أثر لهذا القانون هو الإقرار رسمياً بوجود العنصرية في تونس. حتى يومنا هذا، يتغلغل الإنكار حتى أعلى مستويات الحكومة. فقبل التصويت، أكد عضو البرلمان فيصل تيبيني أنه “لا يوجد تمييز عنصري في تونس” ودعا البرلمان “إلى عدم إثارة الإستياء والصراع في المجتمع”. ورد الوزير المسؤول عن العلاقات مع البرلمان على نحو ملائم بقوله “إن أهمية مشروع القانون … هي في وضع حدّ لإنكار هذه الجريمة”. بالإعتراف بالعنصرية، فإن القانون – كما قال رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية – “هو نقطة تحوّل في تونس، وهو مهم كما كان مرسوم إلغاء الرق والعبودية”.
بالنسبة إلى هذه القضية، كما هو الحال مع قضايا أخرى كثيرة، يجب أن تكون تونس نموذجاً للمنطقة. إن دول الخليج ومصر وليبيا ودولاً عربية أخرى ستفعل جيداً أيضاً إذا قامت بالتصدي للتمييز ضد الأقليات العرقية على أراضيها.

• شاران غريوال زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في مركز سياسة الشرق الأوسط في بروكينغز. وهو يُركّز بحثه على الديموقراطية والدراسات الأمنية والإسلام السياسي في العالم العربي، وبخاصة في مصر وتونس.
• كُتب هذا التقرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى