النقص في وفرة المياه يُهدِّدُ بنزاع مُسلَّحٍ بين إيران وجيرانها

أدت عقود من إساءة إستخدام مصادر المياه في إيران إلى أزمة شح كبير في المياه العذبة، وقد ساعدت على تعميقها عوامل أخرى مثل الجفاف وإرتفاع درجات الحرارة. وشح المياه مشكلة يشعر بها معظم سكان الجمهورية الإسلامية وكانت من بين العوامل التي أدت إلى موجة الاحتجاجات الأخيرة في بعض المحافظات ضد نظام الملالي، بحسب ما تقوله مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات.

الرئيس حسن روحاني: ممنوع على أي دولة مجاورة بناء سد من دون العودة إلى إيران.

بقلم أحمد مجيديار*

تزايدت مشكلة حدة نقص المياه في إيران وغيرها من التحديات البيئية في الآونة الأخيرة وباتت تُشكّل أزمة. إن ندرة المياه وتلوّث الهواء لم يسببا فقط مشاكل إجتماعية وسياسية وأمنية داخل البلاد بل تسبّبا أيضا في توتر بين إيران وجيرانها. مع إنهيار تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، تُصعِّد إيران وتركيا المنافسة من أجل السيطرة على المياه في المنطقة، في حين أن الجهود المُحتمَلة التي تبذلها طهران للحدّ من تدفق المياه إلى العراق قد تؤدي إلى المزيد من المشاكل في بلاد الرافدين التي مزّقتها الحرب. علاوة على ذلك، إنخرطت طهران وكابول في خلاف علني حول قضايا المياه في الآونة الأخيرة، حيث يتهم المسؤولون الأفغان فيلق الحرس الثوري الإسلامي بتسليح وتدريب جماعات طالبان لتخريب مشاريع السدود والطاقة في غرب وجنوب أفغانستان. ومن عجيب المفارقات هنا، أن إيران تُريد تقييد صادراتها من المياه إلى البلدان المجاورة، في حين تنتقد أفغانستان لبناء سدود كهرومائية تُقلِّل من التدفق الحر لمياه نهر هلمند إلى المقاطعات الشرقية المُتعطِّشة للمياه في إيران.
يُلقي القادة الإيرانيون باللوم على سياسات إدارة المياه التي تتبعها البلدان المجاورة، ووجود القوات الأميركية في المنطقة، والتغيّرات المناخية في مشاكل البيئة الإيرانية المتنامية، ومع ذلك فهم يتجاهلون إلى حد كبير الفساد وسوء الإدارة في البلاد، فضلاً عن السياسات الحكومية الخاطئة المسؤولة عن تدهور الأزمة في جميع أنحاء البلد، ولا سيما في المقاطعات الشرقية والغربية المُتَخَلِّفة. كما ساهم دعم إيران للجماعات المُتشددة والمتطرفة في المنطقة في تفاقم المشاكل البيئية.

تعاون أم مواجهة؟

في 27 شباط (فبراير) الفائت، حذّر المساعد العسكري الأرفع للمرشد الأعلى علي خامنئي من أن تدهور ندرة المياه في المنطقة يُمكن أن يسبب توتراً بين إيران وجيرانها في المستقبل القريب، مؤكداً على أن طهران تُفضّل حل الخلافات حول المياه مع جيرانها من خلال الديبلوماسية بدلاً من المواجهة العسكرية. وفي مؤتمر وطني حول ديبلوماسية المياه في طهران، دعا الجنرال رحيم صفوي إلى “محادثات مفتوحة حول إدارة المياه” مع العراق وأفغانستان وتركيا وبلدان أخرى تتقاسم موارد المياه مع إيران. “نحن لا نريد إستخدام العسكر والقوة الصلبة في هذه القضية. يجب علينا إستخدام القوة الناعمة والديبلوماسية لتعزيز المشاركة المشتركة”، قال في خطابه الذي قد تقرأه بعض الدول الإقليمية كتهديد مستتر. وأشار إلى أن إيران تتشارك في موارد المياه مع 12 دولة مجاورة، وأكد أنه مع تفاقم مشاكل المياه في المنطقة، سيكون هناك المزيد من التعاون أو المواجهة بين إيران وجيرانها في المستقبل.
ووفقاً لصفوي ، فإن حوالي ثلثي إجمالي ال10.2 مليارات متر مكعب تخرج من إيران وتذهب إلى العراق. كما حذر قائد الحرس الثوري السابق من أن وجود “الأجانب” في البلدان المجاورة – في إشارة إلى الوجود العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان – يمكن أن يزيد من تعقيد مشاركة إيران وإنخراطها مع الدول المجاورة بشأن قضايا تنظيم المياه.

التوتر الإقليمي

ليست هذه المرة الأولى التي يُحذِّر فيها مسؤول إيراني كبير من أن التناقص في وفرة المياه والتغيرات في المناخ قد يوتّران علاقات إيران مع جيرانها. في شهر تموز (يوليو) الماضي، إتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني الدول الإقليمية، لا سيما تركيا وأفغانستان، بمفاقمة المشاكل البيئية في إيران والمنطقة الأوسع من خلال بناء سدود كبرى من دون التشاور المُسبَق مع الجمهورية الإسلامية. “إن حقيقة أن الدول المجاورة تعمل على 22 مشروع سد قد تكون لها آثار مدمرة للغاية على نهري دجلة والفرات. ونتيجة لذلك، يُمكن أن تتأثر إيران والعراق والعديد من الدول الأخرى”، قال عن تركيا خلال خطابه في مؤتمر دولي حول معالجة العاصفة الرملية الذي عُقد في طهران. وشدد على أنه “لا يمكن للمرء أن يبقى غير مكترث بالنتائج المضرة لهذه الخطة”.
بالإضافة إلى تركيا، أشار روحاني بإصبعه إلى أفغانستان. “لا يمكننا أن نبقى غير مُبالين بما يضرّ بيئتنا”. مُحذّراً من “أن بناء سدود عدة في أفغانستان – سدود كاجاكي وكمال خان وسلما وسدود أخرى في شمال وجنوب أفغانستان – يؤثر على محافظتي خراسان، وسيستان وبلوشستان”.
وفقاً لروحاني، فإن 80 في المئة من مشكلة العاصفة الرملية في إيران تنبع من خارج إيران. “العراق وسوريا والأردن والكويت والمملكة العربية السعودية وباكستان وأفغانستان وتركمانستان هي من بين البلدان التي تشكل مصدر الغبار والرمل في منطقتنا التي تدخل بلادنا”. وأضاف: “في هذه المنطقة، لا يمكن التصرف بطريقة يمكن لبلد واحد الاستفادة من الموارد المائية وحرمان البلدان الأخرى منها”.

ردود فعل الجيران

وردّت كلٌّ من تركيا وأفغانستان بغضب على تصريحات روحاني. وقال فازلي كورمان، المدير العام لشؤون جنوب آسيا في وزارة الخارجية التركية الذي حضر المؤتمر في طهران، إن بلاده بدأت بناء السدود بعد إجراء أبحاث عميقة وتقييم شامل. وأكد أن أنقرة ليست ملزمة بتقديم “أي ضمانات” إلى طهران في ما يتعلق بمشروعات السدود. “هل تتشاور إيران وتتعاون مع الدول الأخرى عندما تبني السدود؟ هل تُقدّم أي ضمانات؟”. كما دعا طهران إلى عدم التحدث نيابة عن بغداد وأكد أنه إذا كانت هناك خلافات بين تركيا والعراق، فإن البلدين سيحاولان حلّها من خلال المفاوضات الثنائية.
وبالمثل، كان رد فعل الحكومة الأفغانية سريعاً أيضاً على تصريحات روحاني. فقد رفض عبد البصير عظيمي، نائب وزير وزارة الطاقة والمياه الأفغانية، مزاعم روحاني وأكد على أن الحكومة الأفغانية تُدير مواردها المائية على أساس المصالح الوطنية والإتفاقات الدولية للبلاد. وأضاف أن إقتصاد أفغانستان يعتمد بشكل كبير على الزراعة وأن إدارة المياه تساعد البلاد على تعزيز إقتصادها وخفض زراعة الخشخاش وتشجيع الأفغان على عدم مغادرة البلاد. وشدد عظيمي على أنه إذا أرادت إيران أن تكون أفغانستان مستقرة ومزدهرة فلا ينبغي لها أن ترى بناء السدود في أفغانستان كتهديد، بل عليها أن تساعد كابول في مثل هذه الخطط.
وكثيراً ما يتهم المسؤولون في كابول ووسائل الإعلام الأفغانية طهران بمساعدة طالبان على عرقلة بناء السدود المائية وضمان التدفق الحر للمياه الأفغانية إلى إيران. ووفقاً لحياة الله حياة، حاكم مقاطعة هلمند الجنوبية، فإن الحرس الثوري الإيراني قد زوّد طالبان بأسلحة متطورة لتعطيل بعض سدود الأمة حتى يتسنى لطهران الحصول على حصة أكبر من المياه من نهر هلمند.
وقالت جميلة أميني، رئيسة مجلس محافظة فرح، وهي مقاطعة أفغانية على الحدود مع محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، إن الحرس الثوري الإيراني زاد من دعمه لمقاتلي طالبان لمنع تشييد سد باختاباد في الإقليم. وتعاني سيستان وبلوشستان من نقص المياه الذي يتدهور بشكل متزايد، وقد صرح المسؤولون الإيرانيون أخيراً بأن العمل في المرحلة الثانية من سد كاجاكي الذي بنته بريطانيا على نهر هلمند “يثير قلقاً شديداً لإيران” أيضاً.
وبالمثل، فإن آخر تصريح لصفوي قد أثار ردود فعل في وسائل الإعلام العربية. وكتبت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية أن تعليقات مساعد خامنئي تشير إلى أن إيران قد تستخدم المياه “كسلاح” لضمان مصالحها في البلدان المجاورة.

تفاقم المشاكل البيئية

تأتي تصريحات روحاني فيما تغيّر المناخ، وسياسات الحكومة الإيرانية الخاطئة قد أنضبا وجففا موارد المياه في البلاد وأوجدا قضايا بيئية خطيرة. في العام الماضي، إضطر روحاني إلى السفر إلى مقاطعة خوزستان لتهدئة الغضب العام المتزايد بسبب العواصف الرملية وإنقطاع التيار الكهربائي. لطالما تجاهلت الحكومة في طهران خوزستان، وهي مقاطعة غنية بالنفط تقع على الحدود مع العراق وغالبية سكانها من العرب. ولم تفعل الحكومة الكثير لمعالجة المشكلة منذ ذلك الحين. وقد أشار تقرير لل”بي بي سي” هذا الشهر إلى أن تلوث الهواء في خوزستان وصل إلى مستويات “بالغة الخطورة”، مما تسبب في إغلاق مؤقت للمدارس والنزوح الداخلي. كما تجدّدت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في المحافظة. خلال رحلته إلى خوزستان قبل أيام، حذّر صفوي من أن الغضب الشعبي ومشاكل الأمن الداخلي في خوزستان وفي أماكن أخرى من البلاد تشكل ضرراً للأمن القومي الإيراني أكثر من التهديدات الخارجية. وأشار إلى أن المقاطعة تمثل 70 في المئة من موارد النفط الإيرانية وأكثر من 30 في المئة من المياه السطحية وثلث الطاقة الكهرومائية. وبدلاً من تقديم حلٍّ للمشكلة، دعا صفوي الحرس الثوري الإيراني إلى أخذ زمام المبادرة لضمان الأمن والاستقرار في المحافظة.
كانت مشكلات المياه والبيئة أيضاً من بين الأسباب الرئيسية وراء الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة في أنحاء إيران في كانون الأول (ديسمبر) وأوائل كانون الثاني (يناير). وبالإضافة إلى الاحتجاجات، أعلنت الجماعات الانفصالية أيضاً عن وقوع هجمات في الإقليم. في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، زعمت جماعة أنصار الفرقان، وهي جماعة جهادية مقرها إيران، أنها إستهدفت خط أنابيب في خوزستان. وأضافت الجماعة المرتبطة بتنظيم “القاعدة” أنها أنشأت وحدة جديدة يطلق عليها إسم “لواء شهداء الأحواز”. الأحواز (كما تلفظ الأهواز) هي عاصمة خوزستان.
في حين يُلقي المسؤولون الإيرانيون باللائمة على الدول المجاورة بالنسبة إلى المشاكل البيئية الإيرانية، فإن الفساد وسوء الإدارة داخل الحكومة الإيرانية هما مصدراً للوم أيضاً. علاوة على ذلك، بينما ينفق النظام الإيراني مليارات الدولارات سنوياً على برامج الدفاع والجيش وكذلك في الحروب الأجنبية، يتجاهل إلى حد كبير مشاكل بيئية خطيرة تؤثر بشكل مباشر في حياة الشعب الإيراني بشكل يومي.

• أحمد مجيديار زميل ومدير مشروع إيران الجديد في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى