عواقب وتداعيات أزمة الخليج على قطاع الطاقة

بقلم جان فرانسوا سيزنيك*

على الرغم من أن إنتاج وتصدير الطاقة هما شريان الحياة لجميع الدول العربية في الخليج، فإن الأزمة الحالية بين قطر من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من جهة أخرى لم يكن لها تأثير كبير في إقتصاد النفط والغاز سواء على الصعيد الدولي أو داخل المنطقة. ومع ذلك، فإن الدول المعنية لديها الكثير لتكسبه من حلّ الصراع، خصوصاً إذا أدّى ذلك إلى تكامل أكبر في سوق الطاقة.
قطر هي أكبر منتج ومُصدِّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم. كما أنها تُصدّر حصة كبيرة — حوالي 750 ألف برميل في اليوم — من سوائل الغاز الطبيعي ذات القيمة العالية مثل البروبان والبيوتان، فضلاً عن كمية صغيرة (600,000 برميل في اليوم) من النفط الخام. وعلى النقيض من ذلك، لا تنتج المملكة العربية السعودية أي غاز طبيعي مُسال، بل تُصدّر نحو 9.07 ملايين برميل في اليوم من النفط الخام والمنتجات النفطية المُكرَّرة وسوائل الغاز الطبيعي ذات القيمة العالية.
ولأن الإنتاج والصادرات في البلدين مختلفان إلى حد كبير، فإن قطر والمملكة العربية السعودية لا تتنافسان في الأسواق ذاتها. لقد كانت روابط تجارة الطاقة لدول الخليج دائماً بين الدول المُنتِجة والمُستورِدة في آسيا وأوروبا والأميركتين. لا يوجد تبادل للنفط والغاز بين الدوحة والرياض أو المنامة. وبالتالي، فإن التوترات السياسية بين هذه الدول كان لها تأثير محدود في سياسات الطاقة لديها.
من جهتهما تربط الإمارات وقطر علاقات طويلة الأمد في مجال الطاقة. فقد قامتا معاً ببناء وامتلاك وتشغيل خط أنابيب الغاز الطبيعي المُسّمى مشروع دولفين للغاز الذي ينقل حوالي 2 ملياري قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي من حقل القبة الشمالية في قطر إلى دولة الإمارات للتوزيع في الإمارات وعُمان. ولم تؤثر أزمة دول مجلس التعاون الخليجي في مبيعات الغاز هذه، والتي لا تزال ذات أهمية لكلٍّ من أبو ظبي والدوحة.
يبدو أنه في ما يتعلق بإنتاج الطاقة وصادراتها، فإن قطر لم تتأثر على الإطلاق بسبب الحظر المفروض من جيرانها العرب. يتم نقل الصادرات الخليجية من الغاز والنفط بواسطة السفن حيث زالت الممرات البحرية من وإلى قطر مفتوحة. يمكن لدولة قطر أن تكون واثقة من أن هذه المسارات لن تغلق أبداً لإنفاذ الحظر. وفي الواقع، إذا قرر السعوديون أو الإماراتيون إغلاق الممرات ومنع السفن من دخول الموانئ القطرية، فإن المُشترين الآسيويين والأوروبيين للغاز والنفط القطريين سيعارضون بشدة وبالتالي قد يقاطعون المنتجات السعودية. علاوة على ذلك، يُمكن الإعتماد على الولايات المتحدة للحفاظ على حق الملاحة لمنتجات قطر، تماماً كما ستُبقي البحرية الأميركية مضيق هرمز مفتوحاً في حالة التدخل الإيراني. ومن غير المرجح أن تختبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هذه الفرضية.
على الرغم من أن التوترات الحالية لم تؤثر في إنتاج وتصدير الطاقة في المنطقة، فإنه إذا خفّت حدة التوتر، فقد يستفيد كلا طرفي الأزمة. إن البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة في حاجة ماسة إلى الغاز الطبيعي. وتقوم البحرين الآن ببناء محطة استقبال للغاز الطبيعي المسال، ولدى الكويت ودبي بالفعل محطة. من السخف تماماً أن تقوم هذه الدول باستيراد الغاز الطبيعي المُسال — الذي يُكلّف الكثير لإنتاجه ونقله وإعادة تدويره — عندما يكون بإمكانها الحصول على الغاز الرخيص مباشرة من خطوط الأنابيب القصيرة إلى قطر.
المملكة العربية السعودية، التي تحتاج إلى المزيد من الغاز لتغذية توسّعها الإقتصادي، تُنفق مبالغ كبيرة لزيادة الإنتاج من التشكيلات الغازية الضيقة، فيما يُمكنها الحصول على غاز أرخص بكثير على بعد بضعة كيلومترات. ويمكن لدولة الإمارات توسيع خط أنابيب دولفين وتوفير الغاز منخفض التكلفة لجميع الإمارات، بدلاً من إستثمار عشرات المليارات في محطات جديدة للغاز الطبيعي المُسال.
ويُمكن للكويت أيضاً الإستفادة بشكل كبير من الإرتباط في مجال الغاز الطبيعي المسال مع قطر. لقد حاولت الكويت الحصول على تمويلٍ لخط أنابيب قطر- الكويت في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، لكن خط الأنابيب قد تمّ رفضه ونقضه من قبل الرياض، التي كانت تخشى بالفعل نفوذ الدوحة في المنطقة. لدى الكويت القليل جداً من الغاز وليس من المرجح أن تحصل على كميات كبيرة من إيران أو العراق، اللتين لديهما الغاز ولكن لا قدرة لهما على تصديره بكميات كبيرة إلى الكويت. يُمكن تخفيف حدة التوتر إلى إعادة النظر في نزاع خط أنابيب قطر – الكويت مع المملكة العربية السعودية.
مصر من جهتها، التي كانت سابقاً مُصدِّراً صافياً للغاز الطبيعي المسال، صارت في السنوات الخمس الماضية مستورداً صافياً. ومع ذلك، تقوم شركة النفط والغاز الإيطالية “إيني” الآن بتطوير حقل غاز “ظهر” في المياه المصرية شمال الإسكندرية، لذا من المتوقع أن توقف القاهرة جميع وارداتها من الغاز الطبيعي، الأمر الذي لن يترك إلا القليل للتصدير. وعلى هذا الأساس لا تؤثر أزمة قطر في احتياجات وسياسات الطاقة في مصر.

• جان فرانسوا سيزنيك هو أستاذ مساعد في كلية ماكدونو لإدارة الأعمال في جامعة جورجتاون، وكذلك في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز. لديه 25 سنة من الخبرة في الأعمال المصرفية والمالية الدولية، حيث أمضى عشراً منها في الشرق الأوسط.
• كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى