هل يستطيع محمد بن سلمان إصلاح الدفاع والأمن في السعودية لمواجهة إيران؟

فيما أعلن ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان عن خطة لإصلاح النظام الدفاعي والأمني في البلاد لمواجهة التهديد الإيراني في المنطقة، فإن خبراء كثيرين يقولون بأن الجهود التي تبذلها السعودية لإصلاح قواتها المسلحة قد تكون مرتبطة بالسياسة والعلاقات العامة أكثر منه بالتغيير الجوهري.

الحرس الوطني: هل يبقى مستقلاً؟

بقلم نيل بارتريك*

التغييرات التي أجرتها المملكة العربية السعودية في قطاعها الدفاعي والأمني، والتي شملت حتى تاريخه تعيين قيادة عسكرية جديدة، وتجنيد ضباط جدد وفقاً لخطة موضوعة، وإقتراح إنشاء مقرٍّ لقيادة العمليات المشتركة، تهدف ظاهرياً إلى معالجة العجز العملاني. لكن يبدو أن إعتبارات سياسية تُحرّك هذه التغييرات فيما يعمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تثبيت سيطرته على الأجهزة العسكرية والأمنية، الأمر الذي سيعطّل على الأرجح التحسينات المنشودة في العمليات.
لقد عيّن بن سلمان، الذي يتولى أيضاً منصب وزير الدفاع، قائد المجهود الحربي (المحدود) للقوات البرية في اليمن، الفريق الركن الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز، قائداً للقوات المشتركة في شباط (فبراير). ووفقاً لأحد أهداف “النموذج التشغيلي المستهدَف” غير المنشور الذي وضعته وزارة الدفاع السعودية، يجري التخطيط أيضاً لإنشاء مقرٍّ لقيادة العمليات المشتركة. وفهد بن تركي هو، على غرار قائد الجيش وقائد سلاح الدفاع الجوي الجديدين اللذين جرى تعيينهما أيضاً في الوقت نفسه، فريق ركن بثلاث نجوم، لكنه لا يزال أدنى مرتبة من جميع رؤساء الأجهزة. مع ذلك، فإن تعيين فياض الرويلي الذي يحظى بتقدير واسع رئيساً لهيئة أركان القوات المسلحة قد يساهم في بناء قيادة مشتركة للعمليات ذات أسس راسخة، إذ أنه قد يتمكّن من تشجيع باقي كبار القادة العسكريين في السعودية على دعم الإصلاح.
فضلاً عن التغييرات التي طالت بعض كبار الضباط، يُتوقّع أن يساهم تعيين 800 ضابط جديد، وفقاً للخطة الموضوعة للأشهر الثمانية عشر المقبلة، في تحسين الإمكانات العسكرية للبلاد. لكن رتبة النجوم الأربع التي تتمتع بها قيادة هيئة الأركان تُتيح للقوات المسلحة أن تتولى مهمة الإشراف، وليس مهام القيادة العسكرية المركزية. علاوةً على ذلك، إن كبار الضباط مسؤولون مباشرةً أمام وزير الدفاع، أي ولي العهد. في الوقت الراهن، ليس هناك مَن يتولى منصب نائب وزير الدفاع، وقد تم الاكتفاء فقط بمساعد وزير متقدّم في السن نسبياً. وفي إطار التغييرات المقترحة، يُتوقَّع أن يتم تعيين خمسة مسؤولين جدداً في وزارة الدفاع (إثنَان في منصب مساعد وزير، وثلاثة في منصب وكيل وزير) خلال الصيف، على أن تكون لمعظمهم مسؤوليات متفانية في خدمة الوزارة. وقد تم الإنتهاء من إجراء المقابلات للاختيار من بين المرشحين لتولي المناصب الخمسة.
لكن في الممارسة، تبدو هذه الإصلاحات وكأنها محاولة للكشف عن قدرات مُقنِعة في ساحة المعركة إستباقاً للحرب المقبلة، أكثر منه محاولة لتحقيق نصر حاسم في اليمن. فالقوات المسلحة السعودية تتمتع بخبرة ميدانية محدودة – وكارثية إلى حد كبير في ساحة المعركة – كما تبيّن في الإجتياح البري الذي قامت به القوات البرية السعودية في اليمن خلال شتاء 2009-2010. فضلاً عن ذلك، يُنظَر على نطاق واسع إلى سلاح البحرية السعودي بأنه مجرد دعابة، بسبب التقليل من قيمته سياسياً، والشحّ في موارده، وهذا عبثيٌّ نظراً إلى أن التهديد الأكبر للأمن القومي السعودي هو بحري الطابع.
ثمة أسباب سياسية وعملية تدفع بولي العهد إلى الإستمرار في تجنّب نشر القوات المسلحة السعودية على نطاق واسع على الأرض في اليمن. فأعداد الضحايا الذين سقطوا في صفوف العسكريين والمدنيين السعوديين في هذه الحرب أكبر بكثير من الأرقام الرسمية. كذلك يخشى محمد بن سلمان، شأنه في ذلك شأن قادة سعوديين سابقين، إحتمال حدوث إنقلاب في حال كان عدد الجنود المسلّحين كبير. وهذا الخوف هو من الأسباب وراء قيام الأمير عبدالله بن عبد العزيز (الذي أصبح لاحقاً ملكاً) بتأسيس الحرس الوطني السعودي القبلي الطابع قبل خمسين عاماً كقوة أمنية متفانية في خدمة النظام لا تزال منفصلة بالكامل عن القوات المسلحة التي تتكوّن منها وزارة الدفاع. إشارة إلى أنه حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، كان متعب، نجل عبدالله، يتولى قيادة الحرس الوطني.
في الوقت الراهن، يتولى خالد المقرن قيادة الحرس الوطني رسمياً، والمقرن هو عضو متدنّي الرتبة في العائلة المالكة يحظى بالاحترام في صفوف الحرس الوطني بصفته قائد لواء سابقاً، لكن، وعلى النقيض من متعب، يُعتبَر مصدراً مستبعداً للمقاومة ضد ولي العهد في حال رغِبَ في تجاوُز الاستقلالية الذاتية التي يتمتع بها الحرس الوطني. يتم راهناً الحفاظ على هذه الاستقلالية عبر الفصل بين الحرس الوطني ووزارة الدفاع، كوزارتَين: وهذا وضع مفيد في حال تعرُّضت سلطة محمد بن سلمان للتهديد من الداخل. علاوةً على ذلك، قد يُبدي محمد بن سلمان حذراً من الذهاب بعيداً في الضغط على جهاز قبلي نافذ لا يزال يحتفظ بمخلّفات ولاءٍ لأسرة عبدالله.
الحرس الوطني هو أكثر مقدرة من القوات البرية الملكية السعودية، لكن على غرار حرس الحدود الذي تديره وزارة الداخلية، يتعرض الحرس الوطني أيضاً “للإنهاك” في اليمن، وفقاً لمراقب غربي مرموق. يخوض الحرس الوطني، شأنه في ذلك شأن حرس الحدود والقوات البرية الملكية السعودية، “مناوشات” في الجانب الآخر من الحدود مع اليمن، وكذلك تدخّلات أكثر نظامية في شمال اليمن. في حين أن الحرس الوطني يؤدّي دوراً فاعلاً في الحفاظ على النظام السعودي (والنظام البحريني)، إلا أن إفتقاره إلى الخبرة في ساحة المعركة، فضلاً عن الإمكانات التي تتمتع بها الميليشيات اليمنية، تؤدّي إلى إضعاف قدراته في اليمن، وهو ما يحصل أيضاً مع القوات المسلحة السعودية الأخرى.
الواقع إن الحديث عن العمل المشترك لفروع القوات المسلحة يطرح في المملكة سؤالاً حول ما سيفعله محمد بن سلمان بالحرس الوطني، وما إذا كان الالتزام بإرساء قيادة فاعلة لهيئة الأركان هو في الواقع ذريعة لتجريد الحرس الوطني من قدر كبير من القوة العسكرية المنافِسة التي بناها لنفسه. لكن لو كان بن سلمان ينوي فعلاً إستيعاب الحرس الوطني بكامله في وزارة الدفاع، لكان إستطاع فعل ذلك بعد إبعاد الأمير متعب في تشرين الثاني (نوفمبر). إن الحرس الوطني يحتاج إلى إصلاح واسع، لكن بمعزل عن التقاعد الروتيني والمؤشرات عن مغادرة بعض الضباط المتوسطي الرتبة صفوف الحرس الوطني، لا يزال كبار الضباط، وحتى المدير المدني في عهد الأمير متعب، يحتفظون بمناصبهم. ومع ذلك، يمكن تجريد الحرس الوطني – بغض النظر عن هوية قائده – من بعض معدّاته القيّمة مثل مروحيات “أباتشي” و”بلاك هوك”.
في الوقت الراهن، لا يزال الحرس الوطني يستنسخ بعضاً من وظائف وزارة الدفاع، مع إستمرار الإنفاق الاستراتيجي من دون قيود، بما في ذلك على تعزيز ألوية الآليات المدرّعة الخمسة وألوية الجناح الجوي الثلاثة التابعة له، والتي يمكن أن تكون أكثر فائدة في الحرب لو نُقِلت إلى وزارة الدفاع. ويستمر هذا الإنفاق على الرغم من أن أي عملية شراء واسعة تتطلب موافقة وزارة المالية في إطار حملة مكافحة الفساد التي أعلنها محمد بن سلمان. على ضوء ما تقدّم، والمجموعة الواسعة من التغييرات على صعيدَي التنظيم وفرق العمل في مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية، أصبحت السلطة مركزية إلى درجة كبيرة في ظل القيادة شبه الحصرية لمحمد بن سلمان.
على غرار الحرس الوطني، تمتلك وزارة الداخلية إمكانات عسكرية، لكنها غير خاضعة لوزارة الدفاع، كما أنها غير معنية بالمقترحات الراهنة المتعلقة بقيادة هيئة الأركان. وفي مناورة ذكية في إطار السياسة الملكية، عُيِّن الأمير عبد العزيز بن سعود مكان عمه، الأمير محمد بن نايف، في منصب وزير الداخلية، بعدما جُرِّد هذا الأخير من لقب ولي العهد في حزيران (يونيو) 2017، في حين ظلّ والد عبد العزيز، الأمير سعود شقيق بن نايف، محافظاً على المنطقة الشرقية. غير أن مهمة مكافحة الإرهاب البالغة الأهمية نُقِلت من وزارة الداخلية إلى عهدة رئاسة أمن الدولة، وهو جهاز أنشأه محمد بن سلمان في حزيران (يونيو) 2017 ويتبع مباشرةً للملك سلمان. لقد عمل رئيسه، الفريق أول عبد العزيز الهويريني، عن كثب مع محمد بن نايف في وزارة الداخلية في جهود مكافحة الإرهاب. غالب الظن أن تعيينه وتراتبيته يؤشّران إلى ولائه لمحمد بن سلمان، لكن يبدو أن إختياره تمّ بناءً على إلحاح وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، التي إستاءت من قيام محمد بن سلمان بإحداث خلل شديد في هيكلية مكافحة الإرهاب التي بُنيت بعناية شديدة، والتي أدّت ال”سي آي إيه” دوراً أساسياً في تشكيلها.
يتألف جهاز رئاسة أمن الدولة من المباحث النافذة – التي هي بمثابة عيون وزارة الداخلية وآذانها، كما أنها تحوّلت الآن إلى عيون جهاز رئاسة أمن الدولة وآذانه. يقول المتحدث باسم رئاسة أمن الدولة، اللواء بسام عطية، أن الفساد يمكن أن يكون أكثر إيذاءً من الإرهاب في التسبب بإضعاف الدولة. غالب الظن أن المباحث أدّت دوراً ناشطاً في إعتقالات فندق “الريتز كارلتون” في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017. ولرئاسة أمن الدولة ثلاثة فروع من القوات الخاصة أيضاً، منها جناح الطيران الذي من شأنه أن يحقق أداء أفضل في القوات المسلحة النظامية الخاضعة لسلطة وزارة الدفاع، لا سيما على ضوء إعادة التنظيم العسكري المقترح. لقد شرح اللواء عطية أن دور رئاسة أمن الدولة في مكافحة الإرهاب يقتضي أن تكون لديها مثل هذه المجموعة الواسعة من القوات، مع أنه لمّح، في دلالة مهمّة، إلى أنه ربما يلوح التغيير في الأفق. ولجهاز رئاسة أمن الدولة أيضاً عملية متقدمة في الميدان السبراني، وهي واحدة من ثلاث عمليات في مجمل البنى التحتية العسكرية والأمنية السعودية.
على الرغم من إعادة خلط الأوراق، فإن الخطط الكبرى لإجراء إعادة هيكلة جوهرية من أجل منح المملكة قدرات موثوقة تتيح لها الاعتماد على نفسها في ساحة المعركة، في الممارسة وبصفة رادِعة أيضاً، لا تزال، أقله في الوقت الراهن، قيد النظر. صحيح أنه يجري العمل على تعيين عسكريين في سن الشباب نسبياً – بالمقارنة مع أولئك الذين حلّوا مكانهم – غير أن الخطة، العملية والسياسية على السواء، التي من شأنها أن تتيح لهم تحويل تطلعات تحتاج إلى الوقت والإرادة إلى واقع ملموس، لا تزال غير واضحة المعالم. فمركزية السلطة التي يعمل محمد بن سلمان على فرضها، تجعل، وهنا تكمن المفارقة، التغيير العسكري الجوهري أمراً ممكناً، إنما تزيد من صعوبة إتمامه. إذا لم يُقدم قائد سعودي على نقل السلطة إلى قائد عسكري يتمتع بتمكين وصلاحيات حقيقية في القيادة العملانية الفعلية لجميع القوات السعودية التي تؤدّي دوراً عسكرياً، فسوف يظلّ المعنى والجوهر الحقيقيّان لقوة مسلحة سعودية مشتركة وذات إمكانات هدفاً بعيد المنال.

• نيل بارتيك هو الكاتب والمساهم الرئيسي في كتاب “السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية: الصراع والتعاون” الصادر بالإنكليزية عن (IB Tauris، الطبعة الثانية، نيسان (إبريل) 2018). إتبعه على تويتر: neilpartrick@.
• عُرِّب هذا التقرير من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى