تواطؤ نفطي سعودي – روسي يُثير حفيظة دونالد ترامب

تعمل موسكو والرياض على تمديد إتفاقهما بشأن خفض الإنتاج النفطي والتلاعب بأسواق النفط العالمية لأكثر من عشر سنين مقبلة الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة.

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح مع وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك: إتفاق للتحكم بنصف الإنتاج النفطي في العالم

بقلم جون حنّا*

بالنسبة إلى أولئك الذين يريدون أن يروا حالة حقيقية من التواطؤ الروسي، ينبغي عليهم التحقق مما كان يحدث في أسواق النفط العالمية خلال العام ونصف العام الماضيين. في أواخر العام 2016، “تواطأت” روسيا والمملكة العربية السعودية على خفض العرض ورفع الأسعار. وبالتعاون مع بقية دول منظمة “أوبك”، فقد نجحتا بشكل مذهل. إن الأسعار التي إنخفضت إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل إرتفعت بشكل مطرد في أعقاب الإتفاقية السعودية – الروسية لتخفيض الإنتاج، حيث باتت تحوم حالياً عند مستوى 70 دولاراً للبرميل.
ويُمكن أن ترتفع أكثر. في جولته الأخيرة في الولايات المتحدة، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن هدف المملكة كان تمديد مخططها لإدارة الأسعار مع روسيا لمدة 10 إلى 20 سنة أخرى. وقد إقترح وزير النفط السعودي أن “أوبك” والروس سيواصلان تضييق السوق على الرغم من أنهما نجحا بالفعل في تجفيف تخمة كبيرة من مخزونات النفط الخام العالمية. المسؤولون السعوديون الذين تحدثوا قبل بضعة أشهر فقط عن 70 دولاراً كسقف مُستهدَفٍ لهم للأسعار، يشيرون الآن إلى أنه قد يكون هذا الرقم بدلاً من ذلك الحدّ الأدنى. يبدو أنهم ينظرون الآن إلى 80 دولاراً، مع وجود الكثير من الحديث عن الرغبة بالعودة إلى 100 دولار.
كل هذا يبدو كثيراً وغير مقبول بالنسبة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبينما كان السعوديون يستضيفون “أوبك” والروس في إجتماع عُقد هذا الشهر لإبداء إعجابهم بنتيجة التلاعب بالسوق النفطية، أطلق ترامب رصاصة هادفة. “يبدو أن منظمة “أوبك” تفعلها مرة أخرى”، غرّد على “تويتر” مُصَوِّباً على الكارتل النفطي لتضخيم الأسعار بشكل مُصطنع. “هذا ليس جيداً ولن يتم قبوله!”، متابعاً في تغريدته.
يقول لي حدسي أن الرئيس ترامب يُبيِّت شيئاً ما. قد تستفيد صناعة النفط في الولايات المتحدة من إرتفاع الأسعار بشكل مطرد، لكن التكاليف بالنسبة إلى مصالح أميركية مهمة أخرى قد تكون باهظة. إنه أمرٌ يستحق وينبغي أخذه في الإعتبار – كما هي إستراتيجية لتخفيف مَوَاطن الضعف الوطنية.

إيذاء المستهلكين في أميركا

كان قلق ترامب الرئيسي هو بالتأكيد التأثير الإقتصادي لإرتفاع أسعار الطاقة على المستهلكين الأميركيين. سوف يدفع السائقون مقابل غالون من البنزين هذا الصيف أكثر من أي وقت مضى منذ العام 2014. وتشير التقديرات إلى أنه في المتوسط سوف تُنفق الأسر الأميركية 400 دولار في المضخة في العام 2018 أكثر من عامين فقط. وقد يؤدي ذلك إلى تآكل تأثير التحفيز الذي أحدثته التخفيضات الضريبية الأخيرة التي قدمها ترامب، بل وحتى إلغاء الفوائد الكاملة للأسر منخفضة الدخل. في حين أن هناك على الأرجح مكاناً مثالياً حيث تعزز الأسعار المرتفعة قطاع الطاقة الأميركي من دون تقليص الإنفاق الإستهلاكي، فإن تغريدة ترامب في 20 نيسان (إبريل) الفائت تُشير بوضوح إلى أنه لا يثق في أن يكون السعوديون – وبالتأكيد ولا الروس – حراساً موثوقين لصحة الاقتصاد الأميركي. إنه مُحِقٌّ في ذلك.

تعزيز روسيا وإيران

إن التأثيرات الجيوسياسية لارتفاع الأسعار هي الأخرى مثيرة للقلق أيضاً. ربما يكون هذا تبسيطاً مُفرِطاً، لكن فكرة القيام بأي شيء من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية وتعزيز الاقتصادات المعتمدة على النفط في كل من روسيا وإيران، وهما من أخطر الأعداء الدوليين لأميركا، يجب أن يكون أمراً مقلقاً للغاية. من الصعب إعتبار الخطة جيدة وحميدة إذا كانت تضمن المزيد من الأموال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لتهديد مصالح الولايات المتحدة الحيوية.
ومن الغريب أن هذا يأتي من نظام سعودي يدّعي بكل صراحة أن المرشد الأعلى الإيراني، إذا لم يوضَع ويوقَف عند حده، سيُصبح أكثر خطورة من أدولف هتلر. حتى إذا وضعنا جانباً الغلو، فإن المشروع الإيراني الطويل الأمد لزعزعة إستقرار وإزاحة آل سعود أمرٌ حقيقي وملحوظ – كما هو الأصل الإيراني للكثير من الصواريخ التي يزيد عددها على 100 صاروخ التي قام المتمردون الحوثيون في اليمن بإطلاقها على المدن السعودية ومنشآتها في السنوات القليلة الماضية.
كما إنضمت قوة نيران عسكرية روسية إلى تحالف “ُإجرامي” مع الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في سوريا لدعم الإبادة الجماعية التي يُمارسها نظام بشار الأسد، وقتل مئات الآلاف من أتباع الطائفة السنية المُقرَّبة من السعودية، ووضع إيران على عتبة السيطرة على المشرق.
على مستوى أكثر تكتيكية، فإن توقيت الرسائل السعودية حول الأسعار المرتفعة يُعَدُّ أيضاً مشكلة كبيرة. ليس سراً أنه في الفترة التي تسبق قرار ترامب حول الإتفاق النووي الإيراني في 12 أيار (مايو) الجاري، يدعو السعوديون علناً إلى إنهيار الصفقة وإعادة فرض عقوبات أميركية قوية على طهران. وهذا يعني إستهداف صادرات النفط الإيرانية وإحتمال إزالة 1 إلى 2 مليوني برميل من النفط الخام من الأسواق الدولية في وقت قصير.
ومن المرجح أن يحاول معارضو مثل هذه الخطوة ردع الإدارة من طريق تحذيرها من أن ذلك قد يؤدي إلى إرتفاع حاد في الأسعار وإنكماش في الإقتصاد العالمي. الآن هذا هو بالضبط الوقت الذي تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى السعوديين لتهدئة الأسواق من خلال طمأنة الجميع بأن الرياض لديها التصميم والقدرة على تغطية أي خسارة للصادرات الإيرانية. وبدلاً من ذلك، فإن كبار المسؤولين فيها يمارسون بشكل مُستًغرَب تخفيض الإنتاج وتضييق السوق أكثر. فيما قد يقول الرئيس الأميركي، “هذا ليس لطيفاً أو ذكيًا!”

تقويض الإصلاحات السعودية

بالطبع، من المنطقي أن ينجذب السعوديون إلى صفقة تَعِدُ بإحياء قوتهم السوقية في الهيمنة على أسعار النفط. أولاً، يدّعون أن إرتفاع الأسعار سيساعد على دفع مبادرات الأمير محمد بن سلمان للتحديث الإقتصادي الطموح، وضمان أعلى تقييم ممكن للعروض العامة المُقبلة لأرامكو السعودية، وتمويل التكاليف المتصاعدة لحربهم في اليمن.
من ناحية، قد أكون على إستعداد لقبول هذا المنطق. أنا مؤيدٌ كبير للإصلاحات الداخلية الشاملة التي يقوم بها محمد بن سلمان. لكن إدارة هذه التغييرات التاريخية تتطلب المال، وقد يؤدي إنهيار كامل في أسعار النفط إلى تقويض هذه العملية بشكل خطير.
من ناحية أخرى، هناك علاقة أقوى بين إحتمال إنخفاض أسعار النفط والرؤية السعودية 2030 لمحمد بن سلمان. إن ولي العهد يفعل ما يفعل فقط لأنه يعتقد أن غياب الإصلاح الجذري والتنويع الاقتصادي يضع آل سعود أمام خطر شديد. إن الضغط الاقتصادي الناجم من إنخفاض أسعار النفط هو بالضبط الذي دفع هذا التحديث الشامل في المقام الأول. إذا كان الاتفاق السعودي – الروسي يخفف من هذه الضغوط، أو يبعث حياة جديدة في الحجة القائلة بأن نموذج الدولة الريعية القديم لا يزال قابلاً للتطبيق، فإنه قد يقوّض حتمية الإصلاح.

سياسة الولايات المتحدة

من الصعب أن نرى كيف أن التوصل إلى إتفاق يمنح بوتين وروسيا نفوذاً أكبر على أسواق النفط العالمية سوف يخدم مصالح الولايات المتحدة في المدى الطويل. كان ترامب محقاً في إثارة القضية في تغريدة له – على الرغم من أنه كان من المفترض أن يكون جزءاً من حوار إدارته مع السعوديين منذ اليوم الأول.
لقد كان محمد بن سلمان يائساً لمساعدة الولايات المتحدة ليس فقط لمواجهة التهديد الإيراني في الخارج والتحديث الاقتصادي في الداخل، ولكن أيضاً لإضفاء الشرعية على سعيه للحصول على سلطة مطلقة داخل العائلة المالكة. في مقابل هذه المساعدة، يجب على واشنطن أن تضغط باستمرار على مجموعة مطالبها الخاصة مع السعوديين، بما في ذلك محاربة إيديولوجية الجهاد، وإحتواء العدوان الإيراني، ونعم، عدم التواطؤ مع بوتين على مخططٍ للتلاعب بأسواق النفط العالمية. لقد حان الوقت لأن يتجه جدول أعمال الرئيس الأميركي مع السعوديين إلى ما وراء السعي الذي لا نهاية له لبيع كميات أكبر من الأسلحة المتطورة لهم والتي لا يحتاجونها ولا يستطيعون إستخدامها بفعالية.
وبغض النظر عن السياق الثنائي الأميركي – السعودي، بالطبع، يجب على الولايات المتحدة أن تتبع إستراتيجية طويلة المدى لتحقيق أقصى قدر من أمن الطاقة لديها. من المنطقي تحفيز وتوسيع الطفرة النفطية الحالية، لكن الولايات المتحدة تحتاج أيضاً إلى مبادرة إستراتيجية لتضييق الخناق المستمر على قطاع النقل في البلاد. وهذا يعني تشجيع أنواع الوقود البديلة المتاحة بسهولة والتي يمكن أن تتنافس مع البنزين — الطاقة الكهربائية، للتأكيد، ولكن أيضاً ال”إيثانول” من إمدادات الغاز الطبيعي الوفيرة، والذرة، والنفايات الزراعية. في نهاية المطاف، فإن خفض قيمة النفط نفسه وتقليص الدور الذي يلعبه في إقتصاد العالم الحر هو أفضل طريقة للتعامل مع المخاطر التي يشكلها التواطؤ السعودي – الروسي.

• جون حنّا هو زميل كبير في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، حيث يركّز أبحاثه على إستراتيجية الولايات المتحدة. خلال فترة رئاسة جورج دبليو بوش عمل لمدة ثماني سنوات في طاقم نائب الرئيس ديك تشيني، بما في ذلك مستشار نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي.
• إن هذا المقال يمثّل رأي كاتبه وليس بالضرورة رأي “أسواق العرب”.
• كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى