المغرب يسعى إلى الإستقلال في مجال الطاقة في غضون 15 عاماً!

مشروعٌ للغاز الطبيعي المُسال تُقَدَّر كلفته بمليارات الدولارات، وإكتشافات غاز محلية، وإلتزام مستمر بالطاقة المتجددة، وُضعت كلها على سكة التنفيذ لتعزيز الطاقة الاستهلاكية والصناعية المتزايدة في المغرب، وتنويع مزيج الطاقة في البلاد.

الطاقة الشمسية: عنصر أساسي لمزيج الطاقة في المغرب مستقبلاً

الرباط – أمل برّادة

إقتربت المملكة المغربية من البدء بمشروعٍ ضخم للغاز الطبيعي المُسال تصل تكاليفه إلى 4.6 مليارات دولار، في أعقاب إعلان وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة عزيز الرباح، في منتصف كانون الثاني (يناير) الفائت، عن أن العطاءات الخاصة بمرحلة البناء سيتم إطلاقها في وقت لاحق من هذا العام.
ويجري تطوير المشروع الواسع النطاق، المُقرر الإنتهاء من إنجازه في العام 2025، كحزمة واحدة. وستشمل الأعمال محطتين جديدتين لتوليد الطاقة من خلال التوربينات الغازية كل واحدة بطاقة 1200 ميغاواط، ومحطة للغاز الطبيعي المسال ووحدة إعادة توحيد الغاز البرية في ميناء الجرف الأصفر على ساحل المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى خطوط أنابيب تربط المحطة بخط أنابيب المغرب العربي -أوروبا. وقد تم تأمين الاستشارات الفنية والمالية للمشروع في العام 2016.

الغاز الطبيعي المُسال والطاقة المتجددة سيشكلان ثلثي القدرة المثبتة

يُعَدُّ تطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي المُسال جزءاً لا يتجزّأ من الجهود الرامية إلى توسيع مزيج الطاقة وتلبية الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء.
في حين أن البلد صار بالفعل لاعباً رئيسياً في مجال الطاقة المتجددة، حيث يهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة من 32 ٪ إلى 52 ٪ بحلول العام 2030، فإن تنويع عنصر الوقود الأحفوري في محفظة الطاقة في المملكة بعيداً من الإعتماد على النفط والفحم هو أيضاً عنصر أساسي من برنامج الحكومة. في الوقت الحالي، يتم تلبية حوالي 94٪ من إحتياجات الطاقة الأساسية من خلال الإستيراد، بخاصة النفط والفحم، ولكن أيضاً بعض عمليات نقل الكهرباء المباشر.
من خلال مشاريع التطوير مثل محطة الجرف الأصفر، من المتوقع أن يشكل الغاز الطبيعي المُسال ما لا يقل عن 13٪ من إجمالي الطاقة بحلول العام 2025؛ وبالمقارنة، إستأثر الغاز الطبيعي بـ 5.8 ٪ من إستهلاك الطاقة الأساسية في العام 2015، وفقاً لبيانات المفوضية العليا للتخطيط.

المُوَرِّدين الدوليين لتوفير الغاز للبنية التحتية الجديدة

على الرغم من أن مشروع الجرف الأصفر لم يكن جديداً، إذ أن طرحه تمّ في العام 2015، فإن التركيز المُتجدِّد للمملكة على الغاز الطبيعي المُسال يُمثّل فرصة للمورّدين العالميين، وقد أعرب العديد من منتجي المنبع عن إهتمامهم بتوريد الغاز إلى محطة الغاز الطبيعي المسال المخطط لها.
بعد توقيع إتفاقيةٍ مع قطر في العام 2016 لزيادة التعاون الثنائي في تطوير الطاقة، قام وفدٌ أميركي يزيارة إلى المملكة في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي لمناقشة التغييرات في إتفاقية التجارة الحرة القائمة، مما يرفع الإحتمال بأن تكون الولايات المتحدة إسماً إضافياً على قائمة المصادر المُحتَملة للمواد الخام. وبعدما كانت أميركا في السابق مستورداً صافياً للغاز، من المتوقع أن تصبح لاعباً رئيسياً في السوق الدولية للغاز الطبيعي المسال بفضل تطوير قدرتها على إستخدام الغاز الصخري.
وفي الشهر عينه قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إن شركتي الطاقة الرئيسيتين “غازبروم” و”نوفاتِك” تبحثان على نحوٍ مماثل إمكانية توفير الغاز الطبيعي المُسال للمغرب وبناء البنية التحتية للطاقة فيه.

شركات التنقيب والإنتاج تُحدد ودائع غازية محلية

مع إستمرار البلاد في تقييم المُوَرِّدين المُحتَمَلين للغاز الطبيعي المُسال، فإنها تمضي قُدُماً في عمليات الإستكشاف والإنتاج المحلية، بعد تحديد مستويات واعدة بشكل متزايد من الغاز القابل للتسويق تجارياً.
في العام الفائت، ذكرت الشركة البريطانية المتخصصة بالتنقيب والإنتاج، “صاوند إينرجي” (Sound Energy)، أنها حددت رواسب في منطقة “تندرارة”، وأكدت على أنها إكتشفت حقلاً يُمكن أن يحقق الحلم المغربي القديم بشأن العثور على موارد طاقة ضخمة في باطن أرض المملكة.
وفي 23 كانون الثاني (يناير) الفائت، شاركت “صاوند إينرجي” مع المستثمرين فيها النتائج النهائية للدراسات التي تؤكد وجود مليارات الأمتار المكعبة من الغاز الصالح للاستغلال في باطن الأرض في شرق المغرب.
والنتائج التي أعلنتها “صاوند إينرجي” سابقاً عن وجود 18 مليار متر مكعب في البئر “تي أو-5″، أكّدها مكتب مستقل يُدعى “آر بي أس لإستشارات الطاقة”، في 22 كانون الأول (ديسمبر) الفائت.
وتُفيد المعطيات أن متوسط الموارد في الموقع بالنسبة إلى “تي أو-5” وحده تصل إلى 0.65 تريليون قدم مكعبة (1 تريليون قدم مكعبة يعادل 28 مليار متر مكعب)، أي 18.2 مليار متر مكعب.
ومن المعلومات المهمة أيضاً، أن الإعتماد المُنجَز من قبل المكتب المستقل، تمّ على مساحة 250 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل 1% فقط من المساحة الإجمالية لترخيص التنقيب عن الغاز في شرق المغرب، والتي تصل إلى 23,500 كيلومتر مربع.
ويُمكن أن يكون مخزون الحقل أكثر أهمية من ذلك، لأن الشركة قدّرت متوسط الإحتياطي الخالي من المخاطر في منطقة شرق المغرب بأكملها بـ17 تريليون قدم مكعبة، أي حوالي 476 مليار متر مكعب، ما يمكن أن يغطي حاجيات الاقتصاد المغربي المُقدَّرة بـ5 مليارات أمتار مكعبة سنوياً من قبل المخطط الوطني للتطوير خلال السنوات الـ90 المقبلة.
وفيما تشير الفرضية الأكثر إنخفاضاً إلى إحتمال وجود 252 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، تُراهن الشركة البريطانية على نتائج الإعتماد الذي قدمه المكتب المستقل من أجل مواصلة تنفيذ برنامجها المتعلق بالتنقيب، ومخططها الإنمائي، خصوصاً “إحراز تقدم في حلول التمويل الموجودة قيد النقاش”.
وأعلنت “صاوند إينرجي” في أيلول (سبتمبر) الفائت، بأنها توصلت إلى إتفاق لتمويل خط أنابيب بقيمة تتراوح بين 60 مليون دولار و100 مليون، يربط موقع “تندرارة” بخط الأنابيب المغاربي- الأوروبي، وهو العرض الذي جاء من مجموعة “أدفايزوري أند فاينانس”، وفاعلين مغربيين، و”أوجيف”، الصندوق الاستثماري المساهم في رأسمال “صاوند إينرجي”.
ومن المتوقع أن تعزز النظرة المُحسّنة لمرحلة التعدين المحلية الإستثمار في مجال التنقيب والإنتاج؛ كما تشير تقارير وسائل الإعلام المحلية إلى أنه سيتم إستثمار مبلغ 164 مليون دولار هذا العام، بعد إستثمارٍ بلغ 130 مليون دولار في العام 2017.
يُمكن أن يؤدي المزيد من الاستقلالية في إنتاج الطاقة إلى تقليص العجز التجاري في المغرب، الذي إرتفع بنسبة 2.8٪ في العام 2017 من 185 مليار درهم مغربي (16.3 مليار يورو) إلى 190.2 مليار درهم (16.8 مليار يورو)، وفقاً لمكتب الصرف في وزارة الإقتصاد والمالية. أما أكبر مساهم منفرد في الزيادة والتكاليف الإجمالية للواردات فكانت منتجات الطاقة، التي قفزت بنسبة 27.4٪ على خلفية الإرتفاع المتجدد لأسعار النفط.

خط أنابيب الغاز لربط الساحل الأفريقي الغربي

من المصادر المحتملة الأخرى للمواد الخام، وإن لم تكن محلية، فهي تتمثل بخط أنابيب الغاز الطبيعي المقترح بين المغرب ونيجيريا، والذي يخضع حالياً لدراسات جدوى متقدمة.
وسيحمل الرابط الذي سيبلغ طوله 4000 كلم الغاز النيجيري إلى المغرب، والذي يمكن أن يكون بمثابة نقطة تصدير للشحنات إلى أوروبا ويتيح الوصول إلى دول أخرى على طول الطريق.
وقد تم توقيع إتفاقات إضافية لخط الأنابيب هذا، الذي ستبلغ تكاليفه 25 مليار دولار، في أيار (مايو) 2017 في الرباط، مع ناصر بوريطا، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، الذي قال بأن المشروع سيُعجِّل في توفير الكهرباء في غرب أفريقيا وسيكون الأساس لإنشاء سوق كهرباء إقليمية تنافسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى