كيف خرقت إيران العقوبات الدولية من … البحرين!

فيما تعمل إدارة دونالد ترامب على إعادة فرض العقوبات وبل زيادتها على إيران بعد إنسحابها من الإتفاق النووي، تبرز قضية معقدة في البحرين تكشف كيف إستغلت طهران علاقاتها الإقليمية لتجاوز العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها من الأمم المتحدة.

الوزير خالد بن أحمد آل خليفة: “كشف التدقيق عن جرائم وإنتهاكات للقانون البحريني والدولي بأبعاد هائلة”

المنامة – سمير الحسيني

كشف محققون أخيراً النقاب عن أدلة تثبت وجود خطة فساد تقدر بمليارات الدولارات قام بها بنك خليجي فارسي ساعدت إيران سراً على تجنب العقوبات لأكثر من عقد، وفقاً للوثائق المقدمة في نزاع قانوني.
وتكشف السجلات من مراجعة الحسابات الحكومية البحرينية أن بنك “المستقبل” الذي أُغلق الآن – وهو مشروع مشترك يملكه جزئياً إثنان من أكبر المقرضين الإيرانيين – غيّر بشكل روتيني الوثائق المالية لإخفاء التجارة غير المشروعة بين الجمهورية الإسلامية وعشرات من الشركاء الأجانب، حسب الوثائق.
ويُزعَم أن البنك أخفى معاملات على الأقل بقيمة 7 مليارات دولار بين عامي 2004 و2015، وهي الفترة التي فُرضت فيها عقوبات على غالبية البنوك الإيرانية منعتها من الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، حسب السجلات.
كما إكتشف مُدَققو الحسابات المئات من الحسابات المصرفية المرتبطة بالأشخاص الذين أُدينوا بجرائم تشمل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلاً عن القروض الوهمية المُقدَّمة إلى الشركات التي تعمل بالسر للحرس الثوري الإيراني، وفقاً لوثائق محكمة سرية سُرّبت.
وقد شبّه المسؤولون البحرينيون البنك بـ “حصان طروادة” المالي الذي يعمل داخل الدولة الخليجية الصغيرة، مما سمح لإيران شراء وبيع سلع بقيمة مليارات الدولارات في تحدٍّ للعقوبات الدولية التي تهدف إلى معاقبة طهران بسبب برنامجها النووي ودعمها لمجموعات إرهابية.
إتهمت البحرين، في الأوراق المقدمة في شباط (فبراير) أمام محكمة تحكيم دولية في هولندا، مسؤولي بنك “المستقبل” ب”مجموعة واسعة من السلوك غير المشروع” مع العديد من الشركاء الأجانب، مضيفةً بأن الأنشطة التي تمّ الكشف عنها حتى الآن من المحتمل أن لا تكون سوى “غيض من فيض”، لأنه يبدو أن العديد من المعاملات قد تم إخفاؤها بذكاء.
“البحرين لم تواجه أبداً إنتهاكات بهذا الحجم”، أكدت المملكة في تلخيص مكتوب لمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي. مضيفةً أنه “لا يمكن التقليل في تقدير التداعيات الناتجة من المخالفات النظامية لبنك المستقبل”.
وكان بنك “المستقبل”، الذي تأسس في العام 2004 كمشروع مشترك بين البنك الاهلي المتحد البحريني ومصرفي ملي وصادرات الإيرانيين، قد إتُّهِم في السابق بمساعدة ايران على تجاوز القيود التجارية والتفلت منها وهي إدعاءات قادت مسؤولين أميركيين وأوروبيين الى وضع البنك على القائمة السوداء ومنعه من إستخدام نظام مراسلة الدفع الإلكتروني الدولي المعروف باسم “سويفت” (SWIFT). وقد وضع البنك الأهلي أسهمه في بنك “المستقبل” في صندوق إئتماني (تراست) خفي في العام 2008.
وتنبع الاتهامات الجديدة من تحقيق مُكثَّف بدأ بعدما أغلق المنظمون البحرينيون البنك رسمياً في العام 2015. وقد دفع الإغلاق المساهمين الإيرانيين في بنك “المستقبل” إلى تقديم شكوى في لاهاي تتهم البحرين بإغلاق البنك بشكل غير مناسب وغير قانوني ومطالبته بإعادة الأصول المُجمَّدة.
رداً على ذلك، قدّمت البحرين مئات الصفحات من نتائج التدقيق في الحسابات التي ترسم صورة لمؤسسة مالية تعمل أساساً “بهدف الإخفاء والكتمان والتمويه”، كما تقول الوثائق، مما يمنح الشركات الإيرانية إمكانية الوصول السري إلى الأسواق الأجنبية والنظام النقدي الدولي.
وقال وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة في بيان مكتوب: “إن التدقيق كشف عن جرائم وإنتهاكات للقانون البحريني والدولي بأبعاد هائلة”. وقال إن الإجراءات الجنائية جارية في البحرين وأن نتائج التحقيق يجري تقاسمها مع عواصم أخرى، لأنها “ستكون أيضاً مصدر قلق للمجتمع الدولي”.
ومن بين الممارسات التي ورد ذكرها في التقرير هو الاستخدام المنهجي ل”محو وإلغاء البرقيات والمراسلات”، والإزالة المتعمدة أو التغيير في معلومات تحديد الهوية عند تحويل الأموال بين البنوك. وإكتشف المدققون أكثر من 4500 حالة من عمليات إزالة البرقيات والمراسلات قام بها مسؤولو البنك لإخفاء دور إيران كمُرسِل أو متلقٍّ للأموال.
ويبلغ إجمالي الأموال التي تم تغيير حجمها في تلك المعاملات 4.7 مليارات دولار، لكن من المرجح أن يكون المبلغ الحقيقي أكبر بكثير، كما يقول المسؤولون البحرينيون. يبدو أن بعض المعاملات تعرض إلى حالات متعددة من إزالة وإخفاء البرقيات والمراسلات مع بنوك مختلفة، كما قال أحد المسؤولين البحرينيين، “مثل طبقات بصل، مع إخفاء المنشأ بعمق”.
في مئات الحالات، كانت التحويلات المصرفية مصحوبة بتعليمات محددة لتجنب الإشارات إلى إيران أو القوانين المصرفية الإيرانية.
“لا تذكر [رمز] اسم البنك الخاص بنا، أو رقم البنك، في أي رسالة توجه عبر الولايات المتحدة والأفضل ألّا تتوجه عبر نيويورك”، تم القول للمسؤولين في بنك المستقبل وتوجيههم في إحدى الرسائل من بنك ملي الإيراني.
وكانت بنوك أخرى في السابق، بما فيها بعض البنوك في الغرب، إنخرطت في عملية إزالة البرقيات والمراسلات من أجل إخفاء المدفوعات إلى البلدان الخاضعة للعقوبات الدولية. في العام 2010 ، فرضت إدارة باراك أوباما غرامة قدرها 298 مليون دولار على بنك باركليز البريطاني العملاق لاستخدامه عملية إزالة البرقيات والمراسلات لإخفاء 500 مليون دولار من المعاملات المالية مع إيران.
بالإضافة إلى المبلغ المحسوب عن طريق إزالة البرقيات والمراسلات، أخفى المصرف البحريني مبلغ 2.7 ملياري دولار في معاملات إيرانية باستخدام بديل غير رسمي من نظام “سويفت” الذي يصعب تتبعه، كما تُظهر الوثائق. كما حدّد تدقيق الحسابات آلاف الصفقات التي إنتهكت مباشرة العقوبات الدولية ضد إيران، وأكثر من 10 آلاف مخالفة للقوانين البحرينية وغسل الأموال، حسبما يزعم المسؤولون الحكوميون. ومن بين الانتهاكات المذكورة 260 حالة فتح فيها البنك حسابات لأشخاص أُدينوا بجرائم مالية مثل غسل الأموال ودعم القضايا الإرهابية.
ووفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين مُطلعين على القضية، فإن هذا الكشف يثير القلق لأنه يشير إلى سلوك خادع مستمر من قبل المسؤولين في البنوك في وقت كان بنك “المستقبل” تحت رقابة شديدة من جانب الوكالات الحكومية الأميركية والبحرينية.
وقال ماثيو ليفيت، المسؤول السابق في إدارة مكافحة الإرهاب بوزارة الخزانة الأميركية ومدير “برنامج ستاين” لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “إذا كنت تقوم بعملية إزالة البرقيات والمراسلات، فإنك تخفي طبيعة المعاملات من المنظمين، وربما حتى من البنك نفسه. ويصبح من الصعب معرفة الأموال التي قد تدعم أنشطة مثل الإرهاب ، أو المؤسسة النووية أو العسكرية لإيران”.
تأسس بنك المستقبل كمشروع إيراني – بحريني في العام 2004 عندما كان القادة البحرينيون يسعون إلى إصلاح العلاقات المتوترة بين مملكتهم الصغيرة والجمهورية الإسلامية، الجارة الأكبر إلى الشمال. ويرتبط السكان الشيعة، وهم الأكثرية في البحرين، بروابط ثقافية ودينية وثيقة مع إيران، لكن العائلة الحاكمة السنية في المملكة تحالفت بشكل وثيق مع مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية.
من جهتهم إتهم المسؤولون الأميركيون المساهمان الإيرانيان، بنك ملي وبنك صادرات، بالمساهمة في تمويل برنامج إيران النووي وما يقولون أنه شبكة إرهابية دولية.
منذ العام 2011، كافحت الحكومة البحرينية لإحتواء حركة مقاومة شيعية تشمل المنشقين السلميين وكذلك المتطرفين العنيفين المسلحين بالسلاح الذين قام محققون مستقلون بتتبعه إلى إيران. اتهمت البحرين إيران مراراً بتأجيج العنف ضد النظام الملكي في البلاد، لكن تصرفاتها لخنق جماعات المعارضة أدت إلى إنتقادات دولية بشأن إنتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان.
أحد الادعاءات الأكثر إثارة للجدل في قضية بنك “المستقبل” ينطوي على رجل دين شيعي ذي صلات وثيقة مع حركات المعارضة. لقد إنتقد المسؤولون البحرينيون بنك “المستقبل” بسبب السماح لرجل الدين الشيعي، الشيخ عيسى أحمد قاسم، بإيداع أموال نقدية بملايين الدولارات على مدى سنوات عدة، وتوجيه بعض الأموال إلى مؤسسة خيرية ربطها مسؤولون بحرينيون بالإرهاب. يقول المحققون الأميركيون إن الكثير من أموال قاسم يبدو أنها كانت تتكون من الأعشار والزكاة التي تم جمعها من المصلين تحت تقاليد شيعية تُعرف باسم الخمس.
وقال مسؤول أميركي سابق مطلع على التحقيق: “إن هذه منطقة حساسة سياسياً، ومن الصعب العثور على دليل قوي على تمويل الإرهاب. لكننا نشاطر القلق من حقيقة أن الأمر ينطوي على ملايين الدولارات التي يجري نقلها وتحويلها بطريقة ليست شفافة على الإطلاق”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى