هل وقع دونالد ترامب في فخ؟

يبدو أن المحافظين المتشددين في الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بالنسبة إلى الاتفاق النووي مع إيران لم يتركوا أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب سوى خيار واحد، ألا وهو الحرب.

الرئيس حسن روحاني يستقبل فيديريكا موغيريني: أوروبا مصرة على إبقاء الإتفاق النووي مع إيران ولكن…

واشنطن – محمد زين الدين

في الوقت الذي تتكيّف غالبية الدول حول العالم مع قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة، الصفقة النووية مع إيران، فإن العديد منها يُدرك من دون شك أن هذا المسار الأميركي لن يؤدي سوى إلى الحرب.
عندما إنتهت إدارة باراك أوباما من خطة العمل المشتركة الشاملة، كانت هناك إنتقادات مُبرَّرة لما حدث. لم تتم معالجة مسألة الطموحات الإقليمية الإيرانية، على إفتراض أنها كانت ستُفشِل المفاوضات حول الصفقة النووية من دون أي مكاسب ملموسة. وفَهِم آخرون أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يتصوَّر الصفقة كجزء من عملية أوسع تعترف بحصة ودور إيران في الشرق الأوسط وتخلق نظاماً إقليمياً جديداً يُبرّر فك الارتباط والإنسحاب الأميركي من المنطقة.
بعد كل شيء، لقد كان الرئيس السابق هو الذي قال لجيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة “أطلنتيك”، في مقابلتهما الطويلة في نيسان (إبريل) 2016: “إن المنافسة بين السعوديين والإيرانيين – التي ساعدت على تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن – تتطلب منا أن نقول لأصدقائنا وكذلك للإيرانيين أنهم بحاجة إلى إيجاد طريقة فعّالة للتواصل والمشاركة كجيران وإقامة نوع من السلام البارد”.
من المؤكد أن ذلك لم ينجح بشكل جيد، لأنه لا يمكن إنكار أن الإتفاق النووي قد حرّر المال الذي إستخدمته إيران لتمويل أجندتها لتوسيع نفوذها الإقليمي. وعلى الأخص، ساعدها ذلك على تمويل عملياتها العسكرية الجارية في سوريا والداعمة لنظام الأسد.
لكن في حين أن النقاد ربما كانوا على حق في تحليلهم لخطة العمل المشتركة الشاملة، فقد كانوا مخطئين في الدعوة إلى إنسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية. السبب بسيط: في غياب إحتمال التوصل إلى إجماع حول كيفية إعادة كتابة الوثيقة – التي تبدو خيالية اليوم – فإن النقاد يُحرِّكون أميركا في إتجاه واحد، باتجاه مواجهة عسكرية مع إيران حول القضية النووية. لن يعترفوا بذلك، ربما لأن ترامب لا يبدو حريصاً على بدء حرب أخرى في الشرق الأوسط. لكن على الرئيس الأميركي أن يدرك أن هذا هو بالضبط ما سيقود إليه توجهه في نهاية المطاف.
المنطق بسيط. ستبقى إيران في خطة العمل الشاملة المشتركة طالما أن هذه الخطة تستحق ذلك وتُفيدها. ولكن، من المرجح أن تفرض إدارة ترامب عقوبات على الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع إيران لمنع الجمهورية الإسلامية من الاستفادة منها. إن الإيرانيين، الذين سيرون عندها أن الإتفاق النووي لم يعد يوفّر لهم مزايا، سوف ينسحبون ويريدون إستئناف تخصيب اليورانيوم. عندها ستقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بتصعيد الضغط وسيتعيّن آنذاك على ترامب، أو خلفه، أن يقرر كيفية التصرّف. وبما أن إيران قامت في السابق بتخصيب اليورانيوم في ظل العقوبات، فمن المرجح أن تفعل ذلك مرة أخرى في المستقبل. وقبل إنقضاء فترة طويلة سوف تجد واشنطن نفسها مع القليل من البدائل الأخرى غير الاتفاق على صفقة جديدة، والتي سترفضها طهران نظراً إلى سلوك أميركا الأخير في ما يتعلق بخطة العمل المشتركة الشاملة، أو أن لا تفعل شيئاً بشأن التقدم النووي الإيراني، أو مهاجمة إيران.
يجب على أولئك الذين دفعوا للتخلّي عن الإتفاق النووي مع إيران أن يعلموا أن هذا هو المكان الذي ستقود إليه مساعيهم، لأن الرئيس الأميركي لم يُحدّد خطة “ب” بعد قراره. إن ترامب ببساطة إنسحب، وترك نفسه في موقف لا يستطيع التراجع عنه. نعم، إنه سيفرض عقوبات تجعل الأمر مُكلفاً بالنسبة إلى إيران لتمويل إنعاش برنامج نووي أو عملياتها الإقليمية، لكن هل هذا سيُغيِّر سلوكها؟ لم يعد الشعب الإيراني مستعداً للتخلي عن الزبدة مقابل بنادق، نظراً إلى المشاكل الاقتصادية التي يعانيها البلد، ولكن هل أن نصره أكيد؟ إن جهاز إيران القمعي شاسع، بحيث أن مراهنة ترامب على ثورة من الداخل ليست مثالية كسياسة.
وهذا لا يترك سوى الخيار العسكري لضمان عدم قيام إيران ببناء سلاح نووي. ومع ذلك، ليس الأمر كما لو أن الإيرانيين لم يستعدوا لهذا الاحتمال. إن منشآتهم النووية محمية بشكل جيد، والصواريخ التي قدموها إلى “حزب الله” في لبنان موجودة للعمل كرادع لأي خطة لقصف إيران. لدى الإيرانيين الكثير من الوسائل الأخرى للرد على الولايات المتحدة وإسرائيل، ويمكننا التأكيد من أنهم سيستخدمونها. كما لا يوجد ضمان بأن تنجح الضربة العسكرية، أو أن إيران لن تعيد بناء برنامجها النووي. الأسوأ من ذلك، أن ترامب قد صنع تشويشاً في تحالفاته، وأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها معزولة بينما تبني قضيتها لضرب إيران.
هذا قد لا يهم المتشددين بالنسبة إلى الإتفاق النووي، ولكن ينبغي أن يقلقهم. إذا كان كابوسهم هو إيران النووية التي هي أيضا قوة إقليمية، فقد يكونون قد ساعدوا على جعل ذلك أمراً واقعاً. وقريباً، قد لا يكون هناك أي شيء لاحتواء البرنامج النووي الإيراني، ولا يوجد أي فريق عالمي للتخطيط والتشغيل ليكون بمثابة رافعة يمكن أن تؤثر في سلوك الحكام في طهران. لقد مزّق ترامب إتفاقاً، على الرغم من كل عيوبه وعلّاته، وفّر وفرض بعض القيود على النظام الإيراني، مقابل وضعٍ قد لا يُقدّم أي شيء على الإطلاق.
المُتغير المجهول هو ترامب نفسه. وبحسب ما يتناقل المقربون منه فإن الرئيس لا يحب أن يقع في شرك خيارات سيئة. لكنه قد يكتشف قريباً أن مَن حوله لم يفعلوا إلّا ذلك بالضبط، فيما هم يوجهون الولايات المتحدة نحو العمل العسكري ضد إيران. إذا رفض ترامب مناشداتهم، فقد يعني ذلك العيش مع إيران النووية. وإذا أيّدهم، فقد يجد نفسه في حرب جديدة في الشرق الأوسط، وهو شيء أشارت إليه تصريحاته الأخيرة بشأن الانسحاب من سوريا بأنه لا يريده. الواقع إن الرئيس الأميركي يحتاج إلى باب للهروب الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى