هل تُكرِّر إيران نموذج جنوب لبنان في جنوب سوريا؟

يعتقد خبراء كثيرون بأن إيران تستخدم في جنوب سوريا الإستراتيجية عينها التي إستخدمتها في جنوب لبنان وهي إستراتيجية الصبر حتى تحين الظروف، ومن هنا قبلت بابتعاد قواتها عن الحدود الإسرائيلية 85 كلم مستفيدة من خبرتها في هذا المجال مع “حزب الله” في لبنان.

“حزب الله”: تجربته قد تكررها إيران في جنوب سوريا

بقلم منى العلمي*

أعلنت روسيا في أوائل آب (أغسطس) الجاري أنها أقنعت القوات الإيرانية في سوريا بالإبتعاد عن الحدود الإسرائيلية بنحو 85 كيلومتراً. وقد جاءت هذه الوساطة الروسية على خلفية تصاعد الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد القوات والميليشيات التي تقودها إيران في سوريا.
وقال المفاوض الروسي ألكسندر لافرنتييف في حديث مع وكالة “سبوتنيك” في الأول من آب (أغسطس) أن روسيا في هذه الوساطة أخذت في الإعتبار المخاوف الإسرائيلية. وأضاف: “لقد نجحنا في تحقيق إنسحاب الوحدات الإيرانية والميلشيات التابعة لها إلى مسافة 85 كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية”. منذ هجوم حزيران (يونيو) الفائت الذي قامت به القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد في الجنوب الغربي، أصرت إسرائيل على عدم السماح لوجود أيّ قوات إيرانية في أي مكان في سوريا. لقد إنخرطت تل أبيب وطهران في مواجهة تصعيد متبادل في بلاد الشام، حيث إستهدفت إسرائيل أهدافاً عسكرية داخل سوريا أكثر من 150 مرة منذ بداية الحرب الأهلية في العام 2011.
ومع ذلك، إذا كان التاريخ اللبناني قد علّمنا أي شيء، فإن التراجع الإيراني من جنوب غرب سوريا سوف يكون قصير الأمد. سيكون ذلك مناورة تكتيكية من قبل فيلق الحرس الثوري الإيراني لتخفيف التوتر وتعزيز مكاسبه بدلاً من التراجع الدائم.
في الوقت الحالي، تُعطي طهران الأولوية لتوطيد سلطة نظام الأسد على الأراضي السورية. في نهاية تموز (يوليو) الفائت، أفادت وسائل الإعلام الموالية لدمشق أن القوات الموالية للنظام كانت تتجمّع في شمال البلاد، إستعداداً للهجوم المقبل على إدلب. وبالتزامن مع ذلك، تُنظم تركيا قمة حول سوريا، تضم إليها روسيا وفرنسا وألمانيا. ويبدو أن النظام السوري ينخرط أيضاً في حوار مع المعارضة الكردية في الشمال الشرقي، التي إلتقت بمسؤولين حكوميين في زيارة قامت بها أخيراً إلى دمشق.
وقد أدت هذه اللفتة الإقليمية الجارية إلى إلغاء تحديد أولويات جنوب غرب سوريا في الوقت الحالي. ومع ذلك، وكما أشار الخبير في شؤون “حزب الله” نيكولاس بلانفورد، فإن “إيران ستلعب لعبة طويلة في جنوب غرب سوريا بالإعتماد إما على “حزب الله” أو الجماعات المسلحة العراقية (هناك)”. وفي حين أن جنوب غرب سوريا قد لا يكون مصدر قلق فورياً لإيران، فمن غير المرجح أن تتخلّى طهران عن مثل هذه الورقة الأساسية.
وقال لي مصدر مُقرَّب من مقاتلي “حزب الله” المنتشرين في سوريا في مقابلة سابقة إن قادة “حزب الله” قادوا عمليات في جنوب غرب سوريا، على الرغم من الرفض الروسي. بالإضافة إلى ذلك ، أشار المصدر ضمناً إلى أن “حزب الله” قد يستجيب لمطالب موسكو ظاهرياً ولكن يمكن لمقاتليه أن يتسللوا دائماً إلى القوات السورية التي تُعيد إنتشارها في جنوب سوريا من خلال وجود أعضاء يرتدون زي جنود سوريين داخل القوات النظامية.
ويقول الصحافي اللبناني إبراهيم بيرم، إن المنظمة لم تُعلّق على الإتفاق الروسي – الإسرائيلي الأخير، مضيفاً أنه من غير المحتمل أن تُنفّذ روسيا الصفقة في المدى الطويل.
الواقع أن الأحداث في سوريا تتشابه مع الوضع اللبناني في مرحلة ما بعد حرب 2006 بين إسرائيل و”حزب الله”. لقد إنتهى صراع تموز (يوليو) من ذلك العام، الذي أسفر عن وفاة أكثر من 1200 شخص، بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي تم تبنّيه في آب (أغسطس) 2006، والذي دعا إلى ترسيم الحدود الدولية للبنان، خصوصاً في المناطق الحدودية المتنازع عليها أو غير المؤكدة، وطلب من الحكومة اللبنانية تأمين وضمان حدود بلادها ونقاط دخول أخرى لمنع دخول الأسلحة أو المواد ذات الصلة إلى لبنان من دون موافقتها. كما أكّد القرار على إستبعاد أي وجود لقوات أجنبية غير قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) والجيش اللبناني جنوبي نهر الليطاني. في ذلك الوقت، دعت الأمم المتحدة أيضاً إلى تطبيق جميع بنود إتفاق الطائف، لا سيما نزع سلاح جميع الميليشيات بما في ذلك “حزب الله” وحلّها.
في حين تم الحفاظ على السلام إلى حد كبير على الحدود الجنوبية اللبنانية منذ العام 2006، إلّا أن شروط قرار 1701 لم تُحترَم إلى حدٍ كبير. في مقابلات سابقة، قال لي مقاتلون من “حزب الله” تحدّثوا إليّ بشرط عدم الكشف عن هويتهم، إن المنظمة ما زالت تحافظ على وجود كبير وبنية تحتية سرية، وقاموا بأعمال إستطلاع منتظمة على الحدود اللبنانية.
كما أنشأ الحرس الثوري الإيراني “اللجنة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان” بعد حرب 2006 لإعادة بناء المناطق التي يسيطر عليها “حزب الله” في جنوب لبنان. وبعد ذلك بعامين، صنّفت وزارة الخزانة الأميركية “اللجنة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان” كمنظمة إرهابية لأنها “موّلت وسهّلت” أنشطة “حزب الله”، المُصنَّف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. وقد ترأس حسن الشاطري، قائد كبير في فيلق “القدس” الإيراني، “اللجنة الإيرانية لإعمار لبنان” تحت إسم مستعار “حسام” حتى قُتل في سوريا في شباط (فبراير) 2013. كما قامت هذه اللجنة الإيرانية في بناء شبكة الألياف البصرية (فايبر أوبتيك) التابعة ل”حزب الله” والتي أثارت أزمة سياسية وعسكرية في لبنان في العام 2008.
علاوة على ذلك، إنفجر مستودع أسلحة غير قانوني ل”حزب الله” في جنوب لبنان في العام 2009. وصرح مبعوث الأمم المتحدة لحفظ السلام، آلان لو روي، في ذلك الوقت بأن أعضاء من “حزب الله” يرتدون ملابس مدنية حاولوا منع اليونيفيل من إجراء تحقيق في الموقع.
في العام 2015، أفادت صحيفة السفير اللبنانية أن “حزب الله” زاد من جاهزية المعارك لديه في جنوب لبنان. ووضّحت المقالة بالتفصيل المخابئ والأنفاق التي أنشأها “حزب الله” في جنوب لبنان والتي كانت مُبَطَّنة بقاذفات للصواريخ، وأكدت أن المنظمة كانت تراقب الحدود ليلاً ونهاراً وتحركات العدو باستمرار.
في العام الماضي، إتهمت إسرائيل “حزب الله” بإنشاء مراكز مراقبة تحت ستار منظمة غير حكومية “أخضر بلا حدود” بالقرب من حدود الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل على ما يبدو لجمع المعلومات الإستخبارية. وردّت اليونيفيل بأنها “لم تلاحظ أي شخص مُسلّح غير مُصرَّح له في المواقع”.
في آذار (مارس) 2017، أشار بلانفورد في مقال نُشر في مجلة “أراب ويكلي” (Arab Weekly) إلى أن “حزب الله” لا يزال يُركّز على الجبهة مع إسرائيل “بواسطة العديد من كبار مقاتليه، وخصوصاً فرق الصواريخ المضادة للدبابات ووحدات الصواريخ، الذين ظلوا في لبنان. على مدى شهرين، أجرت وحدات من “حزب الله”، التي يرتدي مقاتلوها ملابس مدنية، مسحاً شاملاً ولكن بسيطاً للحدود الإسرائيلية، وأخذت قياسات شاملة للتضاريس، بما في ذلك تدرّجات المنحدرات، ورسمت دفاعات إسرائيل الجديدة على الجانب الآخر من سياج الحدود السياج”، كما كتب.
في نهاية العام 2017، قام “حزب الله” بتنظيم جولة للصحافيين على طول الحدود مع إسرائيل، والتي ضمّت أيضاُ عشرات من مقاتلي “حزب الله” الذين كانوا يحملون بنادق آلية. لقد كان هذا الحدث إنتهاكاً مُتعَمّداً لقرار 1701.
وإمتد نشاط “حزب الله” أيضاً إلى شمال الليطاني، حيث أفادت مصادر مطلعة أنه بنى خطاً دفاعياً واسعاً يضمّ صواريخ متوسطة وطويلة المدى. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال “حزب الله” يجري تدريبات عسكرية في مخيمات في سهل البقاع، شرق لبنان، تتراوح بين مناورات أساسية للأسلحة، إلى تكتيكات الوحدات الصغيرة والتدريب الإيديولوجي.
وهكذا فشل القرار 1701 في كبح قوة “حزب الله”، إذ أن المنظمة قد إستطاعت تنمية وتطوير ترسانتها العسكرية وزيادة قوتها البشرية إلى أكثر من 25,000 مقاتل مدرّب بالكامل، وحيازة أكثر من 100,000 صاروخ وقذيفة. في العام 2017، ذكرت مجلة “الإيكونوميست” أن مسؤولين إسرائيليين قالوا إن “حزب الله” لديه 17 مرة أكثر من الصواريخ مما كان عليه قبل عشر سنين وأسلحة أكثر تطوراً، بما في ذلك صواريخ مضادة للطائرات.
من المحتمل أنه في ضوء نجاحها في لبنان، ستطبق إيران خطة مماثلة في سوريا. “إن طهران تود أيضاً توسيع نطاق ما يمتلكه “حزب الله” على حدود لبنان مع إسرائيل، إلى الجولان والإستفادة من جنوب غرب سوريا في مواجهتها مع إسرائيل في المدى الطويل. إن إيران تحاول تشكيل مصالحها الإستراتيجية في سوريا مع مرور الوقت، للحفاظ على جسرها الأرضي هناك ضد إسرائيل”. يشرح بلانفورد.
لدى إيران مصلحة راسخة في الجنوب الغربي لسوريا وستواصل توسيع نفوذها هناك. وقد تفعل ذلك إما سراً أو تستخدم الصبر الإستراتيجي إلى أن تنضج الظروف. لقد أصبح جنوب سوريا، مثل جنوب لبنان، بطاقة إستراتيجية مُفيدة في لعبة طهران الإقليمية.

• منى العلمي صحافيّة فرنسيّة – لبنانيّة، وزميلة غير مقيمة في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي. تكتب العلمي حول المسائل السياسية والإقتصاديّة في العالم العربي، بالتحديد في الأردن، ومصر، ولبنان، وسوريا، والسودان والإمارات العربية المتّحدة.
• كُتب المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى