قضية جمال خاشقجي تخلق تحدّيات جديدة لسياسة تركيا الخارجية

يواجه الرئيس التركي طيب رجب أردوغان موقفاً حرجاً بالنسبة إلى قضية إختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لأن أي قرار سيتخذه في هذا المجال سيؤثر في وضعه الداخلي والخارجي.

الرئيس طيب رجب أردوغان والأمير محمد بن سلمان: العلاقات بينهما على كف عفريت؟

بقلم غونول تول*

إن إختفاء الصحافي السعودي المُنشَق جمال خاشقجي خلال زيارته للقنصلية السعودية في إسطنبول، وادعاء تركيا بأنه قُتل، هو آخر تحدٍ يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. عليه الآن أن يتّخذ قراراً: يُمكنه إمّا التمسك بالسرد الذي سرّبه المسؤولون الأتراك الذين قالوا إن خاشقجي قد قُتل في القنصلية السعودية ومخاطر أزمة كبيرة مع الرياض، أو أنه يستطيع إتباع نهجٍ أقل عدوانية، كما فعل في الماضي، من أجل تجنّب وضع العلاقات مع الرياض تحت ضغط إضافي. إن القرار سيكون صعباً.
لدى أردوغان الكثير من القضايا الشائكة على طبقه. تركيا في قلب عاصفة إقتصادية، ولديها عدد قليل جداً من الأصدقاء الذين يُمكنها أن تلجأ إليهم لطلب المساعدة. فالعلاقات بين أنقرة وواشنطن في أدنى مستوياتها على الإطلاق. والعلاقات بين تركيا وروسيا ضعيفة ومع الأوروبيين مُعقّدة. لتجنب المزيد من المشاكل، تحاول أنقرة بشدة ألّا تزيد من توتر العلاقات مع الرياض.
الواقع أن العلاقات بين البلدين متوترة أصلاً. فقد بدأت المشاكل عندما أصبح أردوغان أحد أبرز منتقدي إنقلاب 2013 في مصر الذي أطاح حليفه، محمد مرسي. وأنحت أنقرة باللوم على الرياض للإنقلاب. وأثار دعم تركيا لجماعة “الإخوان المسلمين”، التي تعتبرها المملكة العربية السعودية منظمة إرهابية، غضب السعوديين. كما أن إنحياز تركيا لقطر بعدما قطعت دول الخليج ومصر علاقاتها مع الدوحة، وكذلك تعاون أنقرة مع طهران في سوريا، تسبب في المزيد من المشاكل للعلاقات التركية – السعودية. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت السعودية أنها منحت مبلغ 100 مليون دولار إلى شمال شرق سوريا من أجل المساهمة في “مشاريع الإستقرار” في المناطق التي يحتلها العدو اللدود لتركيا، قوات سوريا الديموقراطية التي يقودها الأكراد. وتُهيمن على هذه القوات مجموعات قريبة من حزب العمال الكردستاني، الذي يشن حرباً ضد تركيا منذ ثمانينات القرن الفائت.
أصبحت أنقرة غير مرتاحة على نحو متزايد من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فهي تعتبره بمثابة بيدق للولايات المتحدة كما تعتبر المحور الأميركي-الإسرائيلي-السعودي كتهديد ضد نفوذها الإقليمي. لكن أردوغان إمتنع إلى حد كبير عن مواجهة الرياض علانية. حتى في ذروة الأزمة القطرية، بقي أردوغان بعيداً من إنتقاد القيادة السعودية مباشرة. فبعدما أوفدت مجموعة صغيرة من القوات إلى قطر في أعقاب الحصار الإقتصادي، أكدت أنقرة لدول الخليج أن قواتها لا تُشكل تهديداً للمنطقة. وفي الوقت الذي إنتقد أردوغان الولايات المتحدة بسبب دعمها لقوات سوريا الديموقراطية، فقد ظل الرئيس التركي صامتاً بعد أن أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستقدم الدعم للمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية، وبعد التقارير التي أفادت بأن مسؤولين سعوديين إلتقوا مع شخصيات بارزة في حزب العمال الكردستاني في سوريا. كما لم يرفع صوته ضد حرب الرياض في اليمن.
تلعب الإعتبارات الإقتصادية دوراً مهماً في تردد أردوغان في تصعيد التوتر مع الرياض. فقد رأى أردوغان في السعودية عنصراً مهماً في جهوده للحدّ من إعتماد تركيا على الإستثمار الأوروبي. فالبلدان يتمتعان بعلاقات إقتصادية وثيقة تحت حكمه. لقد أصبحت المملكة العربية السعودية مُستثمراً رئيسياً في تركيا والسعوديون هم من بين كبار المشترين الأجانب للعقارات التركية. تهتم تركيا ببناء البنية التحتية للمملكة، بما في ذلك المطارات والمنازل للعائلات ذات الدخل المنخفض. أصبح التعاون الاقتصادي بين البلدين أكثر أهمية الآن في الوقت الذي تكافح تركيا وتعاني من مشاكل إقتصادية.
وتُهدد حادثة خاشقجي بإشعال أزمة كبيرة بين البلدين، ويُحتمل أن تكون بين تركيا وحلفاء المملكة العربية السعودية في مجلس التعاون الخليجي، مما يُعرض إستثمارات الخليج التي تمس الحاجة إليها للخطر. وتُشير ردود الفعل الأولية من أنقرة إلى أن تركيا لن تنظر إلى الإتجاه الآخر. وقال أردوغان إنه يتابع القضية بنفسه، وأن المسؤولين السعوديين لم يتمكنوا من إنقاذ أنفسهم بمجرد أن إدّعوا أن الصحافي غادر المكان، ولكن عليهم أن يُثبتوا ذلك بالفيديو. وكتب ياسين أكتي، مستشار أردوغان، في عمود في 6 تشرين الأول (أكتوبر)، أن العملية السعودية المزعومة ضد خاشقجي كانت أيضاً عملية ضد تركيا. وحثّت الدوائر المؤيدة لأردوغان الحكومة على مساءلة السعوديين عن إنتهاك سيادة تركيا وطمأنة العديد من المعارضين العرب الذين لجأوا إلى تركيا بأنهم آمنون.
إنه قرارٌ صعب بالنسبة إلى أردوغان في وقت يعاني من مشاكل إقتصادية في الداخل وليس لديه العديد من الأصدقاء في العالم. تشرين الأول (أكتوبر) هو شهر سيئ للغاية بالنسبة إلى رجل تركيا القوي. في 12 تشرين الأول (أكتوبر)، ستُقرر محكمة تركية مصير القس الأميركي الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عامين تقريباً بتهم الإرهاب. قضيته أوصلت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بعد أن فرض الرئيس دونالد ترامب عقوبات على إثنين من المسؤولين الأتراك بسبب دورهما في سجن القس. وإذا قررت المحكمة إبقاءه في السجن، فقد تواجه تركيا عقوبات أميركية إضافية.
15 تشرين (أكتوبر) هو موعد آخر مهم. وقّعت تركيا وروسيا أخيراً إتفاقاً لدرء إعتداء على معقل المعارضة الأخير في سوريا، إدلب. وكجزء من الصفقة، تعهدت أنقرة بضمان إزالة الجماعات المتطرفة من المنطقة العازلة المتفق عليها. إنه موضوع مٌعقَّد. إذا فشلت تركيا في تحقيق ذلك، فإن العلاقات بين تركيا وروسيا قد تتعرض لضغوط.
على أردوغان أن يتّخذ قراراً بشأن تصعيد التوتر مع الرياض على هذه الخلفية. وقال مسؤولون أتراك إن المحققين لديهم “دليل ملموس” على عملية القتل. إذا إختار أردوغان الكشف عن هذه الأدلة، فسوف يتعيّن على الحكومة التركية النظر في الخطوة التالية، والتي قد تشمل طرد الديبلوماسيين السعوديين أو القنصل العام أو حتى السفير. لكن أردوغان قد يختار طريقاً آخر. وسيوجه ذلك ضربة أخرى لصورة تركيا الملطخة أصلاً كأكبر سجّان للصحافييين في العالم وسيجعل ذلك أردوغان ضعيفاً محلياً.
تقترب نقطة الإنعكاس بسرعة في السياسة الخارجية التركية. كيف سينتقل أردوغان في حقل الألغام هذا؟ الأيام المقبلة ستعطينا الإجابة.

• غونول تول هي المديرة المؤسسة لمركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وهي أيضاً أستاذة مساعدة في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى