هل تضغط السعودية والإمارات على الأردن إقتصادياً لتغيير سياسته الخارجية؟

حالت المساعدات الإقتصادية الخليجية دون وقوع أزمة ديون في الأردن في الوقت الراهن، غير أن الدعم الإضافي قد يتطلب تنازلات من جانب المملكة في سياستها الخارجية التي كانت مستقلة سابقاً.

الإحتجاجات الأخيرة في الأردن: توقفها مُعلَّق على الوضع الإقتصادي

بقلم راشيل فورلو وسالفاتور بورغونيون*

في 10 حزيران (يونيو) الفائت، عمدت دول الخليج إلى تجديد رزمة مساعداتها إلى الأردن في خطوة قُدِّمت على أنها بادرة إرادة طيّبة ودعم إقليمي – بعدما أثارت إجراءات التقشف الاقتصادية الجديدة إحتجاجات في مختلف أنحاء المملكة الهاشمية – غير أن هذا الأمر قد يحمل في طياته متاعب للمملكة الأردنية. ففيما تتّجه بلدان الخليج، لا سيما السعودية ودولة الإمارات، نحو إعتماد سياسة إقليمية أكثر عدوانية، غالب الظن أن رزمة المساعدات الأخيرة ستترافق مع شروط سياسية. إن بلدان الخليج ترى في الأردن عموداً أساسياً في إستراتيجيتها الإسرائيلية-الفلسطينية، وحليفاً مُحتملاً في الأزمة الخليجية الراهنة مع قطر. في مواجهة الضغوط الاقتصادية المتنامية في الداخل، قد لا تكون أمام الأردن خيارات كثيرة ما عدا تقديم مثل هذه التنازلات السياسية في مقابل المعونة المالية التي تشكّل حاجة ماسّة للبلاد.
يُعاني الأردن من حالة إقتصادية مُزرية من دون حلول سهلة في الأفق. لقد بلغ الدين العام 94 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وتسجّل البطالة معدلاً مرتفعاً (18.5%)، وتتسبّب أزمة اللاجئين السوريين المستمرة باستفحال التحديات الاقتصادية الراهنة. إزاء هذه المشكلات – وإزاء ضغوط صندوق النقد الدولي الذي منح عمّان قروضاً قدرها 723 مليون دولار – وضعت الحكومة الأردنية إجراءات تقشّفية واسعة النطاق في أيار (مايو) الفائت، ما أدّى إلى إندلاع إحتجاجات عامة أرغمت الحكومة على إجراء إعادة هيكلة والتراجع عن الزيادات المُقترحة على ضرائب الدخل، وعن خفوضات الدعم للكهرباء والمحروقات والخبز. وهكذا بات الأردن يعوّل من جديد على المساعدات الخارجية لدعم إقتصاده. وقد بادرت الأنظمة الملكية في السعودية والإمارات والكويت سريعاً إلى عقد قمة مكة في 11 حزيران (يونيو) الفائت لتقديم رزمة مساعدات إلى الأردن بقيمة 2.5 ملياري دولار وممتدة على خمس سنوات.
بيد أن رزمة المساعدات لا تُقدّم مساعدات مباشرة ولا دعماً شاملاً طويل الأمد، ويُمكن سحبها في أي وقت. فهي تتألف في شكل أساسي من قروض في شكل ودائع (تشمل وديعة في البنك المركزي الأردني لتعزيز إحتياطي العملات)، ومن ضمانات قروض من البنك الدولي، ودعم سنوي للموازنة، وتمويل للاستثمارات في البنى التحتية. بإمكان السعوديين والإماراتيين والكويتيين التراجع عن إيداع أموال في البنك المركزي وعن الاستثمار في البنى التحتية، بحسب تقديرهم الخاص، ما يعني أنه يمكن إستخدام هذين النوعَين من القروض كورقة ضاغطة لانتزاع تنازلات سياسية – وهذا إحتمالٌ قائم بشدّة مع إبتعاد السياسة الخارجية الأردنية بإطراد عن الخط السعودي – الإماراتي.
في العام 2017، مع إنتهاء رزمة المساعدات الخليجية التي أُقِرَّت في العام 2012 لمدة خمس سنوات، قررت السعودية عدم تجديدها، على الرغم من الحاجة المالية المستمرة لدى الأردن. وقد إعتبر المسؤولون الأردنيون أن القرار السعودي جاء بمثابة عقاب لبلادهم لاتخاذها مواقف تتعارض مع المواقف السعودية في الشؤون الإقليمية، وعلى رأسها الدعم الأردني المستمر لقيام دولة فلسطينية، وفشل الأردن في حظر “الإخوان المسلمين”، ورفضه قطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر في حزيران (يونيو) 2017. حتى إن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قال في كانون الثاني (يناير) 2018 إن بلاده تعرّضت لضغوط مالية للتوقف عن الاعتراض على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وفيما تتعمّق الأزمة القطرية، وتستمر الأنباء عن إتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني مُحتمل تُعِدّ له إدارة ترامب، في تصدُّر العناوين، بات لدى الكتلة السعودية – الإماراتية دافعٌ أكبر لاستخدام رزمة المساعدات من أجل إستغلال حالة عدم الاستقرار التي يعاني منها الأردن أخيراً، وتكبيل قدرة البلاد على التصرف بطريقة مستقلة عن مانحيها.
في الأشهر الأخيرة، سرت شائعات بأن بلدان الخليج العربي تنشط أكثر في دعم تطلعات إدارة ترامب إلى التوصل إلى إتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، أملاً بأن يتيح لها ذلك الحصول على مساعدات أميركية، وربما إسرائيلية، من أجل التصدّي لإيران. يُعتبَر الأردن، بصفته الوصي على الأماكن المقدسة في القدس كما أنه يؤوي الملايين من فلسطينيي الشتات، ويقع بجوار إسرائيل والأراضي الفلسطينية، طرفاً أساسياً في أي إتفاق يجري التوصل إليه في المستقبل، وقد أظهر صراحةً تباعداً عن القرارات التي اتخذتها بلدان الخليج العربي في سياساتها في هذا الشأن، ما أثار إمتعاضاً شديداً لدى تلك البلدان. علاوةً على ذلك، تتطلع السعودية إلى إنتزاع الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس من الأردن، كوسيلة لتسهيل التوصل إلى اتفاق سلام بقيادة إدارة ترامب. وقد أبدت الحكومة الأردنية، وفق ما أُفيد، قلقاً متزايداً من إقدام السعودية على توسيع روابطها التجارية والدينية في القدس، ورفضها لممارسة الأردن دوره كوصي على هذه المواقع في الأشهر الأخيرة، وكذلك من المشاحنات الديبلوماسية المتعددة مع الرياض على خلفية مسألة القدس.
يعتبر الأردن أنه من شأن القبول باتفاق السلام الذي يُحكى عنه بين إسرائيل وفلسطين، أن يؤدّي، في شكل خاص، إلى إلغاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الأراضي الفلسطينية. وعلى الأرجح أن ذلك سيتسبب أيضاً بإثارة غضب أردنيي الضفة الشرقية الذين يعتبرون أن الحكومة تسمح بأن يتحوّل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين.
هذا وقد واجهت عمّان أيضاً مشكلة في خضم الحرب الديبلوماسية الدائرة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة ثانية. فعندما فُرِض الحصار في حزيران (يونيو) 2017، طلبت السعودية والإمارات العربية المتحدة من عدد كبير من البلدان في المنطقة قطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر، غير أن الأردن اختار الإكتفاء بتخفيض مستوى التمثيل الديبلوماسي. غالب الظن أن التحالف الخليجي رأى في الردّ الأردني فعل تحدٍّ له، ويعتقد المسؤولون الأردنيون أنه أحد الأسباب الرئيسة خلف إمتناع السعودية عن تجديد رزمة مساعداتها في العام 2017، الأمر الذي كان له أثر كبير في قدرة الأردن على التعامل مع الجولة الأخيرة من المتاعب الاقتصادية التي يتخبّط فيها.
مع إستمرار الحصار من دون أن تلوح أي نهاية في الأفق، فمن المرجح أن السعودية والإمارات سوف تستخدمان رزمة المساعدات الأخيرة كورقة ضاغطة لإرغام الأردن على إتخاذ مواقف تنسجم مع مواقف الرياض وأبوظبي، بما في ذلك قطع العلاقات المالية مع قطر، الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي إلى حرمان الأردن من أحد مانحيه ومصادر إيراداته الخارجية الأكثر ثباتاً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قطر، التي تُشكّل وجهة رائجة يقصدها المواطنون الأردنيون بحثاً عن عمل، هي ثالث أكبر مستثمر في الأردن، مع بلوغ قيمة إستثماراتها مليارَي دولار بحسب التقديرات، ويزيد حجم التجارة بين البلدَين عن 400 مليون دولار. وفي أعقاب الاحتجاجات الأخيرة، عمدت قطر أيضاً إلى توسيع رزمة الدعم المالي الذي تقدّمه إلى الأردن، عبر تعهّدها بتقديم مساعدات إقتصادية قدرها 500 مليون دولار، منها 10,000 فرصة وظيفية لأبناء التابعية الأردنية في قطر، واستثمارات في البنى التحتية والقطاع السياحي في الأردن.
لن تسمح الأنظمة الملكية في الخليج لنظامٍ ملكي زميل وبلاد تحتل موقعاً استراتيجياً مثل الأردن، بالانهيار. غير أن رزمة المساعدات السخيّة التي تقدّمها تلك البلدان – أكبر بـ3.5 مرات من قرض صندوق النقد الدولي الراهن – لا تبتاع لها الاستقرار وحسب إنما أيضاً أوراقاً ضاغطة.
لقد دفعت الإحتجاجات الشعبية بالحكومة الأردنية إلى تأجيل الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، ما زاد من إعتمادها على المساعدات الخارجية. بيد أن القبول برزمة المساعدات الخليجية مع كل ما يترافق معها من تنازلات مُحتملة في السياسة الخارجية، قد يؤدي إلى تفاقم الاضطرابات، ويُرغم الحكومة الأردنية على إجراء إعادة تقييم شاملة لعلاقاتها الخارجية في المنطقة، لا سيما الحياد الذي أتاح للمملكة الصغيرة أن تصمد في وجه أجواء سياسية إقليمية عاصفة.

• راشيل فورلو وسالفاتور بورغونيون مُحلّلان مُستقلان لشؤون الشرق الأوسط مُقيمان في عمان. لمتابعتهما عبر تويتر: RachelFurlow@ و salborgognone@
• عُرّب هذا الموضوع من الإنكليزية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى