ترامب يريد صفقة أكبر وأفضل مع إيران، ولكن ماذا تريد طهران؟

بقلم سوزان مالوني*

هذه هي الطريقة التي إنتهت بها الأداة الأكثر أهمية للديبلوماسية الأميركية-الإيرانية على مدى 40 عاماً: ليس بإثارة ضجة وتهليل، بل بإعلان تذمر وعقوبات. وفقاً لقرار الرئيس دونالد ترامب الذي إتخذه في أيار (مايو) الفائت والقاضي بالانسحاب من الإتفاق النووي الإيراني المُوقَّع في العام 2015، أعادت الإدارة الأميركية يوم الثلاثاء الفائت (7/8/2018) فرض معظم العقوبات التي تم تعليقها أصلاً بموجب الإتفاق. وفي الوقت الذي أنتجت هذه الحركة موجة من العناوين الجديدة، فقد كان الأثر الإقتصادي قد تكشّف بالفعل، واغتنم القادة الإيرانيون الفرصة لإظهار تصميمهم الحذر، فيما هم يناضلون من أجل وضع إستراتيجية قابلة للتطبيق لإدارة مسار الأيام المقبلة المحفوف بالمخاطر.
لم يكن الأمر التنفيذي الذي صدر يوم الاثنين (6/8/2018) بإعادة القيود الأميركية بشكل كامل على جزء كبير من إقتصاد إيران مفاجأة. في إعلانه عن الإتفاق النووي في أيار (مايو)، فقد أعلن ترامب عن موعدين نهائيين لتقليص مختلف أنواع الأعمال مع طهران، ومع بعض الإستثناءات المهمة، تحركت معظم الشركات والمؤسسات المالية المتأثرة بسرعة للإمتثال للقيود المتجددة. وكان السؤال الحقيقي الوحيد هذا الأسبوع الذي حام حول تجديد العقوبات هو عن التأثير النفسي على الإيرانيين – القلق ليس قليلاً في وقت بدا أن قيمة العملة الإيرانية تدخل في دوامة الموت والإحتجاجات تتكاثر على نطاق ضيّق ولكن بشكل مُكثّف في جميع أنحاء البلاد.
مهما يكن، في الوقت الحالي، يبدو أن قدرات إدارة الأزمة المؤكدة في طهران لا تزال سليمة. مع بعض الخطوات المتأخرة – بما في ذلك إقالة وإستبدال رئيس البنك المركزي والتغيير في القوانين المتعلقة بأسواق الصرف الأجنبي – وخطاب كئيب ألقاه الرئيس الإيراني حسن روحاني بُثَّ مباشرة على التلفزيون الحكومي، يبدو أن الجمهورية الإسلامية قد إستوعبت وأبعدت أي ذعر فوري. منذ أن بدأت العقوبات، إنتعش الريال الإيراني، ولو بشكل متواضع للغاية، وأبدى القادة الإيرانيون بعض الراحة في الدعم الرمزي والخطابي من أوروبا للحفاظ على الاتفاق النووي. ويُطبَّق الجزء الثاني من العقوبات في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث سيثبت أن تداعياته أكثر تأثيراً كمقياس لتأثيره في عائدات النفط الإيرانية الحيوية.
مع ذلك، حتى الآن، تبدو نهاية اللعبة بالنسبة إلى واشنطن وطهران التي تواجهانها بسبب الخروج الأميركي من الصفقة وتكثيف الضغط الإقتصادي غير مؤكدة، تُعقّدها في الظاهر، على الأقل، إنقسامات داخل المؤسسات السياسية في كلا البلدين. من خلال المطالبة بقطع شامل لصادرات إيران النفطية وجميع التجارة الأخرى معها في أسرع وقت ممكن، فإن واشنطن تسعى إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط على طهران بشكل مُلِحّ يشير إلى نفاد صبرها لتحقيق نتيجة سريعة. لكن ماذا بالضبط؟
بالنسبة إلى ترامب نفسه، يبدو أن إغراء صفقة أكبر وأفضل مع إيران ـ أو على الأقل قمة جاهزة للكاميرا، والتي تُظهر ظهور انفراج، كما هو الحال مع كوريا الشمالية ـ يبدو كبيراً. منذ أن قفز للمرة الأولى إلى السباق الرئاسي، أكد على قدراته الفريدة لإعادة التفاوض على “صفقة جديدة ودائمة”، ووابل التهديدات والنداءات التي وجهها إلى طهران في الأسابيع الأخيرة — للتفاوض “في أي وقت يريدونه” ومع “عدم وجود شروط مسبقة” – ضاعف سخطه من أن القادة الإيرانيين لم يأخذوا هذا العرض بعد.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المكان الوحيد الذي يمكن فيه العثور على أرضية مشتركة بين الرؤساء الأميركيين والإيرانيين – الإجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك – يقترب موعده بسرعة. في العام الماضي، سعى ترامب إلى لقاءٍ مع روحاني في أحد أروقة المنظمة الدولية، وهناك بالفعل تكهنات حول محاولة أخرى في أيلول (سبتمبر) المقبل.
من المؤكد أن فريق ترامب للسياسة الخارجية لديه فهمٌ أكثر تطوراً للمزيج الخاص من الكراهية والتحدي ضد أميركا لدى إيران الذي كان تاريخياً يُثبط الديبلوماسية الثنائية. في حين أن مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو قد نأيا بنفسيهما عن الإنغماس في الماضي حول تغيير النظام، فإن تصريحاتهما العامة تؤكد على عشرات من المطالب المثيرة للشك التي تبدو مثل شروط مسبقة و”تغييرات هائلة” مطلوبة من طهران والتي تعزّز النفور الايراني للحوار المباشر مع واشنطن. في غضون ذلك، وكما أشار بولتون في مقابلة مع برنامج “نيوز أَوَر” على “بي بي أس”، فإن العقوبات تؤجج “إنهيار العملة الإيرانية … والإحتجاجات التي شهدناها في جميع أنحاء إيران، من تلك الموجودة في طهران نفسها إلى البلدات والقرى الصغيرة، حيث الناس يظهرون إستياءهم الهائل من نظام آيات الله”.
إن تصميم الرئيس الأميركي الواضح على تجنّب أي مشاركة عسكرية أميركية مُكلفة أخرى طويلة الأمد في الشرق الأوسط يعني أن واشنطن ستسعى بالتأكيد إلى تجنب التصعيد مع إيران. لكن من أجل ساعٍ إلى تغيير النظام، لماذا لا يعجبه إستمرار الوضع الراهن؟

• سوزان مالوني هي نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز وزميلة بارزة في مركز بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط وأمن الطاقة ومبادرة المناخ، حيث يركز بحثها على الطاقة في إيران والخليج العربي.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى