ضغط ترامب على الفلسطينيين قد يؤدّي إلى وضعٍ لم يكن يتوقّعه

أكد الفلسطينيون أنهم مقتنعون بأن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء مساعدات مالية لهم ولوكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة ليس سوى خطوة جديدة في مساعيه “لتصفية” قضيتهم. ويرون أن هذه السلسلة من العقوبات تندرج في إطار برنامج أوسع يهدف إلى إلغاء كل مطالبهم.

جاريد كوشنر: كان وراء قطع المساعدات عن الفلسطينيين والأونروا لتصفية قضية حق العودة.

رام الله – إبراهيم فريحات*

“لقد فقدنا أموال ترامب، لكننا ما زلنا نُحافظ على كرامتنا”، قال لي أحمد (19 سنة) في مخيم قلنديا للاجئين قرب رام الله عندما سألته عن شعوره بشأن قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير بوقف كل التمويل الأميركي للأونروا، الوكالة التابعة للأمم المتحدة التي توفّر الغذاء والتعليم والرعاية الصحية لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني في الضفة الغربية وغزة والأردن وسوريا ولبنان. وكانت الأونروا، التي أُنشِئت في العام 1949، بمثابة شريان الحياة للفلسطينيين الذين فرّوا أو طُردوا من منازلهم خلال حربي 1948 و1967 مع إسرائيل. في العام الفائت، قدمت الولايات المتحدة حوالي ثلث موازنتها البالغة 1.1 مليار دولار.
بينما كان بعض المسؤولين الفلسطينيين يدقّ جرس الإنذار ويُحذّر مما يسميه “حرب ترامب ضد الفلسطينيين”، كان أحمد وآخرون في الضفة الغربية يقولون أن قطع التمويل الأميركي غير المسبوق – للأونروا وللسلطة الفلسطينية – يُمكن أن يكون نوعاً من نعمة مُقنَّعة ومخفية، إذا فَرَض تغييراً في الوضع القائم الذي يحكم كيفية عمل السلطة الفلسطينية مع إسرائيل. العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما وجدتُ في رحلة هناك قمتُ بها في وقت سابق من هذا الشهر، يستجيب لقرارات ترامب بتحدّيها بدلاً من الإستسلام وعدم المبالاة.
لم تتخذ أي إدارة أميركية سابقة، على الأقل منذ إتفاقات أوسلو في العام 1993، إجراءات متطرفة ضد الفلسطينيين مثل إدارة ترامب خلال العام الماضي. فقد نقلت السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وقطعت حوالي 396 مليون دولار من المساعدات إلى الأونروا، وخفّضت أخيراً 25 مليون دولار أخرى من المساعدات إلى المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية. ثم، في الذكرى الخامسة والعشرين لاتفاقات أوسلو قبل أسبوعين، قررت إغلاق مكتب واشنطن لمنظمة التحرير الفلسطينية، نظيرة إسرائيل في توقيع إتفاق أوسلو.
وبالطبع، فإن مثل هذه الإجراءات أثارت غضب المسؤولين الفلسطينيين الذين يعتبرونها من أعمال التسلّط والترهيب وأساساً لجهود هدفها إبتزاز الفلسطينيين للتخلّي عن حقوقهم ووضعهم كلاجئين. ووصف أحمد شام، المتحدث باسم رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، خطوات إدارة ترامب بأنها “سلبٌ واضح لإنسانيتنا يؤدي إلى المزيد من الفوضى في المنطقة”. وفي وقت سابق من هذا العام، إنتقدت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قرار ترامب بسحب المساعدات من الأونروا وإعتبرته أنه “يستهدف الشريحة الأكثر ضعفاً من الشعب الفلسطيني وحرمان اللاجئين من الحق في التعليم والصحة والمأوى والحياة الكريمة”. وقد أظهر في رأيها “أن الإدارة الأميركية ليس لديها ضمير يوخزها في استهداف الأبرياء”.
بعد يوم من إغلاق إدارة ترامب لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، قدّم الفلسطينيون شكوى جديدة ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية بشأن الهدم المُخطَّط لقرية خان الأحمر البدوية في الضفة الغربية.
إن الحقيقةَ التي تفيد بأن المؤسسات الفلسطينية يُمكن أن تُعاني وتواجه أزمة مالية نتيجة لقرار ترامب لم تؤثر على العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية. لقد قال لي رجل في رام الله:”هذه أموالٌ سياسية، والحمد لله أننا لم نعد نستلمها، حتى نكون أحراراً من أوامر ترامب”. هناك شعورٌ واسع الإنتشار بأن الفلسطينيين، بسبب التمويل الأميركي للأونروا، الذي إعتمدوا عليه لمدة 25 سنة، كان مُرتبطاً بعملية سلام تقودها الولايات المتحدة لم تجلب لهم سوى إحتلال إسرائيلي أكثر رسوخاً. هذه العملية، التي ماتت الآن، وسّعت بشكل مطرد المستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية، مقوّضةً، إن لم تكن قضت على، السلامة الإقليمية لدولة فلسطينية مستقبلية. في ظل ترامب، أدّى ذلك إلى المصادقة الأحادية على القدس كعاصمة إسرائيل – وهي القضية التي كان من المُفترَض حلّها من خلال المفاوضات. والآن يحاول ترامب أن يسلب من الفلسطينيين إعترافاً رمزياً بحق العودة إلى منازلهم السابقة في ما يعرف الآن بإسرائيل والضفة الغربية وغزة.
قبل أوسلو، كان الفلسطينيون قادرين على اتخاذ قرارات أكثر إستقلالية عن السياسات الأميركية والإدارة في البيت الأبيض. ويتوقّع الكثيرون في الضفة الغربية الآن بأن الإلغاء الشامل للدعم المالي لواشنطن يُمكن أخيراً أن يضخّ في شرايين قادتهم الشجاعة المطلوبة للقيام بما هو جيد للفلسطينيين، ووضع حدّ لعملية سلام غير مُنتجة تزيد فقط من بؤسهم.
من بين النتائج غير المقصودة لضغوط ترامب المالية كانت المشاكل الجديدة التي تخلقها فعلياً للقيادة الفلسطينية. فحتى الآن، تم تطبيق تخفيض الإنفاق بشكل رئيسي على قطاعي الصحة والتعليم الفلسطينيين، ولكن ليس لقوات الأمن الفلسطينية التي أصبحت مهمتها الأساسية هي حماية أمن إسرائيل وتشغيلها كشرطة خارجية في الضفة الغربية. وليس من المستغرب أن يتسبب ذلك في غضب بين الفلسطينيين الذين يرون أن قطع الكهرباء يشلّ المستشفيات في القدس الشرقية والمدارس في مخيمات اللاجئين بينما لا تزال الوحدات الأمنية، التي يشكل تعاونها مع إسرائيل مصدراً للإحتقار الفلسطيني، ممولةً تمويلاً جيداً. ويتساءل الكثيرون في الضفة الغربية الآن عما سيحدث إذا استجابت قيادتهم للتخفيضات الأميركية من طريق طرد أفراد من الوحدات الأمنية الذين لا يمكنها دفع رواتبهم.
في رام الله وغيرها من مدن الضفة الغربية، هناك الآن المزيد من المطالب للسلطة الفلسطينية للردّ على الأعمال العقابية لترامب من خلال إنهاء تعاونها الأمني مع إسرائيل وترك الإسرائيليين يتحملون العبء المالي لاحتلالهم. كان ذلك بالنسبة إلى إسرائيل إحدى فوائد أوسلو: ترتيبٌ كان بموجبه يقوم الذين يقعون تحت الإحتلال بمسؤولية حماية المُحتَل. وتم الحفاظ على هذا الترتيب من خلال نظام تمويل أميركي مشروط – للسلطة الفلسطينية والأونروا – لذلك يمكن أن تساعد نهاية هذه المساعدة المالية في إعادة الوضع إلى وضع يدفع فيه المحتل ثمن إحتلاله.
بدلاً من عزل الفلسطينيين، دفعت هجمات ترامب المالية والديبلوماسية إلى مزيد من التضامن الدولي معهم، وخصوصاً في أوروبا، التي لا تزال مُلتزمة بالتسوية التفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ونادراً ما صوتت دول أوروبا الغربية ضد الولايات المتحدة أو امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على فلسطين، لكن قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس أثار هذا الرد. من الناحية المالية، أوضحت بلدان مثل ألمانيا أنها تزيد التمويل “بشكل ملحوظ” للأونروا للتعويض عن التخفيضات الأميركية.
إن الفلسطينيين لن يرضخوا لمطالب ترامب ولا لضغوطه. بعد الجولة الأولى من التخفيضات في كانون الثاني (يناير) الفائت، أطلقت الأونروا حملة تمويل عالمية في غزة تحت شعار “الكرامة لا تُقدَّر بثمن”. كما هو موضَّح في رسائل البريد الإلكتروني المكتوبة في ذلك الوقت من قبل صهر ترامب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، تم تسريبها في ما بعد إلى مجلة “فورين بوبيسي”، تم تصميم هذه التخفيضات للأونروا “لعرقلة” عمل وكالة هي في رأي كوشنر “تُديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، غير فعالة ولا تُساعد السلام”. قد يواجه الفلسطينيون حملة ضغط غير مسبوقة من واشنطن لكن ترامب قد يُغيّر الوضع الراهن بطريقة لم يكن يتوقّعها وليست في حساباته.

• إبراهيم فريحات هو أستاذ مشارك في حل النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا. وهو مؤلف “ثورات غير مكتملة: اليمن وليبيا وتونس بعد الربيع العربي”. إتبعه على تويتر: i_fraihat@.
• كُتِب هذا التقرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى