إقتصاد مصر يتحسّن، لكن ليس بشكلٍ شامل ومُستَدام

قالت كريستين لاغارد، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، إن الاقتصاد المصري يُبدي دلائل قوية على التعافي، كما أصبح معدل النمو الإقتصادي في مصر من أعلى المعدلات في الشرق الأوسط. فإلى أي مدى يصحّ هذا الكلام؟

كريستين لاغارد: الاقتصاد المصري يُبدي دلائل قوية على التعافي

بقلم وائل جمال*

في السنة المالية 2017-2018 المُنتهية في حزيران (يونيو) الفائت، نما الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسبة 5.3 في المئة. وكان هذا أعلى معدل نمو منذ السنة المالية 2007 – 2008، عندما نما الإقتصاد بنسبة 7.2 في المئة، قبل أن يتأثر بالأزمة الإقتصادية العالمية وعدم الإستقرار السياسي المحلي الذي بدأ في أوائل العام 2011.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التحسّن، فإن النمو في مصر ليس شاملاً ولا مُستداماً. في الواقع، يشعر معظم المصريين بعبء إرتفاع الأسعار وانخفاض الدخول. ويرجع ذلك إلى أنه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، قدّمت الحكومة برنامجَ تقشّف وخفّضت قيمة الجنيه المصري في إطار إتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي.
في بيان صدر في 23 أيلول (سبتمبر) الفائت، قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، إن الإقتصاد المصري يُبدي علامات إنتعاش كواحد من أعلى الإقتصادات نمواً في الشرق الأوسط. وقد وعدت بأن التدابير المُتَّفق عليها مع صندوق النقد الدولي ستُحقق نمواً شاملاً وتساعد على خلق فرص عمل، مع ضمان توفير الموارد الكافية للحماية الإجتماعية.
لدى مصر تاريخ من إرتفاع معدلات النمو الإقتصادي جنباً إلى جنب مع ضعف توزيع ثمار النمو، كما يوضَّح ويؤكّد العقد الأول من الألفية. في الواقع، كان هذا أحد العوامل التي أدّت إلى الإنتفاضة في كانون الثاني (يناير) 2011. في العام 2018 عاد النمو الإقتصادي، مصحوباً بانخفاضٍ في مُعدّل البطالة، وهو ما تعتبره الحكومة علامة على النمو الشامل. لقد إنخفضت البطالة إلى 9.9 في المئة بنهاية حزيران (يونيو) 2018، وهو أدنى مستوى منذ سنوات، حيث خلق الإقتصاد وظائف جديدة، خصوصاً في قطاعات الصيد والزراعة والتعليم وتجارة الجملة بالتجزئة. ومع ذلك، تميل الوظائف الجديدة إلى أن تكون موسمية، في حين أن عدد الوظائف المُستدامة في قطاعات مثل الصناعة نما بشكل أبطأ بكثير.
والأهم من ذلك أن النمو الإقتصادي كان مدفوعاً بشكل أساسي بقطاع الإستخراج، الذي نما بنسبة 8.6 في المئة خلال السنة المالية 2017-2018 وساهم بنسبة 15.8 في المئة في معدل النمو السنوي الإجمالي. لقد جذب قطاع الغاز معظم الإستثمار الأجنبي المباشر في مصر، وهو نمطٌ من المتوقع أن يستمر. ومع ذلك، من حيث خلق فرص العمل، من المهم التأكيد على أن هذا القطاع لا يتطلب كثافة عُمّالية، مما يؤهّله لشمولية النمو.
من ناحية أخرى ربما ساعد الأداء الأفضل لقطاع السياحة على إستعادة بعض الوظائف المفقودة خلال سنوات عدم الإستقرار السياسي. وسجّل هذا القطاع معدل نمو سنوي بلغ 36 في المئة في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية وكان مسؤولاً عن 0.7 في المئة من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإن أرقام الوظائف في قطاعات الإقتصاد الحقيقي، بما في ذلك الصناعة والزراعة، روت قصة مختلفة. أظهرت البيانات بعض التباطؤ الرُبعي خلال السنة المالية، وفقاً للبيانات الرسمية المُتاحة.
إن النمو الشامل، والذي يشار إليه أحياناً بالنمو الذي يُساعد الفقراء، لا يقتصر فقط على خلق الوظائف، بغض النظر عن مدى استدامتها ولياقتها، بل على سرعة النمو ونمطه الحاسمين لتحقيق سجل نمو مرتفع ومُستدام، فضلاً عن إنخفاض مستوى الفقر. إن الشمولية تشير أيضاً إلى الإنصاف، وتكافؤ الفرص، والحماية في السوق.
كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، كانت نفقات مصر على الحماية الإجتماعية وشبكات الأمان أقل من المتوسطات الإقليمية والعالمية في العام 2016، في حين أن صدمات التضخم الحادة التي رافقت برنامج صندوق النقد الدولي ربما دفعت ملايين المصريين إلى تحت خط الفقر. إن توسع برنامج التحويل النقدي المشروط إلى الفقراء في العامين الماضيين فشل في سد الفجوة. وزاد الوضع سوءاً بسبب إرتفاع تكلفة الخدمات العامة، بما في ذلك النقل والمياه والكهرباء.
علاوة على ذلك، يُشير الخبراء في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو الجهاز الرسمي للاحصاء في مصر، إلى أن الفقر ربما ارتفع إلى 35 في المئة في العام 2017، من 27.8 في المئة في العام 2015، قبل بدء برنامج صندوق النقد الدولي، وحتى بعد تحديث خط الفقر الوطني وفقاً للتضخم. ومع ذلك، ولأن التقييم كان تمهيدياً وأوّلياً، فقد يكون مستوى الفقر أعلى من ذلك. إن المزيد من التدابير التقشّفية لم يأتِ بعد، وفقاً للمرحلة الرابعة من البرنامج، مما يُهدّد بجعل الأمور أسوأ بالنسبة إلى المصريين ذوي الدخل المنخفض والمحدود. ومن المتوقع أن ترفع الحكومة أسعار الطاقة مرة أخرى على الأقل في العام 2019، مما يُخفّض الدعم المُقدَّم لتلبية أهداف صندوق النقد الدولي لتضييق العجز في الموازنة.
وقد ضربت حزمة التقشف جوانب مختلفة من الإنفاق الإجتماعي، بما في ذلك التعليم والصحة. وانخفض الإنفاق العام في كلا القطاعين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.34 في المئة و2.6 في المئة على التوالي. وتعتبر الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي أن التعليم والصحة ركيزتان أساسيتان للنمو الشامل والمساواة في الفرص.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، خلص مسعود أحمد، الذي كان آنذاك مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إلى أن أوضَح درس يُؤخذ من الإنتفاضات العربية هو أن استدامة النمو كانت مشروطة بمدى تقاسم أرباحه وإلى أي مدى رافقت ذلك سياسات إجتماعية لأكثر الفئات ضعفاً. الآن، على مصر، أن تفي بمثل هذا المطلب بينما تواجه ديوناً محلية وخارجية كبيرة وواسعة جداً، فضلاً عن انخفاض مستويات الإستثمار. لقد اتخذت الحكومة المصرية خيارها من خلال تبنّي مجموعة من السياسات التي تدفع بقوة في الإتجاه المُعاكس للنمو المُستدام.

• وائل جمال باحث حائز على منحة العريان في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. تركّز أبحاثه على الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتفاوت الاجتماعي المتفاقم، وتآكل الطبقة الوسطى في العالم العربي.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى