هل ماتت الديموقراطية حقّاً في العالم العربي؟

عندما إندلعت الإحتجاجات في 2011 في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ظن جميع الخبراء بأن هناك ربيعاً عربياً آتياً سيحمل معه الحرية والديموقراطية إلى العالم العربي. ولكن يبدو أن ذلك لم يحدث ولو أن بعض الدول تحاول أن تستعير بعض مراسم الديموقراطية.

الإنتخابات اللبنانية: خطوة في ترسيخ جذور الديموقراطية

بقلم إلين ليبسون*

لقد أصبح من الحكمة القول أن الإنتفاضات الشعبية في الشرق الأوسط في العام 2011 قد فشلت، وأن إحتمالات الديموقراطية الحقيقية في المنطقة أصبحت قاتمة في المستقبل المنظور. إن عودة القيادة الإستبدادية في مصر هي الإنعكاس الأكثر دراماتيكية ل”الربيع العربي”، لكن يُمكن للمرء أن ينظر إلى اليمن أيضاً، حيث أدّى التحوّل السياسي المهتز في وقت لاحق إلى عودة البلاد إلى الحرب الأهلية، أو بالطبع سوريا، حيث تبدو الإحتجاجات السلمية في الأيام الأولى للإنتفاضة التي قُمعت بوحشية من قبل نظام الأسد كأنها ذكرى بعيدة في الحرب الأهلية المستمرة.
هناك إضطراب عرضي في المغرب أيضاُ، حيث لم يظهر بعد نظامٌ مُتعدّد الأحزاب عملياً. وتونس، الديموقراطية الوليدة الوحيدة التي ما زالت مستمرة بعد الإطاحة بالديكتاتور زين العابدين بن علي في العام 2011، ما زالت هشّة، بعد أن عجزت عن ترجمة المزيد من الحرية السياسية إلى إزدهار تمسّ الحاجة إليه.
لكن شهر أيار (مايو) مليء بخطواتٍ مثيرة للإهتمام، وإن كانت تدريجية، على الطريق الطويل المؤدي إلى مزيد من الانفتاح السياسي في العالم العربي.
إن الأمر يتطلب بعضاً من الرياضة الذهنية للتحرّك والإنتقال من وجهة نظر مظلمة صارمة للشرق الأوسط ونزاعاته المستعرة إلى شيء أقل قساوة ويأساً. لكن يبدو “الربيع العربي” وكأنه دراما طويلة الأمد لم تصل بعد إلى الفعل النهائي. لا يزال التأثير الدائم لهذه الحركات الإحتجاجية داخل رؤوس الشباب العرب الذين يكتشفون طرقاً أكثر تنوّعاً للتعبير عن أنفسهم من خلال وسائل التواصل الإجتماعي وأشكال أخرى من النشاط عبر الإنترنت. وبينما لا توجد منافذ سياسية رسمية في العديد من البلدان العربية، من المغرب إلى العراق، يحدث تغيّرٌ تدريجي في كيفية حصول المواطنين على صوتهم وإيصال مطالبهم إلى الدولة.
إن عملية الإصلاح في المملكة العربية السعودية، تحت إشراف ولي العهد الطموح، الأمير محمد بن سلمان، تتعلّق بالفضاء الإجتماعي والإقتصادي أكثر من الحقوق السياسية. حتى الآن، حظي الأمير بدعم الشباب السعودي بعدما سمح بممارسة أنشطة مُحرَّمة سابقاً، مثل دور السينما العامة والنساء اللواتي يقدن السيارات. ربما هذه الحريات المتواضعة نسبياً سترضي بعض الناس في بعض الأوقات، لكن الأرجح أن الشباب السعودي، بمن فيهم أولئك الذين يدرسون في الخارج، سيتوقعون في نهاية المطاف المزيد من الإصلاحات الطموحة.
في مملكتين أخريين في الأردن والمغرب، حاول كل من النظامين إدارة التوازن بين تقديم المزيد من الانفتاح على مواطنيه المُتذَمِّرين مع الحفاظ على التقاليد بأن الملوك فوق أي إنتقاد أو لوم. في كلا البلدين، تحرص الأحزاب السياسية على المدى الذي يُمكنها أن تصل إليه في الاختلاف مع السياسات الملكية. عندما تصبح الأمور صعبة، يُمكن للملك أن يُقيل رئيس الوزراء ويحلّ آخر مكانه، بدلاً من إلقاء اللوم على نفسه. لكن البرلمانات الأردنية والمغربية والأحزاب الموجودة داخلها لا تزال تستوعب بعض مطالب المواطنين كي يكون لهم صوت.
قد لا تكون الإنتخابات التي جرت في ثلاثة بلدان عربية هذا الشهر من المعالم المهمة، ولكن لا ينبغي إغفالها أيضاً. تشكل المنافسات الانتخابية عاملاً واحداً فقط في بناء ثقافة ديموقراطية حقيقية، وكان العراق دليلاً على أن إجراء الانتخابات في وقت مبكر جداً بعد التغيير المُزعج لا يحقق الإستقرار أو التوافق الوطني. ولكي تكون الانتخابات حرة ونزيهة، يجب أن تكون هناك ممارسات مؤسسية أخرى، وأن يثق بها الناخبون. وفي المقابل، يحتاج هؤلاء الناخبون إلى الحصول على معلومات كافية وإدراك ذاتي لدورهم الجديد في إختيار الحكومة لجعل عملية التصويت عملية مفيدة ومثمرة.
أجرت تونس أول إنتخابات بلدية حرة في السادس من أيار (مايو) التي تأجلت منذ سقوط بن علي في أوائل العام 2011. وكان المزاج السائد بين الناخبين مُزعجاً، حيث أظهر العديد من التونسيين علامات فقدان الأمل بشأن وعد الديموقراطية. وأشارت االنتائج إلى حصول المستقلين على 32% وحزب النهضة الإسلامي 29% وحزب “نداء تونس” على 22% من الأصوات. لقد تباطأت الحكومة والبرلمان في مرحلة ما بعد بن علي في العمل على الإصلاحات الاقتصادية التي كانت مطلوبة بشدة والتي من شأنها أن تُقلل الإعتماد على القطاع العام وخلق فُرصٍ للمدن المهملة في المناطق الداخلية الفقيرة في تونس، حيث إستجاب الكثير من الشباب التونسيين لنداء صفارات التطرف الاسلامي.
ومع ذلك، فإن الانتخابات هي علامة على تقدّم بطيء، وكذلك حقيقة أن أعضاء الجيش والشرطة سُمح لهم بالتصويت لأول مرة، على الرغم من أن الاقبال من قبل أفراد الأمن كان منخفضاً جداً؛ إن تطوير ذلك الشعور بالمسؤولية كمواطنين سوف يستغرق بعض الوقت.
وفي 6 أيار (مايو) أيضاً، أجرى لبنان إنتخابات برلمانية لأول مرة منذ العام 2009 – ومع قانون تمثيل نسبي جديد. في حين إحتفظ القانون بمفهوم تقاسم السلطة على أساس الهوية الطائفية التي توزع نصف مقاعد البرلمان البالغ عددها 128 للمسيحيين والنصف الآخر للمسلمين – وهو أمر أساسي للنظام الطائفي القائم منذ إستقلال لبنان – فقد فتح أيضاً خيارات للناخبين من خلال السماح لهم التصويت للأفراد الذين قد لا يكونوا في أعلى قوائم الأحزاب. كما سمح للكثير من اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج بالتصويت لأول مرة. وقد ضم البرلمان الجديد سيدة (بولا يعقوبيان) من منظمات المجتمع المدني، التي لم يتم ترشيحها من خلال نظام الأحزاب التقليدي الذي تُحركه المحسوبية.
من جهتهم ذهب العراقيون بدورهم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس تشريعي جديد في 12 أيار (مايو). وقد جرت الحملة الانتخابية العراقية بحماسة شديدة من كل الأطراف، مع منافسات وتحالفات جديدة. وفيما فاز مقتدى الصدر بأكبر عدد من النواب (52) فإن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي حلّ تكتله في المرتبة الثالثة ما زال يتمتع بفرصة جيدة لرئاسة الحكومة لفترة أخرى. وبسبب إستفتاء العام الماضي على الاستقلال المثير للجدل في المنطقة الكردية في شمال العراق، يعتقد الكثيرون أن الكتلة الكردية في البرلمان فقدت بعض نفوذها في السياسة العراقية. عندما كان السياسيون السنة والشيعة على خلاف، كانت الشخصيات الكردية البارزة في كثير من الأحيان هي العازلة، أو مصدر الحل الوسط.
لا تمثّل أيٌّ من هذه الانتخابات مَعلماً رئيسياً في التطور الديموقراطي لتونس أو لبنان أو العراق ، لكن كل تصويت لا يزال يمثل خطوة في ترسيخ جذور الديموقراطية. بعد كل شيء، لم يتم تحديد أيّ من نتائجها مُسبقاً. والطريقة التي يتصرّف بها الناخبون ـ من الحضور والظهور إلى وضع علامات على أوراق الاقتراع ـ تنطوي على عنصر المفاجأة، وهو مؤشر جيد. ليس كل المواطنين مقتنعين بأن تصويتهم سيُحسّن حياتهم بشكل مباشر، لكن الكثيرين يُدركون أن لديهم مسؤولية المشاركة، ويفتخرون بهذه الفرصة.
والأكثر من ذلك هو أن الحق في التصويت يتوسّع، من ضباط الشرطة والجيش في تونس إلى الشتات اللبناني الكبير، وأن التحالفات السياسية ليست ثابتة. يبدو أن الكتل الجديدة آخذة في الظهور في العراق، بما في ذلك بعض التحالفات بين الطوائف. وقد ترشح تونسي يهودي على قائمة الحزب الإسلامي. هذه علامات تغيير صغيرة، بالتأكيد، ولكنها تذكير مفيد بأن المواطنين في الدول العربية يقومون بدورهم لبناء ثقافات سياسية أكثر إنفتاحاً وشمولية.
لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعيّن القيام به، والإنتخابات وحدها ليست كافية. في أماكن أخرى من العالم، تكثر المخاوف من تآكل الديموقراطية. وقد سأل آخر غلاف لمجلة “فورين أفّيرز”: “هل أن الديموقراطية تموت؟”. هذا الأمر لم يكن وارداً في هذا الشهر على الأقل في ثلاث دول عربية.

• إلين ليبسون تدير برنامج الأمن الدولي في كلية “شار” للسياسة والحكومة بجامعة جورج ميسون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى