ينتخبون… يتصافحون… ويَـبُـوسون الحمار!

بقلم هنري زغيب*

عشية “الأَحد” الكبير، يوم الانتخابات في لبنان، كُنَّا في جلسةٍ إِخوانيةٍ، نتنقَّل من محطة تلفزيونية إِلى أُخرى، ونتابع الحوارات السياسية الداخلية، والـمهرجانات الانتخابية الخارجية، وجـميعُها تُـمْطر علينا وُحُولَ الوُعُود والعُهُود والتعَهُّدات والالتزامات يُغْدقها أَقطاب اللوائح أَو الـمرشَّحين فيها، أَمام “السادة الـمشاهدين” أَو أَمام مئات الأَغناميين الـمُصفِّقين تَـهريـجًا وتعـيــيشًا ونَطنَطَةً بـيافِطاتٍ وصُوَرٍ وشعارات، مالئِينَ الشوارع والساحات، متنقِّلين من ساحة إِلى شارع إِلى زاروب.
في تلك الجلسة الإِخوانية، تَذكَّرَ أَحدُنا بيَّاعين متجوِّلين كانوا من زمان يَـمُرُّون في الشوارع والساحات بين البيوت والأَحياء والأَزقّة زاعقين بأَعلى الصوت: “معنا صحُون… معنا كبَّايات… معنا فناجين قهوة…”، فَـيَلتَمُّ حولهم ناس الأَحياء والشوارع والأَزقَّة والساحات يَشترون من بضاعتهم، أَو يشيحون عنهم حين يكتشفون أَن بضاعتهم مغشوشةٌ غيرُ أَصلية.
تمامًا كما حصل طيلة الأَسابيع الأَخيرة في جميع مناطق لبنان: مرشَّحون يَزعقون بأَعلى أَصواتهم، بأَعتى أَعصابهم، بأَعمى تَوتُّرهم، منادين إِلى “بضاعةٍ انتخابية” يُدلِّــلُون عليها بكليشيهات كرتونية متكرّرة معلوكة مَـمجوجة متشابهة رتيبة بائِخة، لا يملكون منها شيئًا ولا يُـمكنهم أَن يُعطوا منها شيئًا لأَنها خارج إِرادتهم وطاقتهم ومتناوَلهم، مع ذلك يبيعونها للناس بحفنة عباراتٍ كَيدية يَكيلون بها أَخصامهم السياسيين، واعدِين الناس بالماء والكهرباء والطرقات وحقوق الإِنسان ومحاربة الفساد ووقْف الهدر وتَحسين المعيشة، وهذه بضاعةٌ ليست في يدهم، أَو هي كانت في يدهم ولم يُـحقِّقوا شيئًا منها.
شعاراتٌ… كلماتٌ… صوَرٌ… خُطَبٌ فارغة طنّانة بدون أُسُس، يَدْلُقونها على وجوه أَزلامهم ومحاسيبهم وأَتباعهم الأَغناميين، فيما لا هُم ولا أَغناميُّوهم فاهمون حقيقةَ دور النائب ومهمّته التشريعية وسهره على مراقبة عمل الحكومة، ومحاسبتها وتصويب مسارها في عملية متواصلة يومية دقيقة، مثْبتة بالوقائع لا بالاتهامات، مدعومة بالأَرقام لا بالكيديات، ريثما يستقيمُ الوضع في البلاد، ويخافُ المراقَب (بفتْح القاف) من المراقِب (بكسْر القاف). والـمَهزلة الحاصلةُ عندنا: أَن يكون في الحكومة الحالية 16 وزيراً مراقَـــبًا (بفتْح القاف) مرشَّحين ليكونوا نوابًا مراقِـبين (بكسْر القاف). فهل في غير لبنان يستوي فَـتْحُ القاف وكسْرُها في الشخص الواحد؟
بالعودة إِلى جلستنا الإِخوانية: بين النوادر القديمة عن البيَّاعين الـمتجوِّلين، عبارةُ “تَعَا… وَدِّع”، قاصدين بها أَن يتجمهر الناس حول الحمار كي يُودِّعوا بضاعةً في نهاية موسمها. ولم يكُن السُذَّج من الناس يفهمون مغزى العبارة فكانوا، بكل أَسى الوداع وحسْرة الفراق، يُقْبِلون على البيَّاع يصافحُونه مودِّعين، و… يَــبُــوسُون الحمار.
وأَطرفُ ما نتوقَّعه غداة الانتخابات: أَن نرى الناس يُـلَــبُّون نداء “تَـعَـا… وَدِّع”، فيهرعون إِلى الساحات والشوارع، حاملين أَسى الوداع وحسْرة الفراق، ثم يصافحُ بعضُهم بعضًا، و… يَـــبُــوسون الحمار.

• هنري زغيب شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. للتواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو على صفحته على فايسبوك: www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى