حربٌ إقتصادية ذات تداعيات سياسية

بقلم كابي طبراني

يوم آخر يمرّ يحمل في طياته سلسلة أخرى من التطورات غير العادية في الأزمة الإقتصادية التي فرضت نفسها والتي تجتاح تركيا وتُهدّد بزعزعة إستقرار المنطقة بأكملها.
لقد مرّت حتى الآن سبعة أيام منذ أعلن الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستُضاعف التعريفات الجمركية على الواردات من الفولاذ والألومنيوم التركيين، مما أدّى إلى إنخفاض الليرة التركية إلى مستوى قياسي مقابل الدولار. وبدلاً من الإستجابة لمطالب واشنطن بشأن إحتجاز القس الإنجيلي الأميركي أندرو برونسون ومحاولة تهدئة الوضع الذي يُمكن أن يؤذي بلده وشعبه إذا ساء أكثر، كان ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو صب الزيت على النار. في وقت سابق من هذا الأسبوع، دعا أردوغان الأتراك إلى مقاطعة البضائع الإلكترونية الأميركية. وأتبع خطوته بإعلانه عن تعريفات إنتقامية على السيارات والمشروبات والتبغ ومستحضرات التجميل والأرز والفحم الآتية من أميركا.
الواقع أن تركيا لا يمكنها أن تفوز بحرب تجارية مع الولايات المتحدة. إن قيمة الواردات والصادرات الأميركية من وإلى تركيا متساوية في القيمة، لكن جيوب أميركا أعمق بكثير. إن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لتركيا البالغ 857 مليار دولار هو أقل من القيمة السوقية لشركة “أبل”، والتي تجاوزت الأسبوع الماضي تريليون دولار.
يستطيع الرئيس التركي القيام بمبادرات من أجل تهدئة المياه المضطربة. ولكن بدلاً من ذلك، قام هذا الأسبوع بإقفال الأبواب بعنجهية معهودة وقال إن القيام بذلك سيكون “الإستسلام” لـ”مؤامرة سياسية مخادعة”. بعد عامين على محاولة الإنقلاب في تركيا، يبدو أن عقلية الحصار ما زالت تخيم على سلوك أردوغان.
وكلما إستمرت هذه المواجهة، أصبح الأمر أكثر إثارة للقلق، ليس فقط بالنسبة إلى الشعب التركي، الذي سيتحمّل الضغط الإقتصادي المباشر، ولكن بالنسبة إلى المنطقة الأوسع، التي تُخاطر أكثر بالإنزلاق نحو عدم الإستقرار.
يجب على واشنطن وأنقرة التوافق وحلّ خلافاتهما في أقرب فرصة، لأن خلف معركة القس برونسون، تلوح في الأفق مشكلة أكبر بكثير. فخلال السنوات القليلة الماضية، كانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ العام 1952، تعمل على مواءمة مصالحها مع روسيا. وفي العام المقبل، سوف تستلم نظامَ دفاعٍ جويٍ روسي متقدماً لا يتلاءم مع جهاز الدفاع في “الناتو” رغم إستياء وامتعاض أعضاء الحلف.
كما تقوم تركيا بتطوير صداقات أخرى تُهدد الإستقرار الإقليمي. في الشهر الماضي، حضر أردوغان محادثات حول سوريا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني. وإستقبل قبل أيام الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، الذي وعد بإستثمار 15 مليار دولار في تركيا لدعم حكومة أردوغان.
إن تركيا العضو في “الناتو” هي جارة إيران التي تقع إلى جنوبها، فيما إلى الشرق، تُعتبَر الحاجز الوحيد بين روسيا والبحر الأبيض المتوسط. والإحتمال المتنامي لتحالف تركي – روسي – إيراني هو الذي يُهدّد بمزيد من زعزعة إستقرار الشرق الأوسط ويجب أن يدق ذلك جرس الإنذار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى