كيف سيُفيد الإهتمام الدولي المتزايد بأفريقيا القارة السمراء؟

عرفت القارة الأفريقية أخيراً إهتماماً دولياً لم تشهده من قبل، فقد زارها خلال الشهرين الفائتين ثلاثة زعماء أوروبيين، المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة حكومة بريطانيا تيريزا ماي، ووعد الرئيس الصيني شي جين بينغ في الأسبوع الفائت بإستثمار 60 مليار دولار في القارة السمراء في البنى التحتية. فهل ستستفيد أفريقيا من هذا الإهتمام الدولي وكيف؟

جين شين بينغ: الصين ستستثمر 60 مليار في أفريقيا

بقلم سهير مزالي*

فيما تمرّ التجارة العالمية بفترة مُضطَربة – مع إستمرار تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والعملات في الأسواق الناشئة مثل تركيا والأرجنتين في حالة إضطراب – يسعى العديد من الدول إلى تعزيز أو بناء علاقات جديدة مع افريقيا. في الفترة ما بين أوائل تموز (يوليو) ونهاية آب (أغسطس)، قام كلٌّ من رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي بزيارات إلى القارة.
ويستند هذا الإهتمام الجديد إلى التوقيع الذي حصل أخيراً لإنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وهي إتفاقية تجارية تُوحّد ما يزيد على 40 دولة أفريقية، الأمر الذي يحمل معه الوعد بتعزيز العلاقات التجارية وإمكانية إرتفاع أحجام التجارة بنسبة 50٪ خلال السنوات الخمس المقبلة. إن أفريقيا هي موطنٌ لبعض الأسواق الأسرع نمواً في العالم، مثل ساحل العاج وإثيوبيا ورواندا، ومن المتوقع أن ينمو إقتصادها من 1.6 تريليون دولار في العام 2017 إلى 2 تريليوني دولار بحلول العام 2020، لذا فإن آفاقها – رغم التحديات – ما زالت مُشرِقة.
الواقع أن هذا الإهتمام المتزايد من قبل الإقتصادات العالمية الرئيسية لبناء علاقات مع إفريقيا يُمكن أن يساعد على دفع عجلة التنمية عبر القارة السمراء.

تجدد الإهتمام الأوروبي في أفريقيا

عمل الرئيس الفرنسي ماكرون بشكل خاص منذ وصوله إلى السلطة على إعادة تنشيط العلاقات الفرنسية – الأفريقية، حيث زار القارة في تموز (يوليو) للمرة التاسعة منذ إنتخابه في أيار (مايو) 2017. وعلاوة على ذلك، فإن فرنسا تُبدي إهتماماً مُتزايداً بالدول الأفريقية غير الناطقة بالفرنسية، مع آخر زيارة له للقارة شملت نيجيريا.
كجزء من الجهود الرامية إلى إعادة إنعاش العلاقات التجارية في المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، قامت رئيسة الحكومة “ماي”، في أواخر آب (أغسطس)، بزيارة رسمية إلى أفريقيا، وهي الأولى التي يقوم فيها رئيس وزراء بريطاني خلال أكثر من خمس سنوات. وشملت رحلتها زيارات إلى جنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا، والتي أشارت إليها بـ”الشريكات الرئيسيات”.

الصين تحافظ على حصصها في القارة

خلال السنوات الأخيرة، مع ذلك، أصبحت بلدان مثل تركيا والهند والصين على وجه الخصوص أكثر بروزاً في دعم أهداف التنمية الإقتصادية لأفريقيا.
ووفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فقد نمت إستثمارات الصين في أفريقيا من 13 مليار جنيه إسترليني في العام 2010 إلى 35 مليار جنيه إسترليني اليوم. ويتم توجيه غالبية هذه المشاريع إلى البناء والبنية التحتية، مع خطوط السكك الحديدية التي تربط مومباسا بنيروبي وأديس أبابا بجيبوتي بين المشاريع الرائدة الأخيرة.
في الأسبوع الأول من أيلول (سبتمبر) الجاري إستضافت الحكومة الصينية منتدى التعاون الصيني – الأفريقي في بكين – الذي يُعقَد كل ثلاث سنوات – والذي أُعلنت خلاله مجموعة جديدة من التمويل للقارة السمراء (بينها إعلان الرئيس شي جين بينغ أنه سيتم إعفاء البلدان الأفريقية الأقل نمواً من سداد بعض ديونها إلى الصين). في قمة 2015، أعلنت الصين عزمها على استثمار 60 مليار دولار في البنية التحتية، وعاد وأكّد على هذا الإستثمار من جديد الرئيس الصيني في منتدى هذا العام.

أشكالٌ جديدة من الشراكات الأجنبية مع أفريقيا

في حين أن الإهتمام الأوروبي بأفريقيا ليس جديداً، إلّا أن ما يبدو أنه يتغيّر هو طريقة تبلور التعاون. كانت النظرة القديمة إلى إفريقيا تراها بأنها أكثر المناطق فقراً في العالم، إلّا أن ذلك وكأنه يتغيّر الآن إلى الإعتراف بالثروات التي تفتخر بها القارة من حيث الموارد الطبيعية، بل الموارد البشرية أيضاً.
وبينما تواصل الصين الإستثمار في بناء الطرق والجسور والموانئ، فإن أوروبا تدرس طرقاً أخرى لتصبح من الشركاء الماليين مع إفريقيا.
فالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، تُراهن على تكنولوجيات التمويل الجديدة، وتتطلع إلى الاستفادة من خبرتها ودمجها مع الاستيعاب السريع لأفريقيا لحلول تكنولوجيا المعلومات والإتصالات (كان لدى إفريقيا جنوب الصحراء ما يقدر بـ 444 مليون مشترك في الهاتف المحمول في العام 2017 وفقاً لمعلومات “GSMA Intelligence”). في ضوء ذلك، وقّعت “هيئة السلوك المالي” (Financial Conduct Authority) في المملكة المتحدة أخيراً إتفاقية مع البنك المركزي النيجيري للمساعدة على تطوير الإطار التنظيمي في البلاد للتكنولوجيات المالية الناشئة.
وتشمل المجالات المُحتَملة الأخرى للتعاون الأجنبي تحسين الإدارة والشفافية لتعزيز مناخ الإستثمار. لقد أظهر إستطلاع مقياس الأعمال ل”مجموعة أوكسفورد للأعمال” – الذي أجرى مقابلات مع حوالي 1000 رئيس ومدير تنفيذي في تسع أسواق أفريقية في 2017 – أن 48٪ من المشاركين ينظرون إلى الأُطر الضريبية القائمة على أنها غير تنافسية أو غير قادرة على المنافسة على نطاق عالمي، في حين أن 36٪ يرون بأن مستوى الشفافية لمزاولة الأعمال منخفض أو منخفض للغاية بالنسبة إلى المنطقة. من حيث تنمية المهارات، فإن الغالبية العظمى (32 ٪) ذكرت القيادة باعتبارها المهارة التي تحتاج إليها أسواقها بشكل ماس.
هذه بعض المناطق التي أعاقت ترتيب وتصنيف أفريقيا في تحليلات الأعمال الحاسمة مثل تقارير “ممارسة الأعمال” الصادرة عن البنك الدولي. وفي هذا الصدد، يُمكن للقارة السمراء الإستفادة بشكل كبير من الخبرات الأجنبية.
قد تواجه أفريقيا عقبات كبيرة التي ينبغي التغلب عليها، لكن توسع دائرة شبابها الموهوبين والمُصمّمين والإعتماد عليهم قد حان لتنمية مهاراتها. مع 60٪ من سكان القارة تحت سن ال24، من شأن الإستغلال الفعّال لإمكانات قوة العمل الكبيرة هذه أن يمهد الطريق أمام أفريقيا لتصبح أكثر إزدهاراً.

• سهير مزالي هي المحررة الإقليمية لأفريقيا في مجموعة أكسفورد للأعمال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى