تشاؤم مُبرَّر

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

لستُ عادةً من المتشائمينً، بل يعتبرني محيطي شخصاً متفائلاً بالسليقة أو حتى بالفطرة، ولكني هذه المرة أشعر بشكل مفرط باالتشاؤم … وتشاؤمي هذا ينطلق من عنصرين إثنين:
الأول سببه الوضع الإقتصادي والإجتماعي ليس فقط المُتردّي والذي يزداد تردياً يوماً بعد يوم، والذي لا يكفي معه تأكيد الحكومة ولا الخبراء أن هناك بصيص ضوء، باعتماد إرتعاشة في نسبة النمو بحدود 2.5% تقل أو تزيد قليلاً وعلى مدى ثلاثية وحيدة، قد تصحّ وقد لا تصحّ في الثلاثية الموالية، وهي لا تصح عادة إلا بعد 4 ثلاثيات. بل لا بدّ أن يتأكد الأمر وأن تتدعّم نسبة النمو فتصل إلى 4 أو 5 في المئة، ليعود الإقتصاد إلى نسقه ما قبل الثورة، ويستطيع أن يوفّر ما يحتاجه من إستثمارات معقولة، وإدّخار طبيعي، وفُرَص عمل قادرة على إستيعاب العمالة الجديدة الوافدة، هذا مع تحسّن أوضاع المالية العمومية التي تُعتبر شوكة ليس في رِجل الإقتصاد التونسي فحسب بل في حلقه أيضاً.
أما العنصر الثاني فهو الوضع السياسي المُنذر بكل الأخطار، والمُعرقِل لأي إصلاح:
إن دواليب الحكم مُعطّلة عطالة قصوى، فوضع الحكومة الذي هو بين الذهاب والبقاء لا يمكن أن يوضّح الصورة، أو يُعطي أملاً لأي كان، فالبلاد في حالة إنتظار قلق لما ستسفر عنه المعركة التي تبدو أنها بلا نهاية، هل ستبقى الحكومة أو تذهب؟ ومَن مِن الوزراء سيجلس على كرسيه بعد أسبوع أو شهر؟ ومن سيطير كالصاروخ ليحل محله وزير جديد يُفترَض أن يقضي أشهراً لا فقط لاستيعاب متطلبات كرسيه، ولكن لرد الفعل إزاء إحتمالات كل ما يجري من عمل أو مناورات لإقالته لأخذ مكانه؟ هذا فضلاً عن رئيس حكومة في الأرجوحة بين مُطالبين بذهابه ومُطالبين ببقائه، وحزب حاكم لا هو في العير ولا في النفير، رأسه مدير تنفيذي فجّر حزبه ويواصل تحت رعاية أبيه وضع البلاد على فوهة بركان.
تونس اليوم دولة، إن صحّ التعبير، بلا قرار، وبلا سلطة حقيقية وبلا وضوح رؤية، بحكومة مغلولة الأيدي نصف وزرائها ينتظرون اليوم الذي يُقالون منه أو لا يُصرَفون، والنصف الآخر من الوزراء لا يعرفون إن كانوا من الباقين، إن بقوا، وأي حقائب ستكون في متناولهم، وحتى الأحزاب و بعض قياداتها تدعو لإقالة وزراء منها، بعضهم عن طمع في منصب، وبعضهم لمعاداة لمَن كانوا وزراء معهم ولم ينالوا في تشكيلة لاحقة “شرف” الوزارة.
كيف للمرء أن يكون متفائلاً في مثل هذه الأوضاع، وهو يرى السفينة تغرق بنا جميعاً، من رئيس البلاد إلى رئيس الحكومة والوزراء، والأحزاب الحاكمة وغير الحاكمة، والشعب يعيش في تلاطم أمواج، كما كان قارب قرقنة الذي ضلّ طريقه ونحن كلنا صورة مُكبّرة منه، لذا في هذه الحالة المريرة ليس أمام المرء إلّا أن يكون متشائماً وفي أشد حالات التشاؤم.

• عبد اللطيف الفراتي هو كاتب وصحافي تونسي مخضرم. كان سابقاً رئيس تحرير صحيفة “الصباح” التونسية. تستطيعون التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى