العلاقات الإقتصادية الجديدة بين قطر وتركيا آنية وليست بعيدة المدى

فيما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يهدد بزيادة العقوبات على تركيا إذا لم تعمد إلى إخلاء سبيل القس الأميركي أندرو برونسون المحتجز لديها، فاجأ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد واشنطن بزيارته أنقرة وتقديم تعهد باستثمار 15 مليار دولار في الإقتصاد التركي الأمر الذي أثار إمتعاضاً في البيت الأبيض.

العملة التركية: القرض القطري لن يؤثر كثيراً في مسارها التنازلي

بقلم روبرت موغيلنيكي*

في 15 آب (أغسطس) الفائت، تعهّد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني باستثمار 15 مليار دولار في الإقتصاد التركي. وسيمنح هذا التعهد راحة مؤقتة للصناعة المصرفية التركية المتعثّرة في أعقاب توتر العلاقات الديبلوماسية بين تركيا والولايات المتحدة الذي أدّى في الآونة الأخيرة إلى إنخفاض حاد في قيمة الليرة التركية. إن الروابط الإقتصادية المتنامية بين قطر وتركيا، والتي تسارعت بعد أن فرض جيران قطر الخليجيون عليها حظراً في حزيران (يونيو) 2017، تُحقّق أهدافاً قصيرة الأجل لكلا البلدين. ومع ذلك، فإن العلاقة الإقتصادية بين البلدين تنطوي على خطر تعقيد علاقات قطر الثنائية مع الولايات المتحدة، ولا يمكنها أن تحلّ محل العلاقة الاقتصادية الحرجة التي تربط تركيا مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى والدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.
كانت أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، التي بدأت في حزيران (يونيو) 2017، بمثابة لحظة محورية في العلاقات الإقتصادية بين أنقرة والدوحة. في أعقاب الحظر الإقتصادي الذي قادته المملكة العربية السعودية على قطر – والذي قطع الكثير من واردات الأغذية عن شبه الجزيرة – قامت طائرات وسفن شحن تركية بتسليم آلاف الأطنان من المواد الغذائية الجافة والفاكهة والخضروات إلى البلاد. وفد إرتفعت الصادرات التركية إلى قطر بنسبة 50 في المئة من العام 2016 إلى العام 2017 – حيث بلغت 750 مليون دولار – واحتلت تركيا المرتبة الثامنة من حيث حجم الواردات القطرية خلال العام 2017. ويبلغ حجم التجارة الثنائية السنوية بين البلدين حوالي 1.5 مليار دولار، ويعتزم المسؤولون القطريون والأتراك زيادة التدفقات التجارية إلى 5 مليارات دولار في السنوات المقبلة.
ومع ذلك، تظل قطر شريكاً تجارياً صغيراً لتركيا، التي وصل إجمالي صادراتها ووارداتها على التوالي إلى 157.1 مليار دولار و234.2 مليار دولار في العام 2017. وبلغ حجم التبادل التجاري التركي مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية 14.1 مليار دولار خلال العام 2016 وتجاوز بكثير حجم التجارة مع قطر. علاوة على ذلك، إرتفعت الصادرات التركية إلى الإمارات العربية المتحدة بنسبة 7.5 في المئة في العام 2017، مما يشير إلى أن المبادرات الإقتصادية التركية – القطرية لم تُعرقل على الفور العلاقات التجارية الكبيرة لتركيا مع أبو ظبي والرياض. وفي حالة حدوث تدهور كبير في العلاقات التجارية بين تركيا والإمارات والسعودية، فإن قطر لن تكون قادرة على تحقيق التوازن في حجم التجارة مع تركيا.
كما لا تعتمد الدوحة بشكل مفرط على أنقرة لإدارة ومواجهة القيود الإقتصادية الحالية، وخصوصاً تلك الناجمة عن الحظر الذي تفرضه السعودية. في حين أن تركيا إستهلكت ما يقرب من 6.1 في المئة من الصادرات غير النفطية من قطر في أيلول (سبتمبر) 2017 ، فقد شكلت عُمان 44.6 في المئة من قطاع التصدير هذا. وأصبحت مراكز النقل والشحن العُمانية في صلالة وصحار، على وجه الخصوص، عناصر رئيسية في طرق سلسلة التوريد الجديدة للسلع المُتّجهة من وإلى قطر. ولذلك، تحتفظ قطر بحلفائها الإقليميين وشركائها التجاريين خارج نطاق علاقتها الإستراتيجية مع تركيا.
بالإضافة إلى توسيع التدفقات التجارية بين الدولتين، تحتفظ تركيا وقطر بمحفظة إستثمارية متواضعة في إقتصادات كل منهما. حوالي 205 شركة تركية تُدير ما يقرب من 11.7 مليار دولار من العقود في قطر. وتشارك هذه الشركات في الغالب في مشاريع تتعلق بنهائيات كأس العالم في 2022 – وهو الحدث الذي تعتبره الدوحة يتشابك ويتعلق بشكل وثيق مع سمعتها العالمية.
يبدو أن الجهات الحكومية والأخرى الفاعلة في القطاع الخاص في قطر ترغب في تعميق الإستثمارات. وتهدف المنطقة الصناعية المُقترَحة التي ستبلغ تكلفتها 2.5 ملياري دولار في الدوحة إلى توظيف 10,000 مواطن تركي. ونسبت تصريحات من الحكومة التركية بشكل مباشر خطة المنطقة إلى دعم تركيا لقطر خلال فترة الحظر وإدّعت أن قطر ستُغطي 70 في المئة من تكاليف المشروع، وتضمن عقود التطوير والاستثمار للشركات التركية، وتوفر العقارات التجارية مجاناً.
إستحوذت قطر على 65 في المئة من الإستثمارات الأجنبية المباشرة لدول مجلس التعاون الخليجي في تركيا من العام 2006 إلى العام 2016؛ ومع ذلك، تمتلك الشركات القطرية بصمة تجارية صغيرة مقارنة بنظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي. وتمثل السعودية والإمارات العربية المتحدة 75 في المئة من شركات دول مجلس التعاون الخليجي العاملة في الإقتصاد التركي. إن إستمرار تدفقات التجارة والإستثمار من منطقة دول مجلس التعاون الخليجي كلها أمر حاسم بالنسبة إلى تركيا، حيث إنخفضت تدفّقات الإستثمار الأجنبي المباشر العالمية بشكل مطرد من 17.72 مليار دولار في العام 2015 إلى 10.86 مليارات دولار في العام 2017 وسط مخاوف أمنية وعدم إستقرار سياسي.
وأحدث إستثمار قطري في تركيا، والذي يضمن مقايضة عملة بقيمة 3 مليارات دولار أُعلن عنه في 20 آب (أغسطس)، وهو يقوّض جهود الولايات المتحدة للضغط على تركيا من خلال العقوبات العقابية. وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بقيت محايدة بشكل رسمي خلال أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، فإن إستثمارات قطر الأخيرة في تركيا ستختبر دعم واشنطن فيما الجهود الديبلوماسية مستمرة لتهدئة تداعيات الأزمة.
كما أن التركيز بشكل حصري على التأثير المتزايد لدولة قطر في الاقتصاد التركي يُخاطر أيضاً بتعتيم أدوار الشركاء الاقتصاديين الآخرين المؤثرين. فقد قدمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي 67.9 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية لتركيا في العام 2017. وفي الوقت عينه، أقرضت البنوك الأوروبية 150 مليار دولار لتركيا، حيث كانت البنوك الإسبانية مسؤولة عن تقديم قروض بقيمة 80 مليار دولار وحدها. وبالنظر إلى حجم ديون تركيا من العملات الأجنبية، وانخفاض قيمة الليرة، وانخفاض الإستثمارات الأجنبية في العام على أساس سنوي، لا يُمكن إعتبار الإستثمار القطري البالغ 15 مليار دولار حلاً طويل الأجل لتحديات تركيا الإقتصادية.
لقد وجدت قطر في تركيا شريكاً تجارياً واستثمارياً موثوقاً للمساعدة في التخفيف من حدة أكثر العناصر المؤلمة في الحصار الاقتصادي. ويُمكن لرأس المال القطري أن يساعد في تعزيز ولاء حليف إقليمي مؤثر اليوم، لكن يجب على الدوحة توخّي الحذر في إدارة العلاقات في المدى الطويل مع واشنطن وأنقرة. سوف تستخدم تركيا هذه الجولة من الإستثمارات القطرية لتحقيق الإستقرار في أسواقها المتقلبة، لكن أنقرة لا يُمكنها أن تتجاهل العلاقات الإقتصادية المهمة الأخرى مع دول مجلس التعاون الخليجي والإتحاد الأوروبي.

• روبرت موغيلنيكي زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، ومحلل كبير في مجموعة سيوا. وهو أيضاً باحث دكتوراه في كلية ماغدالين بجامعة أكسفورد، حيث يتخصص في الإقتصاد السياسي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى