تونس: قراءة في نتائج الانتخابات البلدية

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

إختارت تونس منذ 2011 أن تعتمد نظام إنتخاب يقوم على النسبية مع أعلى البقايا، وإذا كان ذلك مبرراً بالنسبة إلى مجلس سيتولى التأسيس وكتابة الدستور، فإنه لم يكن مُبَرّراً مُطلقاً لا بالنسبة إلى البرلمان، ومهمته الحكم وإتخاذ القرارات وهو في حاجة إلى غالبية واضحة وفاعلة، وأكثر من ذلك إلى بلديات سنجد اليوم أنفسنا أمام إشكال لتولية رئيس لها، أو لتحقيق حد أدنى من الانسجام والقدرة على إتخاذ القرار داخلها، لإحتمالات إنعدام وجود غالبية مُقرِّرة.
واليوم فإن البلديات المُنتَخبة أخيراً ستجد نفسها في وضع تناقض تماماً مع النتائج المعلنة، فيكون الناخبون قد إختاروا غالبية، وتكون الرئاسات أو القرارات في تناقض مع ما إختاره أولئك الناخبون.
ووفقاً لنظام الاقتراع الذي كان مُعتمَداً منذ الإستقلال وحتى الثورة، فقد إعتمد النظام الجديد نظام إنتخاب يقوم على النسبية مع اللجوء لأعلى البقايا في إنتخابات 2011 و2014، مع إضافة عتبة 3 في المئة تسقط القائمة إذا لم تحققها.
وبذلك فإن الانتخابات الأخيرة إعتمدت نظام إقتراع أعرج، سيُشكّل عبئاً كبيراً على المجالس البلدية الجديدة منذ بدء عملها وبمناسبة إنتخاب رؤسائها.
وباعتبار النظام القديم، فإن القائمة التي تحتل المرتبة الأولى، كانت تفوز أوتوماتيكياً بكل المقاعد في بلدية مُعيّنة، ما يعطيها أريحية في تسيير أعمالها ويكون رئيس المجلس البلدي هو طبيعياً رئيس القائمة المُنتخَبة.
ولكن وباعتبار نظام الاقتراع الذي لا يصلح بالذات للانتخابات البلدية خصوصاً باعتماد التصويت على القائمات، فإن السير البلدي سريعاً ما سيصطدم بأوضاع عسيرة على الحل، بل تكاد تكون مُستعصية، أو تكون فيها الغالبية في جانب، والقرارات، بخاصة التعيينية، في جانب آخر.
وفي إحصاء حاولنا القيام به إعتماداً على النتائج المُعلنة، فإنه لو كان تمّ إعتماد التصويت على القائمات بالغالبية مثلما كان عليه الأمر قبلاً، لتمّ تصعيد 140 قائمة “نهضاوية” (النهضة) تقريباً ومئة قائمة “ندائية” (نداء تونس) تقريباً، بما يعني أن 110 قائمات لن تكون لا من هذا اللون ولا من ذاك، بل تنتسب إلى مشروع تونس حيث حصل على المرتبة الأولى ولو بأربع مقاعد في بعض الدوائر، أو حزب آفاق أو وبخاصة التيار الديموقراطي وحركة الشعب أو الجبهة الشعبية أو الحزب الدستوري الحر أو الحزب الاشتراكي الذي ترشح في دائرة واحدة أو حزب المبادرة، و كذلك عشرات من القوائم المستقلة الفائزة بعدد كبير من المقاعد في دوائرها ما يؤهل البعض منها لإستلام رئاسة المجالس البلدية، وهي قائمات فائزة لا يعرف المراقب انتماءاتها ولا توجهاتها أو توجهات غالبها ، بحيث إن المجالس البلدية التي تم تصعيدها عبارة في كثير من الأحيان عن حمص وزبيب، فيما أن عدداً منها إقتصرت تركيبتها على حزبين إثنين متساويين في عدد المقاعد بحيث يستحيل فرز رئيس لها لا في دورة أولى ولا في دورة ثانية ولا حتى في دورة المئة، إن لم يتنازل أحد الطرفين طوعاً عن الرئاسة، أو قرروا تقاسم الفترة بينهما مثلاً عامين ونصفاً تكون فيها الرئاسة لهذا الطرف وعامين ونصفاً للطرف الثاني.
هذا فضلاً عن المساواة في عدد المقاعد، ففي حالات كثيرة رصدناها وجدنا تساوياً بين النهضة ونداء تونس في عدد المقاعد، ولكن وجدنا تساوياً حتى بين 3 قائمات وأربع بحيث يكاد يستحيل فض الاشتباك بينها.
نظرياً فإن قائمات النهضة فازت بالعدد الأوفر من المقاعد بـ2135 ، ونداء تونس بـ 1595 مقعداً، ولكن من المؤكد كذلك أنه وفي السباق نحو الرئاسة، ويقدر المراقبون أن مستشاري البلديات الاتحاد المدني وحزب مشروع تونس وبني وطني والحزب الدستوري الحر وربما حزب آفاق سينضوون بصورة أو بأخرى تحت راية نداء تونس ولكن بتفاهمات معينة، وهؤلاء تتراوح أعداد مقاعدهم بين 350 و400 حسب المصادر فإنهم سيعززون صفوف نداء تونس، إضافة إلى المجهول من بين المستشارين البلديين من “المستقلين” الحقيقيين الذين لا يعرف عددهم أحد. ويقال إن عدداً منهم لا يمكن حصره هم من المنسلخين من نداء تونس، وربما يعاودهم الحنين إليه، وربما يكونون موتورين منه، وفي الحالة الأولى سيصوّتون لفائدة الندائيين أو يحتفظون بأصواتهم عندما يحيــــن وقت التصويت على الرئاسات، وفي المقابل يقدر عدد من المراقبين إن حركة الشعب ربما تصوّت إن جماعة أو بغالبيتها لفائدة النهضة، كما قد يهز الحنين عدداً من المنتخبين في التيار الديموقراطي (205) إلى أيام الترويكا ويصوّتوا لفائدة النهضة وليس ذلك عاماً، وتتمزق أو يتمزق منتخبو الجبهة الشعبية (259) بين الاحتفاظ بأصواتهم وبين سد الطريق أمام النهضة ومريديها في المجالس البلدية.
وتبقى العين مُركزة على ثلاث مدن كبرى هي تونس العاصمة وصفاقس وسوسة، وتلك وربما غيرها تحتاج إلى تحليل منفرد.

• عبد اللطيف الفراتي، كاتب وصحافي تونسي مخضرم، ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الصباح” التونسية. للإتصال به: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى