الخطر الآتي من الحدود يؤرق دول المغرب العربي

على الرغم من أن دول المغرب العربي تميل إلى تحقيق أمنها الحدودي بطريقة أحادية، إلّا أنّ من شأن زيادة التنسيق بين هذه الدول على المستوى المحلي أن تقدّم مقاربة أكثر إستدامة.

الجيش الجزائري: يبني جداراً مع المغرب لمنع تسلل الإرهابيين والمهربين

بقلم جاك روسيلييه*

المُشاحنات التي تتكرّر بين الرباط والجزائر حول عدم كفاية أمن الحدود، بما فيها الجهود غير الفاعلة لمكافحة الإرهاب والمخدرات، تُشكّل مرة أخرى مؤشراً إلى أن المنافسة بين البلدَين على السيطرة والهيمنة تُعرقل إمكانية التعاون الإقليمي. رسمياً، يحول الخلاف المرير على سيادة الصحراء الغربية دون توصّل الدولتَين إلى إتفاق حول الشؤون الإقليمية الأخرى مثل الأمن الحدودي. من جهته يحضّ المغرب الجزائر على وضع الخلاف جانباً من أجل العمل بفاعلية أكبر على مسائل مُلحّة أخرى في شمال أفريقيا، في حين لا يبدو أن لدى الجزائر أي محفزات لفصل الأمن الحدودي عن التوصل إلى تسوية نهائية حول وضع الصحراء الغربية ما دامت قادرة على إستخدام الأمن الحدودي وسيلة للضغط على المملكة في موضوع الصحراء الغربية.
بيد أن المغرب والجزائر، وكذلك تونس، تواجه جميعها المعضلة نفسها عند حدودها. لقد تزامنت الزيادة في التهريب عبر الحدود، خلال العقد الفائت، مع ظهور عدد كبير من الأفرقاء الجدد الذين يستخدمون أنماط التهريب القديمة. وهذا يطرح تحدّياً على الحكومات والأجهزة الأمنية على السواء – ضمن قدرتها على العمل فعلياً في هذه المناطق – بطريقة أدّت إلى تجريد الحدود من صفة الحماية وتحويلها إلى تهديدات مُحتَملة للأمن القومي. إن طبيعة التعاون الأمني غير المُنتظم والذي يعاني من شحّ الموارد في دول المغرب العربي، ويرزح تحت وطأة الخلاف السياسي المغربي-الجزائري، والحكومات الفاشلة أو الضعيفة في ليبيا وتونس، تتجلّى بشكل خاص في هشاشة المناطق الحدودية الفاضحة إزاء الجريمة العابرة للأوطان، والشبكات الإرهابية، والهجرة غير الشرعية.
في حين أن الحدود الممتدّة على طول 2,400 كلم بين الجزائر والمغرب وتونس وليبيا قد رُسِّمت بوضوح، فهي لا تُستخدَم لتعيين بداية سيادة الدولة أو نهايتها بقدر ما تُستعمَل كمناطق عازلة، أي أراضٍ قائمة بحد ذاتها تربط بين مناطق متّصلة جغرافياً. ليست لهذه الحدود أهمية إجتماعية أو إقتصادية أو حتى سياسية كبيرة بحد ذاتها، بل تُستخدَم كقنوات للتفاوض على الهويات العابرة للأوطان، وبناء إعتماد إقتصادي مُتبادل – بما في ذلك من طريق الهجرة وتهريب البضائع – وتسهيل حركة المجموعات المسلّحة، التي تنظر إلى هذه المناطق الحدودية كأرض خصبة طبيعية للتشدّد الإيديولوجي. وخلافاً للحدود في غالبية دول القارة الأفريقية، فإن الحدود بين المناطق الشمالية ذات الكثافة السكانية الأكبر في دول المغرب العربي، قديمة وراسخة: لم تفرضها أوروبا الإستعمارية، كما أنها لا تعكس إنقسامات جغرافية أو إثنية – ثقافية قوية. على النقيض، إن الحدود الخارجية للمغرب العربي في الجنوب موروثة إلى حد كبير من الإدارة الاستعمارية الفرنسية، لا سيما في الجزائر. وفي حين أن حدود المغرب مع الصحراء تُحدّدها في شكل أساسي المستعمرة الإسبانية السابقة للصحراء الغربية، فإن الجزائر تُدين بالجزء الخاضع لسيطرتها في الصحراء إلى المخطط والمصالح الاستعمارية الفرنسية في المنطقة. إن هذه الحدود المفروضة قسراً هي أقل منطقية في عدد كبير من الجوانب، ما يزيد من عوامل الهشاشة الأمنية في المغرب العربي.
لقد أدّت طبيعة الحدود الخارجية القابلة للإختراق في المغرب العربي، وإرتباط البلدان التاريخي بالطرق التجارية في الصحراء والساحل، إلى زيادة تعقيدات المسائل الأمنية عند الأطراف الهشّة في المنطقة. في الجزائر، تسبّب غياب الفاعلية في ضبط الحدود مع ليبيا وتونس (حيث سُجِّلت تحسينات لافتة في العمليات في الأعوام الماضية)، على إمتداد عقود، بتفشّي شركات التهريب، وأفضى إلى إزدهار الإقتصاد غير النظامي الذي يساعد على نشر الإستقرار في هذه المناطق المضطربة. كذلك شهد الفراغ النسبي في السلطة على طول حدود المغرب العربي، لا سيما في مالي وليبيا، ظهور الهجرة غير الشرعية وتجارة الأسلحة والمخدرات، ما يؤدّي إلى تغذية الشبكات الإرهابية – وقد تدهور الوضع سريعاً غداة الثورة التونسية وإنهيار الدولة الليبية في العام 2011.
وعلى الرغم من أن كلاً من المغرب والجزائر يعمل على حدة على تحسين إمكاناته في مجال ضبط الحدود وزيادة التمويل لهذه العمليات، إلا أن الزيادة في حجم التهريب والنزوح عند الحدود المغربية – الجزائرية ووتيرتهما تتسبب أيضاً بإرتفاع خطر الإرهاب العابر للأوطان. لقد ساهمت الجهود المتزايدة التي تبذلها الجزائر من أجل مكافحة الإرهاب، في كبح التسلل إلى المغرب عبر الحدود وخفضه إلى حدّه الأدنى، ويواجه المغرب تهديداً أكبر بكثير جرّاء عودة المقاتلين المتمرسين من سوريا وليبيا. إلا أنه ليس بمقدور الرباط والجزائر أن تستمرا في رفض التعاون في مجال الأمن الحدودي في المدى الطويل. فالخطر المتدنّي الذي تمثّله الحدود يضمن، في الحد الأدنى، أن “مسألة الحدود” الأزلية ستبقى ورقة سياسية تستطيع الجزائر أن تربطها بتسوية أوسع لقضية الصحراء الغربية.
إلى جانب غياب التنسيق لدرء هذه التهديدات العابرة للأوطان، تفتقر بلدان المغرب العربي إلى سياسة لمعالجة المشكلات المشتركة للمجتمعات المحلية المفقَرة، والمهمَلة سياسياً، والتي يسهل دفعها نحو التشدد في المناطق الحدودية المشتركة – لا سيما في جنوب شرق المغرب، وجنوب شرق الجزائر، وغرب تونس. إن السبيل الأفضل لمعالجة الأسباب الجذرية للمظالم المتنوّعة التي تعاني منها هذه المناطق هو إعتماد مُقارَبة محلية عابرة للحدود ومتعددة الجوانب. فالإكتفاء فقط بالجهود الهادفة إلى ضبط الأمن عند الحدود يزيد من حدة الإضطرابات السياسية، أو حتى يزيد من جاذبية الإيديولوجيات المتطرفة، لأن التشدد في قمع التهريب يتسبّب بتعطيل الخيارات المتاحة أمام السكان المحليين لكسب معيشتهم. على سبيل المثال، تضاعف عدد السكان في مدينة تمانراست جنوب الجزائر – وهي نقطة وصل تجارية إستراتيجية بين ليبيا والجزائر ومالي والنيجر – ثلاث مرات في الأعوام العشرة الماضية، لا سيما بسبب التجارة غير الشرعية، التي يصعب إستبدالها بأنشطة إقتصادية قانونية مربِحة بالدرجة نفسها. ويُمكن أن تُحقق التجارة غير الشرعية للبنزين الجزائري الرخيص عبر الحدود التونسية، متوسط أرباح يتراوح من 120 إلى 160 دولاراً في اليوم لمجموعة واحدة من المهرّبين، بالمقارنة مع 6 إلى 9 دولارات في اليوم للباعة القانونيين في شوارع تونس.
يذكّرنا ظهور هذا الاقتصاد في المناطق الحدودية، بأنه خلافاً لأوروبا – حيث نمت الدول المركزية وراحت تستخرج الثروات والنفوذ من دول الأطراف – بدأ بناء الدولة في شمال أفريقيا مع تأسيس مدن عند الطرق التجارية العابرة للصحراء، والتي إستخدمتها مراكز النفوذ المحلية لاحقاً كمنصّات إنطلقت منها لفرض حكم السلالة المركزي. وهكذا فإن الحدود في المغرب العربي هي فضاءات إقتصادية متماسكة، مع هويات مشتركة تُفرَض على بيئة متنازع عليها على الدوام، بدلاً من الأطراف النائية العصيّة على الحكم عند هامش الأراضي الوطنية. على الرغم من تحدّيات التنمية البشرية، تُعتبَر المناطق الجنوبية في الجزائر والمغرب إستراتيجية كما “المركز”. على سبيل المثال، يضم جنوب الجزائر، الذي يشكّل 80 في المئة من مساحة البلاد ويقطنه 9 في المئة من السكان، الجزء الأكبر من قطاع النفط والغاز المربح في البلاد، الذي يؤمّن 35 في المئة من إجمالي الناتج المحلي ونحو 75 في المئة من إيرادات الدولة.
إن الإبقاء على الوضع القائم في الأراضي الحدودية المعقّدة في المغرب العربي يُمكن أن يخرج بسهولة عن السيطرة. غير أن الجمع بين الجهود الأمنية العابرة للحدود على المستويَين الإقليمي والمحلي، وبين إستراتيجية عملية للتنمية الإقتصادية تُقدّم موارد إقتصادية بديلة من التهريب والإتجار بالبشر، قد يساهم في بسط الاستقرار في هذه المناطق. بإمكان المحافظات الواقعة عند الحدود المغربية -الجزائرية أو الجزائرية – التونسية، مثلاً، تطبيق إستراتيجية مشتركة للتنمية والأمن في المناطق الحدودية على المستوى المحلي. من شأن هذا النموذج ذي الطابع المحلي، في حال حصوله على دعم مناسب من الحكومات المركزية، أن يُتيح زيادة التعاون وتعزيز الأمن من دون أن تُضطَر الدول إلى تغيير مواقفها حول ما إذا كان يجب ربط المسائل الحدودية بالقضايا السياسية مثل وضع الصحراء الغربية.

• جاك روسيلييه أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العسكرية الأميركية، شارك في تحرير كتاب “آفاق حول الصحراء الغربية: الأساطير والقومية والجيوسياسة” الذي صدر في 2014.
• عُرِّب هذا المقال من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى